قف معهم حتى لا يقفوا

منذ 2014-01-25

أتمنى أن يسمع صوتي كل مشغول عن تربية أولاده ورعاية مواهبهم وإبداعاتهم وأنا أقول: "إياك أن تعجز ولو عن توفير المصادر المتنوعة لتنمية ثقافة أبنائك، وإثراء مفرداتهم ومعلوماتهم، فسيستفيدون منها يوماً ما".


قبل أن أسلّم رأسي للوسادة طرق علي ولدي ذو الخمسة أعوام الباب مستأذناً.

أذنت له بالدخول وإذ به يدلف معي في غطائي دون استئذان، فركت شعر رأسه وقبلته ثم سألته: "هل تريد أن نبدأ قصتنا لهذه الليلة؟".

أجاب مسروراً: "بكل تأكيد".

قلت له: "ولكني سأبدأ القصة وعليك أن تكملها حتى أنام أنا أولاً!"

نظر إليَّ مستغرباً، وأردف قائلاً: "لكني لا اعرف!"

قلت له: "دعنا نجرب".

بدأت القصة بالبداية التقليدية: "كان يا ما كان..."

ومن ثم بدأتُ في اختلاق بعض الصور وتركيبها حتى تبدو له أنها قصة!

وفجأة قلت لضيفي: "هيا لقد جاء دورك لتكمل القصة".

بدأ صغيري متردداً، وكنت أحفِّزه ليواصل، وإذ به ينطلق ليتلاعب بالصور بسرعة وتدفق يفوقان فعل أبيه!

وعندما كان يتوقف؛ لم أكن لأمهله، فأبادره سائلاً: "وماذا بعد؟"، "ماذا حصل للولد؟"، |وكيف تصرّفت أمه؟"

وعندما كنا نغوص في تفاصيل القصة طُرق الباب من جديد، ودخلت أخته ذات التسعة أعوام، ولم أعرها حينها أي اهتمام، خوفاً من أن تقطع على أخيها تسلسل القصة.

جلست بنتي ترقب أخاها وهو يكمل القصة، وكانت تهوى القصص وتقرأها بشغف.

وبعد فترة وجيزة؛ أغلقت مع ولدي القصة، قائلاً: "وهذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة". وودعته مثلما استقبلته.

حينها انبرت أخته سائلة الفرصة لتروي قصتها (الدنانير والصلاة).

أعطيتها الإشارة لتبدأ قصتها:

بدأت قصتها بكل طلاقة وكأنها تقرأ من كتاب، وكنت أتمتم حامداً شاكراً، ومع كل توقف لها أردد: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

وبينما كانت تواصل سردها؛ انفصلت بتفكيري عنها سائلاً نفسي: "من أين اكتسبت هذه اللغة الجميلة؟!"

أخطاؤها النحوية لا تذكر!

وسردها لا يتوقف؟ لديها طلاقة لفظية ومفردات كثيرة!

وقبل أن تتم قصتها تداركتها بابتسامة استمرت حتى أنهت القصة.

أثنيتُ على أدائها وسألتها: "أين قرأتِ هذه القصة يا بنيتي، ومتى؟"

أجابت: "لقد قرأتها هذه اليوم من أحد الكتب المرصوصة في مكتبتك؟"

غادرَتني وكلي سرور وغبطة وتعجب ودهشة في ذات الوقت.

وعندما انفردت بنفسي؛ أطلقت لأنفاسي العنان، حامداً وشاكراً للواحد المنان.

وكنت مستلقياً فجلست متأمِّلاً: "يا الله! كم يوجد من إبداعات في بيوت المسلمين، لكن أين من يُعيرها اهتمامه؟"

وكنت أتمنى أن يسمع صوتي كل مشغول عن تربية أولاده ورعاية مواهبهم وإبداعاتهم وأنا أقول: "إياك أن تعجز ولو عن توفير المصادر المتنوعة لتنمية ثقافة أبنائك، وإثراء مفرداتهم ومعلوماتهم، فسيستفيدون منها يوماً ما". 

عبد الله بن صالح المالكي

 

  • 0
  • 0
  • 825

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً