الرجل الألف المعاصر (1)

منذ 2014-01-25

تقلبت العناوين في رأسي قبل أن أكتب هذه الأسطر؛ لأختار منها عنواناً مناسباً لبطلنا، والذي يعد في هذا الزمان قدوة لكل مسلم، وهو بحقٍ الرجلُ الألف في هذا الزمان، بل رجل بأمة، نعم، رجل بأمة، وحقت له هذه التسمية.


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد تقلبت العناوين في رأسي قبل أن أكتب هذه الأسطر؛ لأختار منها عنواناً مناسباً لبطلنا، والذي يعد في هذا الزمان قدوة لكل مسلم، وهو بحقٍ الرجلُ الألف في هذا الزمان، بل رجل بأمة، نعم، رجل بأمة، وحقت له هذه التسمية.

الداعية الكبير، الذي دخل في دين الله بسببه أناس كثر، إنه الشيخ الجليل عبد الرحمن بن حمود السميط، الداعية الإسلامي المعروف، الشوكة في حلق النصرانية، ودرع الإسلام وحصنه في قارة أفريقيا، الرجل الذي تتساقط الدمعات من عينيه حين يرى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وهم يبكون، على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون: أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟

لقد ساهم في تأسيس كثير من الجمعيات الخيرية ولجان الإغاثة والدعوة مساهمة فعلية كانت حافلة بالعطاء والخير من ذلك:

بناء 5500 مسجد، وتوزيع 7 مليون مصحف باللغة العربية واللغات الأفريقية، وكفالة أكثر من 50 ألف يتيم، وبناء وتسيير 840 منشأة تعليمية ابتداء من رياض الأطفال حتى الجامعات، ودفع الرسوم الدراسية عن 150 ألف طالب محتاج، وكفالة أكثر من 3000 طالب للدراسات الجامعية، وتقديم أكثر من 700 منحة دراسية للدراسات العليا، وترجمة وطباعة 9 مليون كتاب بـ 22 لغة، وبناء 110 مركز تربوي واجتماعي يشتمل على: مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية وسكن للأيتام ومسجد، ومستوصف، ودار لتدريب النساء الفقيرات، ودار للمهتدين الجدد، وسكن لمدير المركز، وبئر ارتوازي، وحفر أكثر من 12000 بئر ماء سطحي وارتوازي لتوفير الماء النظيف لأهالي القرى والمناطق الفقيرة، وتنفيذ أكثر من 150 مخيم طبي متخصص لعلاج أمراض العيون، وبناء وتسيير 90 مستوصف ومستشفى، وكفالة 2000 معلم، وإقامة 10 محطات إذاعية في أفريقيا، وإقامة 750 دورة للمعلمين وأئمة المساجد وشيوخ القرى، وتنفيذ 3 سدود مائية في مناطق الجفاف، وإرسال 500 ألف طن من المساعدات والأدوية والأغذية والملابس، وقدمت الجمعية عشرات المشاريع ذات الأفكار الجديدة مثل بنك الحبوب الذي استفاد منه عشرات الآلاف من المزارعين الفقراء" (http://direct-aid.org/cms/?pageid=517).

هذه بعض الإنجازات التي قام بها هذا الرجل الذي قلَّ وندر أمثاله خلال ما يقرب على ثلاثين عاماً، في القارة السمراء المبتلاة بثالوث الفقر والجهل والمرض، والتي نسيها المسلمون، وغفل عنها الدعاة، في حين نشط فيها المنصرون منذ قرن ونصف القرن تقريباً، تمدهم وتدعمهم الكنائس العالمية الكبرى بالأموال الطائلة، والتبرعات الكبيرة والكثيرة، وتخصص لهم الميزانيات الهائلة، والإمكانات الكبيرة لينصّروا المسلمين، ويزيدوا في كراهة الناس للإسلام؛ مستغلين في ذات الوقت حاجة الناس البسطاء إلى لقمة الخبز التي تسد جوعتهم، وحبة الدواء التي تخفف ألمهم، وقطعة القماش التي تستر سوأتهم.

إن تجارب هذا الرجل كثيرة، وهي غير خافية، والنتائج أرقام مهولة ممن يدخلون في دين الله عز وجل أفواجاً، حتى ورد أنه أسلم على يديه أو بسببه خمسة ملايين نسمة من الأفارقة الذين لبّس عليهم النصارى دينهم، وحتى من النصارى ودعاتهم في هذه القارة السمراء الفقيرة.

ما هي ثمرات هذا الرجل؟

من ثمرات هذا الرجل أنه حافظ على حياض الإسلام في القارة الإفريقية، ووقف كالجبل الشامخ أمام حملات التنصير الشعواء التي تستهدف أبناء الإسلام في هذه القارة، وتذكر بعض الأخبار أنه أسلم على يديه ما يقرب على خمسة ملايين فرد.

ومن ثمراته أيضاً: "لقد أسلم في أثيوبيا وشمال كينيا خمسون ألفاً من قبيلة (البوران)، وأسلم ثلاثون ألفاً في شمال كينيا من قبائل (الغبرا) و(البرجي)، وأسلم مئات الألوف في رواندا ومثلهم في ملاوي، و80 ألفاً أسلموا في جنوب تشاد، وستون ألفاً في جنوب النيجر، وعشرات الألوف في جنوب السنغال وغينيا الغابية وبنين وسيراليون وغيرها، -حتى قال هو عن نفسه بعد عرضه لهذه النتائج-: وهذا ما جعلني أشعر بعظم مسؤوليتي أمام الله، وأن الطريق طويل والعقبة كؤود والزاد قليل، فكيف ألقي عصا الترحال وهناك الملايين ممن يحتاجون للهداية وأنا بحاجة إليهم يوم القيامة؛ ليشهدوا لي لعلِّي أدخل الجنة بدعاء واحد منهم؟" (http://www.muslmh.com/vb/t17209. html).

إن الدكتور الجليل، والشيخ الفاضل عبد الرحمن السميط قبل أن يكون جبلاً عظيماً من جبال الدعوة، وعلماً من أعلامها في أفريقيا، كان يشتغل بالطب في بلده، يتفقد أحوال المرضى، يسأل عن أحوالهم، يسد حاجتهم، يرفق بهم، وهذه البذرة التي في نفسه هي التي جعلته يسارع إلى إفريقيا حين سمع بالمجاعة التي اجتاحتها، وأدرك في ذات الوقت خطورتها، وخطورة من سيستغل هذا الوضع المأساوي عقائدياً، ودينياً؛ لينحرف هؤلاء الفقراء عن دينهم، ويرتدوا على أدبارهم.

أين نحن من هذا الرجل؟

أين نحن من هذا الرجل، بل أين المسلمون جميعاً -باختلاف أطيافهم وفئاتهم- من هذا الرجل؟

أين المسئولون، والأغنياء، والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، والدعاة وطلبة العلم من هذا الرجل؟

ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا قدمنا لديننا، وأي مشروع نحمله من المشاريع التي ترقى بالأمة والمجتمع؟

أين نحن من سؤال هؤلاء بعد أن يرجعوا إلى دين الله عز وجل، وإلى محضن الإسلام حين يقولون: أين أنتم يا مسلمون؟ لماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟

إنها كلمات موجعة، يقطر القلب دماً حين تسري إلى أسماعنا، وتختلج أفئدتنا، تبين لنا جلياً حجم المسؤولية الملقاة على عواتقنا كمسلمين، أفراداً وجماعات.

أما إنه لا يريد من كل هؤلاء ترك أعمالهم، أو بذل أموالهم، والتفرّغ للدعوة فقط في إفريقيا أو غيرها، بل أولًا لا بد من إقامة الدين في أنفسنا، وأهلينا، ومجتمعنا.

هذا الرجل اهتدى بسببه الملايين، فكم أقلع بسببك من العصاة عن معصيتهم، نعم من العصاة، العصاة لا الكفرة؟

معذرة يا أهل إفريقيا:

بكل أسف، وبكل مأساة نقول معذرة يا أهل إفريقيا، نقولها والقلب يعتصر كمداً، نعم معذرة؛ لأننا نحن المسلمين في وادٍ آخر إلا من رحم الله نعم، وادٍ مختلف جداً عما تريدونه منا، وادٍ مغاير تماماً.

إن الناظر لحالنا اليوم يجد الفرق شاسعاً، يجد مسلمين بلا هوية، مسلمين منشغلين بأخبار الدوري الرياضي الذي هو أكبر اهتمامات الكثير، ومتابعة آخر تطورات البورصة، التي بسببها لا نجد وقتاً للتفكير في ذواتنا وأبنائنا فضلاً عن أن ننظر إليكم، وغيرها من الأمور التي تقرر بجلاء ووضوح أن كثيراً من المسلمين اليوم أصبحوا بعيدين كل البعد عن دينهم، وأصبحت بينهم وبينه مسافات شاسعة.

ماذا نستفيد من هذا كله؟

إن الحديث عن هذا الجبل الشامخ يجعلنا نقف وقفات كثيرة، ونستفيد دروساً عظيمة، منها:

أولاً:
يجب أن نتذكر ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ونعيها ونتدبرها جيدًا، هي: قال صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله» (رواه الترمذي: [2670]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة [4/216]).


وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هُدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً...» (صحيح مسلم: [2674])، وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم» (صحيح البخاري: [3498]، ومسلم: [2406]).

هذه الفضائل وغيرها كم للشيخ السميط وأمثاله نصيب منها، فأين المشمرون لنيل هذه المكاسب؟

ثانياً:
في إفريقيا يموت طفل كل ثلاثين ثانية؛ بسبب الجوع، هذا ما يؤكده القائمون على مثل هذه المشاريع، فهل نستشعر النعمة التي نتقلب فيها، وهل نحافظ عليها، ونرعاها، ونؤدي شكرها لواهبها عز وجل.


ثالثاً:
يجب مد يد العون المباشر والسخي لهذا الرجل ولأمثاله من القائمين على مثل هذه الثغرة الهامة، والتي غفل الكثير عنها.


رابعاً:
بالنظر إلى الشيخ السميط، وأمثاله في إيثارهم وتركهم العيش الرغيد، ووسائل الترفيه، ومتعة العيش الهنيء، كل هذا تركوه لله عز وجل؛ احتساباً لما عند الله تبارك وتعالى، فهل نستطيع نحن أن نترك شهواتنا، وملذاتنا، وما نقوم به من أمور قد تكون فيما لا يرضي الله عز وجل، نتركها لله ورغبة فيما أعده لعباده، وخوفاً من عقابه، ونحتسب كل ذلك لله تبارك وتعالى.


خامساً:
بالنظر إلى هذا الدين، نجد أنه ما إن يدغدغ المشاعر، حتى تنفتح له القلوب، وتنقاد له الأفئدة، وتنصهر له الأجساد الغلاظ الشداد، بأقل تكلفة وجهد، حتى في نفوس أعداء هذا الدين قديماً، وحديثاً، ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتابع أحوال الدعاة إلى الله عز وجل في مثل هذه الأماكن يلحظ ذلك جلياً واضحاً؛ لأن الدين دين الفطرة، الذي لا يتعارض مع الفطرة السليمة، {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الناسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]، ولهذا أمرنا بأن نستقيم على هذا الدين الذي هو دين الفطرة، ولهذا بدأت الآية بقوله تبارك وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ}.


أخيراً:
إن أحدنا ليحتقر نفسه، ويراها صغيرة لا تساوي شيئاً؛ أما أمثال هؤلاء الجبال الذين بذلوا النفس، والغالي والنفيس، والجهد، والوقت، وكل ما يملكون؛ حباً في أن يهتدي هؤلاء، ويرجعوا إلى دين الله عز وجل، فاستحقوا كل صدق أن يكونوا رجالاً بأمة.


نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين، ولا مضلين، وأن يوفق العاملين في هذا المجال إلى كل خير، وأن يوفقهم، ويسدد خطاهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.

ــــــــــــــــــــــ

1- (عنوان هذه الأسطر مقتبس من عنوان محاضرة للشيخ إبراهيم الدويش من محاضرته الشهيرة الرجل الألف). 

محمد أحمد المطاع

 

  • 1
  • 0
  • 1,893

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً