تونس...بين التحرر والإسلامية

منذ 2014-02-01

يعد الرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن علي" من أكثر زعماء تونس فسادا، ومنذ تاريخ استلامه السلطة بانقلاب أبيض على الحبيب بورقيبة يوم (7 نوفمبر 1987/ إلى يوم فراره في 14 يناير 2011), بعد هذه الحقبة السوداء من تاريخ تونس بدأت مرحلة جديدة استنشق خلالها الشعب التونسي عبير الحرية، وأزيلت عنه قيود الطغيان التي تسببت في صناعة كيان غريب عن أصالة هذا الشعب وماضيه المرتبط بالإسلام.


يعد الرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن علي" من أكثر زعماء تونس فسادا، ومنذ تاريخ استلامه السلطة بانقلاب أبيض على الحبيب بورقيبة يوم (7 نوفمبر 1987/ إلى يوم  فراره في 14 يناير 2011), بعد هذه الحقبة السوداء من تاريخ تونس بدأت مرحلة جديدة استنشق خلالها الشعب التونسي عبير الحرية، وأزيلت عنه قيود الطغيان التي تسببت في صناعة كيان غريب عن أصالة هذا الشعب وماضيه المرتبط بالإسلام.

بدأت تونس تشهد صحوة إسلامية كبيرة تمثلت في عدة مظاهر أثارت الانتباه منذ فرار بن علي وسقوط حكم حزب التجمع وظهر ذلك جليا من خلال الارتفاع الملحوظ في عدد المساجد والمدارس القرآنية وطلاب العلم إذ عرفت كل محافظات البلاد دون استثناء فتح دور عبادة جديدة للصلاة ولتعليم أصول الشريعة وتجد إقبالا كبيرا وقد تم فتح ما يقارب 300 مسجد جديد بمختلف المحافظات التونسية ومن ضمنها مساجد وقع الإمضاء على عدم بنائها في عهد النظام السابق الذي حاول إبطال كل المشاريع المرتبطة بالإسلام مهما كانت، ومن ذلك نذكر جامع "أولاد دلالة" من محافظة سيدي بوزيد الذي وجد النور اليوم وتم إنشاء 20 مدرسة قرآنية أغلبها خاصة منها مدرسة الإمام مالك التي تعد أبرز المدارس القرآنية في تونس بفضل ما ستخوله لطلبة العلم بها, ونظرا لارتفاع وتضاعف عدد المساجد والمدارس القرآنية فقد ارتفع عدد طلاب العلم الذين بدؤوا يتضاعفون من سنة إلى أخرى ووصل عددهم إلى ما يقارب 600 طالب علم وهو عدد  كبير ومرتفع بالمقارنة إلى ما كانت عليه البلاد وما أصبحت عليه اليوم, وفي نفس السياق تمت المصادقة على الرائد الرسمي للجمهورية التونسية بإعطاء الإشارة لانطلاق عمل مجموعة من الجمعيات الخيرية التي تعد ما يقارب 70 جمعية خيرية من أهمها نذكر جمعيات ناس الخير وعون, وقد تحدثنا إلى مجموعة من مسؤولي الجمعيات الخيرية الذين أكدوا لنا كون العمل موجه نحو إعانة الناس وتقديم مساعدة انشائية وفي نفس الوقت العمل الدعوي أيضا من خلال المساهمة في إنشاء مساجد وتأثيثها.


كما عرفت البلاد التونسية ما بعد تاريخ فرار "بن علي" عودة عدة خطباء وعلماء إلى منابر المساجد, منهم من كان منفيا خارج أرض الوطن ومنع من العودة والتجول في تونس, ولعل من أبرزهم الشيخ "الخطيب الأدريسي" أصيل محافظة سيدي علي بن عون من وسط البلاد  أحد أهم أئمة البلاد اليوم إن لم نقل أهمهم على الإطلاق نظرا للشعبية الكبيرة التي يعرفها  بفضل دوره وتأثيره الكبير لدى عامة الشباب رغم أنه شيخ طاعن في السن و ضرير ضاق سنوات من الجمر والعذاب في العهد السابق إذ يقدم دروسا وخطبا في كل محافظات البلاد ويتكبد السفر رغم سنه وصحته.


كما نذكر أيضا الشيخ "بشير بن حسن" أصيل محافظة مساكن من الساحل التونسي الذي كان بدوره منفيا من تونس وعاد  فور رحيل "بن علي" إذ تمكن من جمع مجموعة من الشباب وبدأ في عمله التوعوي والتعليمي إلى أن تطور عمله حتى أنه ساهم في إنشاء أول قناة دينية في تونس وهي قناة الإنسان التي تشهد نسبة مشاهدة كبيرة جدا قبل أن يتم اعتقال الشيخ بشير بن حسن  اليوم في فرنسا ولم نعرف إلى الآن السبب الرئيسي في اعتقاله!!


كما شهدت المرحلة الراهنة بوادر إصلاحات كبيرة وجذرية في وزارة الشؤون الدينية التونسية من خلال إعادة النظر في وضعيات إطارات المساجد (المؤذن -إمام الخمس -الإمام الخطيب- عمالة النظافة...) وتحسين وضعيتاهم التي كانت أقل ما يقال عنها مأسوية و صعبة للغاية ومقيدة في كل شيء وإعطاء الفرصة للكفاءات بالبلاد و الأجدر عكس ما كان سائد بالميولات والمحسوبية والقرابة حيث سيتم في الفترة القادمة خاصة بالنسبة للمساجد الجديدة إجراء اختبارات في الشأن بين المترشحين والتي لقت استحسان وقبول لدى الجميع واعتبروها خطوة مهمة نحو الإصلاح الديني بالبلاد.


استقلالية و تحرر:

ومن بين أهم القيود التي كانت سائدة في عهد النظام الديكتاتوري السابق لحكم "بن علي" هي السيطرة الكلية والمحاصرة التامة لبيوت الله والنفوذ الكبير الذي كانت تديره السلطة الحاكمة من خلال فرض قيود معينة وتعيين أئمة وفق الميول للحزب الحاكم ووجوب تمرير الدروس والخطب والمحاضرات على وزارة الشؤون الدينية قبل إلقائها، إلى جانب المضايقات الرهيبة على الملتزمين دينيا حتى في الأحزاب السياسية أما الآن فثمة تحول عميق من خلال التحرر الكبير الذي شهدته مختلف دور العبادة وأصبحت حرية إلقاء الخطب والدروس في الجوامع والمساجد وغيبت الرقابة حاليا على بيوت الله مما أتاح فرص أكبر لحرية التعبير ولم نعد نرى أي أثر للتحكم والسيطرة؛ حيث بدأ التحرر يطغى على أغلبية الخطب والدروس وفي هذا الصدد تحدث موقع "البيان" إلى أحد أبرز الأئمة الخطباء في تونس "الشيخ رضا الجوادي" الإمام الخطيب بأكبر جامع في تونس "جامع اللخمي" من محافظة صفاقس وقال في معرض تعقيبه على التغيرات التي تشهدها البلاد على هذا الصعيد: "الحمد لله بفضل الله ونعمه علينا قد أنزل بركة الثورة الشعبية في تونس وأخرجنا من فترة التصحر الديني التي عشناه لعقود طويلة من الزمن وكانت سببا لنا في التخلف والتراجع وها نحن اليوم نعيش على وقع استقلالية تامة وتحرر كامل في الشأن العقائدي وصرنا نلقي الخطب والمحاضرات بكل حرية واستقلالية بعيدا عن كل ضوضاء حزبية رغم مضايقات التيارات العلمانية والفوضويين لنا من كل صوب وحدب".


العلمانيين ومواجهة الإسلام:

لئن تميزت التيارات العلمانية في عهد بن علي بالصمت والخضوع، ولم نرى لها أي أثر أو وجود في ظل محاربة النظام السابق في حد ذاته للدين الإسلامي، وكانت مع النظام من أجل محاربة الإسلاميين بصفة عامة وسجنهم والآن وبعد تغير الموازين وأمام تواصل زحف الصحوة الإسلامية هاهي الحركات العلمانية تدخل في الواجهة وبقوة من أجل القضاء على الوجود الإسلامي, حيث تصب الآن كل وسائلها وتجند الإعلام من أجل السيطرة على الرأي العام  وبث البلبلة في كل مرة وتشيع الأخبار الباطلة والزائفة التي تدعو إلى مواجهة التيار السلفي بشتى الطرق واتهامهم بــ"الإرهاب" واتهام كل الإسلاميين بصفة عامة بالوقوف وراء ما يحدث بالبلاد من أجل إعادة إحياء النظام السابق و تمهيدا للانتخابات المقبلة التي يريدون دخولها بشعبية كاذبة وزائفة, حيث يركز العلمانيين الأن عملهم على إرباك المسار الحالي للبلاد ومواصلة عرقلة كل الجهود الداعية إلى تجاوز ما كان يرتكبه نظام بن علي وفلوله, وقد تحدث للــ"البيان" القيادي بحركة وفاء "عبد الرؤوف العيادي" مؤكدا لنا أن: "التيارات العلمانية هي قلة قليلة تسعى إلى إرباك المسار الحالي للبلاد وما هي إلا فلول للنظام السابق والانتهازيين الذين يحالون إغراق الشعب في الفساد والفوضى العارمة لو كشف أرشيفها لصمتت وعرفت حق قدرها, جندت الإعلام ووسائلها الخاصة لضرب الإسلام بدرجة أولى وإلقاء التهم الواهية وفبركة روايات لا أساس لها سوى من الخيال وهي تيارات مدعومة خارجيا من فرنسا والمخابرات والإتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني الساعي إلى ضرب البلاد ككل و عرقلة مسارها ".


محاربة الخمر و الدعارة:

الخمر والدعارة والمخدرات وغيرها هي إحدى المظاهر السلبية التي تشهدها الأمة الإسلامية ككل و تعرف زحفا لدى شعوبنا، وهي ثقافة غربية مستوردة، وتونس من بين الدول العربية التي لا تخلو من مثل هذه المظاهر التي تظل سائدة وخلال هذه السنوات وعكس العقود الماضية تشهد المحافظات التونسية عمليات تمشيط واسعة للقضاء على هذه المظاهر المعادية للإسلام, ويتم بصفة يومية إلقاء القبض على مروجي المخدرات والخمر إلى جانب القبض على مرتدي الرذيلة في سياسة تهدف إلى مزيد التقليص إلى حين القضاء النهائي ولو صعب على مثل هذه المظاهر المذهبة للعقول, وكون مختلف أئمة البلاد يقدمون دروسا في هذا الشأن من أجل الإقناع و المحاججة للابتعاد وعدم الانسياق وراء الفساد الأخلاقي المنتشر، ونلحظ هنا وهناك، حملات أمنية مكثفة بصفة دورية ويومية، وتصلنا أخبارا متواصلة عن إلقاء القبض على هؤلاء الشباب الذي لم يجدوا سوى طريق الفساد والرذيلة رغم ما فيه من مخاطر وانحطاط أخلاقي.

و رغم كل الوسائل الردعيَّة فإن التقصير لا يزال متواصل من قبل الفِرق الأمنية في تونس للقضاء على مثل هذه المظاهر السلبية التي تبقى موجودة ولو نسبيا حيث نلاحظ في بعض المناسبات تواجد المخمورين حتى في الشوارع والساحات العامة ويقلقون راحة المارة والمواطنين.


تطهير الإعلام:

لن نذهب بعيدا حيث ما قدمته مختلف وسائل الإعلام المحلية خاصة المرئية منها ليلة رأس السنة الميلادية هو دليل قاطع على تواصل الانحطاط الأخلاقي والتفسخ الرهيب الذي لا تزال تعيش وتنضوي تحته الصحافة التونسية التي لم تقدم أي مادة ترتقي إلى حجم تطلعات المجتمع التونسي المسلم بل على العكس تواصل تقديم برامج منحطة وتعادي السنة وما هو مألوف عند الأمة العربية الإسلامية، إذ تم ليلة السنة الميلادية عرض برامج ما أنزل الله بها من سلطان خلفت ردود فعل غاضبة ومشمئزة مما تم عرضه, حيث لا تزال هذه الوسائل الإعلامية  تعتمد على العراء والإغراء وتقدم مواد ليست سوى مبرمجة غربيا ولها يد في ذلك, فقنوات الوطنية الأولى والثانية وقناة التونسية وقنوات حنبعل ونسمة هي إحدى القنوات التي أصبح الشعب التونسي يطالب بتطهيرها من الأيادي العابثة  الفاسدة والتي تمعشت عهد النظام التجمعي السابق وسرقت حتى أموال الشعب وقضت على أصول الدين وجعلت من البرامج الدينية شحيحة للغاية ولا تتجاوز البرنامج في الأسبوع وهو أمر خطير وهو ما ينطبق فعلا مع صحف أمثال الصريح والشروق وإذاعات موزاييك وشمس أف أم التي لم يعد همها سوى معادة الإسلام ونشر الأكاذيب على التيار السلفي وكل من له صلة بالإسلام من بعيد أو من قريب, فتطهير أمثال هذه الوسائل الإعلامية إحدى أهم الخطوات نحو التخلص من التبعية الغربية وتجاوز الفساد والتفسخ الأخلاقي والرذيلة وغيرها من المشاكل التي تواجه سلامة المجتمع التونسي المسلم.


زياد عطية
 

المصدر: مجلة البيان
  • 1
  • 1
  • 9,580

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً