الأدب مع العلماء

منذ 2014-02-02

إن من خير المجالس مجلساً يذكر فيه اسم الله، يعمر بالتسبيح والتهليل، والتحميد والتكبير، والذكر والدعاء، وهكذا مجالس العلم والعلماء.



 
إن من خير المجالس مجلساً يذكر فيه اسم الله، يعمر بالتسبيح والتهليل، والتحميد والتكبير، والذكر والدعاء، وهكذا مجالس العلم والعلماء.
 
قال شقيق البلخي لصاحبه حاتم الأصم: قد صحبتني مدة فماذا تعلمت؟ قال: ثماني مسائل:
 
أما الأولى: فإني نظرت إلى الخلق فإذا كل شخص له محبوب، فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه، فجعلت محبوبي حسناتي لتكون معي في القبر.
 
وأما الثانية: فإني نظرت إلى قوله تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله.
 
وأما الثالثة: فإني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قوله عز وجل: {وما عندكم ينفد وما عند الله باق} فكلما وقع في يدي شيء له قيمة وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظاً.
 
وأما الرابعة: فإني رأيت الناس يسرعون إلى المال والحسب والشرف وليست بشيء، فنظرت إلى قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} فتركت الحسد.
 
وأما الخامسة: فإني رأيتهم يتعادون فنظرت في قوله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً}، فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان وحده عدواً.
 
وأما السابعة: فإني رأيتهم يذلون أنفسهم في طلب الرزق فنظرت في قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فاشتغلت بما له علي وتركت ما لي عنده.
 
وأما الثامنة: فإني رأيت الناس متوكلين على تجارتهم وصنائعهم، وصحة أبدانهم، فتوكلت على الله.
هذه هي الصحبة الطيبة، ونعمت المسائل الثماني الثمينة، والفوائد الغالية العظيمة، ونعم الأدب مع العلم وطلابه ومعلميه.

 
هذا مثل واحد من أمثلة التعامل مع العلماء، ومعرفة ما لهم من قدر عظيم، ومنزلة عالية، أكرمهم بها الباري سبحانه وتعالى كيف لا وهو القائل في محكم التنزيل: {قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}، والقائل: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} يقابل هذا الصنف؟ الذين ملأ الأدب قلوبهم، واستنارت بصائرهم بالعلم والحكمة، فأحسنوا التعامل مع الخلق أجمعين، فعظمت مكانتهم، وعلت منزلتهم بين الناس؛ أقول يقابل هذا الصنف لون آخر، وفريق ثان كانت لهم مواقف سلبية ملأ الغرور قلوبهم فظنوا أنهم سبقوا غيرهم، وجاءوا بما لم يأت به الأوائل، ونمثل لهذا الفريق بهذا المثال:
 
وقف أحد طلبه العلم ممن انتابتهم لحظة غرور بما حصلوا من علم، وقال لمن حوله: اسألوني فأنا مستعد للإجابة على أصعب سؤال، وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يسمع هذا التحدي من هذا العالم، فقال له أبو حنيفة: أنا أسألك سؤالاً بسيطاً وأطلب الإجابة منك؟ فقال العالم: سل ما بدا لك. فقال أبو حنيفة: يا هذا النملة التي كلمت سليمان عليه الصلاة والسلام كانت ذكراً أم أنثى؟ فسكت وقال: الله أعلم، فقال أبو حنيفة: لقد كانت أنثى، فقال الرجل: وما الدليل على ذلك؟ قال: لأن الله يقول في القرآن: {وقالت نملة} بتاء التأنيث؛ فأعجب الرجل بهذا الجواب، ثم قام أبو حنيفة وقال له: إني ما سألتك، ولكني أحببت أن أقول لك: لا تغتر بنفسك، ويروي أن مقاتل بن سليمان قال لأصحابه يوماً: سلوني عما دون العرش أخبركم؟ فقال له رجل: أمعاء الذباب في مقدمها أم مؤخرها؟ فلم يدر ما يقول.
 
نعم إن من ظن في نفسه أنه قد علم فقد جهل، والعلم بحر وما غرف بنو آدم منه إلا القليل، وصدق الله العظيم: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ومن تصور أنه جمع العلم، وتنقص العلماء، وقلل من شأنهم فهو مغرور، وعليه أن يقرأ قول الله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم}.
 
ورد عن علقمة بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا سابع سبعة من قومي، فسلمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد علينا، فكلمناه فأعجبه كلامنا، وقال: «ما أنتم؟» قلنا: مؤمنين قال: «لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟» قلنا: خمس عشرة خصلة، خمس أمرتنا بها، وخمس أمرتنا بها رسلك، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، ونحن عليها إلى الآن إلا أن تنهانا يا رسول الله، قال: «وما الخمسة التي أمرتكم بها؟» قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره، قال: «وما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي؟» قلنا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله، ونقيم الصلاة المكتوبة، ونؤدي الزكاة المفروضة، ونصوم شهر رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إليه السبيل، قال: «وما الخصال التي تخلقتم بها في الجاهلية؟»، قلنا: الشكر عند الرخاء (أي سعة العيش)، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمر القضاء، وترك الشماتة بالمصيبة إذا حلت بالأعداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقهاء أدباء، كادوا أن يكونوا أنبياء، من خصال ما أشرفها»، وتسم إلينا، ثم قال: «أوصيكم بخمس خصال ليكمل الله لكم خصال الخير: لا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا فيما غداً عنه تزولون، واتقوا الله الذي إليه تحشرون وعليه تقدمون، وارغبوا فيما إليه تصيرون وفيه تخلدون».
 
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا ممن يتأدب مع علمائهم، ويسلك سبيل أسلافهم، وأن يجمع بهم في جنات النعيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
 

عبد الله بن محمد الطيار

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية سابقا

  • 2
  • 0
  • 6,394

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً