الإعلام العربي بين المهنية وتأجيج النيران
يعيش الإعلام العربي لحظة فارقة في تاريخه بين أن ينحاز للمواصفات المهنية المعترف بها عالميا مهما كان فيها من سلبيات وبين التفرغ لتأجيج النيران والعبث بمصير الأمة والعمل لمصالح ضيقة لرؤوس أموال خاصة أو لأنظمة ما.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
يعيش الإعلام العربي لحظة فارقة في تاريخه بين أن ينحاز للمواصفات المهنية المعترف بها عالميا مهما كان فيها من سلبيات وبين التفرغ لتأجيج النيران والعبث بمصير الأمة والعمل لمصالح ضيقة لرؤوس أموال خاصة أو لأنظمة ما.
شهد الإعلام العربي مثله مثل الإعلام في كل أنحاء العالم طفرة رهيبة في السنوات الأخيرة بعد انتشار القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية على الإنترنت ورسائل الموبايل التي أصبحت تلاحق الفرد في كل مكان يذهب إليه.
وأصبح الإعلام خصوصا المرئي منه يؤثر في وجدان المشاهد بصورة كبيرة خصوصا مع انتشار الأمية وقلة الاهتمام بالقراءة وغلاء أسعار الكتب مما جعل معظم الشعوب العربية تعتمد اعتمادا كبيرا على القنوات الفضائية لمعرفة ما يحدث في العالم ولتكوين رأي حول أهم الأحداث المحيطة بها حتى أن البعض لا يكلف نفسه عناء الاطلاع على ما يحدث في مدينته بنفسه ويعتمد على قنوات بعيدة عنه.
زادت أهمية وخطورة الإعلام في العالم العربي في آخر 3 سنوات بعد موجة الحراك السياسي التي شهدها وقيام عدد من الثورات العربية وصاحب ذلك انطلاق عدد من القنوات الفضائية بعضها تمولها دول بشكل رسمي وبعضها تمولها أشخاص والبعض الآخر تمولها أشخاص يقف وراءهم دول وهو ما أدى إلى حالة من الارتباك مع تعدد أهداف الأشخاص والدول من وراء إطلاق مثل هذه القنوات، طبيعي أن يسعى الأفراد إلى المحافظة على مصالحهم من خلال القنوات التي ينشؤونها من أموالهم ولكن غير الطبيعي هو الكذب والتضليل وعدم المهنية التي تتصف بها عدد كبير من وسائل الإعلام المملوكة للأفراد حيث يختفي الرأي الآخر تماما ويتم بث كمية كبيرة من الأخبار والمعلومات التي تفتقد للمصداقية والتي تعتمد فقط على ما يسمى "بالمصادر" لتشويه سمعة أفراد وجماعات وأحزاب دون أن يكون من حق هؤلاء الرد على هذه المعلومات المغلوطة وكل ذلك يأتي في وقت تفتقد فيه معظم الدول العربية لميثاق شرف إعلامي ملزم لجميع وسائل الإعلام يشمل عقوبات صارمة على مروجي الشائعات والمعلومات غير الصحيحة.
لقد رأينا في الفترة الأخيرة وسائل إعلام تحرض على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وتشوه صورة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني لخدمة أغراض سياسية ضيقة لأحزاب أو لأفراد أو لهيئات دون الوضع في الاعتبار الحالة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين أو الثوابت الشرعية و الوطنية تجاه أهم قضايا العالم العربي وهي الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومحاولة هدم المسجد الأقصى.
إن توحش رأس المال وارتباطه بمصالح سياسية مع بعض الأنظمة أصبح مبررا لتجاوز كل الحدود بما فيها التحريض على القتل والإقصاء والتكفير والترويج لذلك بكل الطرق حتى يصبح المشاهد محاصرا من كل الجهات فهذا برنامج سياسي وهذا تحليل إخباري وهذه أغنية وهذا فيلم أو مسلسل وكل ذلك يصب في نفس الطريق، لقد عكفت أجهزة الإعلام الخاصة في فترة سابقة على بث البرامج الترفيهية والمنوعات وكانت البرامج السياسية تأتي في مؤخرة اهتماماتها ولكن مع وجود تغيرات في تركيبة بعض الأنظمة السياسية عقب الثورات العربية أرادت هذه الأجهزة أن تحتل مكانا تستطيع منه توجيه المشاهد للمكان الذي تريد مستغلة ضعف ذاكرة الناس فاليوم مع الثورة وغدا ضدها حتى أنك لو اطلعت على برامج لمذيعين بأعينهم على اليوتيوب تندهش من تغير المواقف والتناقض ومع ذلك لا يستحيون من الاستمرار وجني المزيد من الملايين.
أما الدول فمعظمها يأخذ من أموال الشعوب مهما كانت فقيرة لكي ينفق على امبراطوريات إعلامية ضخمة للترويج لنفسه وتحسين صورته ورغم ما تتكبده من خسائر كبيرة تتحملها الشعوب إلا أنها تتوسع في هذه الإمبراطورية التي لا تكاد تسمع فيها صوتا معارضا وإذا سمعت فهي معارضة ديكورية لاستكمال الصورة والضحية في البداية والنهاية هم المشاهدون الذين يدفعون رواتب من يخدعهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الإعلانات، بعد نجاح عدة ثورات عربية في الإطاحة بأنظمة استبدادية تفاءل الكثيرون خيرا وبدأ نسيم الحرية يهب فعلا ورأينا تجارب مبشرة إلا أنها ما لبثت أن تراجعت تحت وطأة النقص المالي أو البطش الأمني ورجعنا مرة أخرى إلى طغيان الإعلام أحادي الجانب إلا باستثناءات قليلة.
خالد مصطفى