كلمة من حرفين لابد أن تقولها
منذ 2014-02-06
تتأثر أجسامنا بالعمل الزائد مهما كانت نوايانا حسنة، والتزامتنا نبيلة، سواء كنا مدركين لهذا أم لا؛ فعندما نأخذ على عاتقنا من الالتزامات ما لا نطيق لفترة ممتدة من الوقت؛ فإننا ندمر أنفسنا، فعاجلاً أو آجلاً يجعلنا التوتر مشتتين، وكثيري النسيان، بل وعرضة لاضطرابات في النوم والجهاز العصبي.
لدى كل واحد منا طاقات وإمكانات محدودة؛ ولذا فإن علينا دائماً أن نسعى إلى تحقيق ما نظن أنه يشكل أولوية لنا. (د.عبد الكريم بكار).
تتأثر أجسامنا بالعمل الزائد مهما كانت نوايانا حسنة، والتزامتنا نبيلة، سواء كنا مدركين لهذا أم لا؛ فعندما نأخذ على عاتقنا من الالتزامات ما لا نطيق لفترة ممتدة من الوقت؛ فإننا ندمر أنفسنا، فعاجلاً أو آجلاً يجعلنا التوتر مشتتين، وكثيري النسيان، بل وعرضة لاضطرابات في النوم والجهاز العصبي.
ومن دون أن نشعر قد يدفعنا ذوقنا أو لطفنا الزائد إلى أن نقع في مأزق، فإذا قلنا: لا؛ لشخص ما يطلب بعضاً من وقتنا نشعر بالأنانية والذنب، وإذا حاولنا أن نفعل كل ما يطلب منا فإن التعب يستنزف حيويتنا وفاعلياتنا واستمتاعنا بالحياة، فعندما نتحمل من الالتزامات ما لا نطيق نصبح أيضاً غاضبين في أعماقنا على الرغم من عدم تفكيرنا في ذلك؛ فللأسف لا نوجه غضبنا هذا فقط إلى من يطلبون منا أداء بعض الأشياء، ولكننا نوجهه أيضاً لأنفسنا حيث وافقنا على أمور تزيد عن قدراتنا وإمكانياتنا، ويستحوذ علينا الغضب الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب في بعض الأحيان؛ مما يعرف بالإجهاد أو استنزاف الطاقة.
لماذا نضع أنفسنا في هذا المأزق؟!
ربما رغبة منا في مساعدة أصدقائنا، أو مساندة مجتمعاتنا؛ حيث نريد المساهمة في الصالح العام، وهذه أهداف نبيلة، ونوايا حسنة، ولكن حسن النوايا لا يقينا من خطر الإجهاد، وإننا نحمل من الأمور ما لا نطيق.
وفي كل مرة نحاول أن نكون مثاليين وكاملين تكمن وراء أي غاية نبيلة حاجتنا الشديدة لنكون مقبولين، وهذه الحاجة لا نعبر عنها ولكنها تدفعنا غالباً لتحمل ما لا نطيق من الأعباء.
بالطبع الجهد المتواصل اللانهائي لا مبرر له؛ لأننا بالفعل مقبولين بواسطة الحب الذي يحدد معنى الإنسانية، ومهمتنا هي تقبل قبول الآخرين لنا، ولذلك إذا كنت قد فعلت ذلك فإنك تكون قد أخذت خطوة كبيرة للتخفيف من الضغوط الاجتماعية التي تدفعك لتكون كاملاً، ولتتحمل من الأعباء فوق حدود طاقتك.
افتراض خاطئ:
وينبني ذلك الشعور على افتراض خاطئ ولكنه ذائع الصيت وهو أننا لا ننال التقدير اللازم، مما يدفعنا للعمل فوق طاقتنا، ومنشأ ذلك التشكك في النفس، وعدم التقدير للذات، أو بالأحرى جلد الذات، وتكمن بذور جلد الذات في السنوات الأولى من أعمارنا، حيث كان آباؤنا والبالغون الآخرون "سواء كانوا أخوتنا الكبار أو غيرهم" دائماً ما يوضحون لنا أننا لا يجب أن نتكلم إلا إذا طلب منا ذلك، وأنهم ينتظرون منا أن نأخذ ما يعطوننا إياه، ونعمل ما يأمروننا به، وبسبب براءة الأطفال اخترنا الاتفاق مع تقييمهم لمكاننا، وأهميتها في المجتمع؛ فتضخمت في أعيننا نواقصنا، وكان تقديرنا لأنفسنا منخفضاً، وازداد بمرور الوقت، وبمقارنة جوانب ضعفنا مع جوانب القوة عند أترابنا، فسمحنا لصورنا السلبية عن أنفسنا بأن تكبر وتكبر بداخلنا، ولذا بالرغم من انشغالنا الفعلي قد نتطوع بالقيام بأشياء لهم قبل أن يطلبوها منا.
كيف نغير تلك الصورة؟
يخبرنا علماء النفس أننا يجب أن نفهم ونتقبل، ونندمج مع الطفل الذي بداخلنا لكي نتحرر من الحاجات الطفولية غير المشبعة لدينا، لنكون راشدين أصحاء.
وحتى نبني صورة إيجابية عن أنفسنا لابد من أمور ثلاث:
-
امتدح جوانب قوتك: بدلاً من النظر إلى جوانب الضعف، والقصور، والفشل الحالية، وركز على مزاياك وضعها في قائمة.
-
قل لا عن طريق التخيل: بمعنى أن تتخيل بعض المواقف، والاستمتاع بعظمة الشعور الذي يجلبه قولك هذا.
-
قل لا في مواقف الحياة الواقعية: تعامل مع كل موقف اجتماعي بإدراك أنك غير مضطر لقول نعم أمام كل مطلب، قل لا لأنك بالفعل لديك من المشاغل ما يكفيك.
نظم حياتك بشكل متزن:
يجب أن تعلم أن التخطيط للحياة في هذه الأيام ليس ترفاً ولا نشاطاً لا لزوم له؛ ولكنه مهارة ضرورية للبقاء، نعم إن الحياة هي أكثر من إدارة الوقت، ولكنك إذا لم تنجح في تنظيم حياتك؛ فلن تتمكن من تحقيق التوازن اللازم لكي تشق طريقك في عالم اليوم.
يستلزم التوازن منك أن تحتفظ بجزء كبير من كل واحد من المتناقضات، وأن تعيش في الوسط بينهما مكتسباً نسبة من كل صفة دون أن تميل لإحداها على حساب الأخرى، فتخل توازنك.
وحتى تحافظ على توازنك لابد من ثلاثة أسس لذلك وهي:
-
اجعل حياتك ترتكز على قيم طويلة المدى، والقيم هي الأمور التي يمكنك أن تضحي بحياتك من أجل الحفاظ عليها، وحدد أكبر ولع عندك وتأكد أن تعطيه المكانة التي يستحقها في حياتك، وولعك هو رؤيتك وهدفك الأساسي، والقيمة الجوهرية لحياتك والتي منها المنبع والقوة، فهو يرفعك إلى العمل، ويجعلك تستمر على الطريق لتحقيق أولوياتك النهائية.
-
استجب بذكاء لطلبات الآخرين التي تستهلك وقتك وجهدك: فأنت غير مضطر للموافقة على الفور، وإذا تشاورت معهم قبل الوصول إلى قرارك فإنهم لن يستاؤوا من تجاهلك لمطالبهم فيما بعد، فخذ فرصتك للتفكير قبل الموافقة.
- نظم وقتك المحدود كما تراه بطريقة فعالة، وليس مربط الفرس في أن تكون مشغولاً، ولكن مربط الفرس في أن يكون وقتك مقسماً بين الأمور الهامة والمحورية والمؤثرة على حياتك، فالهدف أن تنظم وقتك وليس أن تجعله يتحكم فيك، أو يخرج عن نطاق سيطرتك، وغايتك هي إنجاز ما تستطيع من أولوياتك التي اخترتها بنفسك، وحتى إذا كانت المهام ممتعة، وجديرة بالاهتمام؛ فإنها إذا كانت كثيرة جداً أكثر مما نحتمل فيمكنها أن ترهقنا، وتجعلنا نؤدي أداءاً سيئاً في كل شيء نفعله لأن وقتنا محدود، ونحن مدينون للجميع بألا نجهد أنفسنا في الأولويات الهامة وغير الهامة على السواء، وخصص لكل مهمة وقتاً محدداً لإنجازها، فقاعدة "باركنسون" تقول: "إن العمل يتمدد كي يملأ الوقت المتاح لاستكماله".
قل "لا":
-
وباختصار فإن الكلمة تكمن في حرفين: اللام والألف كلمة "لا"، قلها واكسب احترامك لنفسك، ولا تدين للآخرين بتفسير رفضك لطلباتهم، ارفض المطالب التي لا تناسبك، والتي لا وقت لديك لأدائها، ولذا استوضح المهمة بالضبط، وما المطلوب منك تماماً قبل القيام بها، وإذا توليت مهمة جديدة يمكنك التخلي عن مهمة أخرى أقل أهمية.
- واعلم أن قولك لا ستتفادى الذهاب إلى سريرك منهكاً وغاضباً، والاستيقاظ في اليوم التالي مكتئباً ومجهداً، نعم قد يحدث هذا فأنت لست مثالياً ولا كاملاً كما قد تظن، ولكنك لن تحاول دائماً أن تكون مثالياً، وتتحمل من الأعباء ما لا تطيق؛ لأنك لن تؤسس تقديرك لذاتك على إرضائك الدائم للآخرين، أو على مقدار ما تقوم به من أعمال، وبدلاً من ذلك ستقدر نفسك، وتكون مشغولاً عن حياتك، متوصلاً إلى القرارات التي تمكنك من المساهمة الفعلية في المصلحة العامة، وبالتالي تفيد نفسك.
أهم المراجع:
- لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم، ديوك روبنسون.
- كيف تدير وقتك، الدكتور صلاح الدين محمود.
- بصائر في الشخصية، د.عبد الكريم بكار.
مصطفى كريم
المصدر: مفكرة الإسلام
- التصنيف: