الحُلولُ الإسلاميَّةُ للقضية الفلسطينية
الحُلولُ الإسلاميَّةُ للقضية
الفلسطينية
للشيخ / ذياب الغامدى
الفَصلُ الأولُ: الحلُّ الإسْلامي بَيْنَ الإيجابيَّات،
والسِّلبياتِ.
إنَّ طرحَ الحلَّ الإسلامي أياً كان نوعه؛ لهو نوعٌ من أنواع النيات
الصادقة، والرغبات الإيمانية، والعزمات الجهادية نحو الخروج بالأمة
الإسلامية من هذا الهوان الذي تعيشه، وهذا الذلِّ الذي ما برح فوق
رأسها ما يزيد على خمسة قرون أو يزيد، ولا حول ولا قوة إلاَّ
بالله!.
فكان البحث عن الحلِّ الإسلامي أمراً مهماً، وفرضاً متحتِّماً على
كافة المسلمين؛ وكلٌّ بقدره.
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
} [التغابن: 16]
فإذا عُلم ما ذكرناه آنفاً؛ كان من العدل والإنصاف أن نضع الأمور في
نصابها، وذلك ماثلٌ في معرفةِ حقيقةٍ مسلَّمةٍ وهي: أن طرح الحلول،
وإيجادها، والكلام عنها لا يلزم منها ضرورةً الصِّحة والواقعيَّة؛
بقدر ما هي دعوةٌ إيمانيةٌ لشحذِ الهمم، والاستفادة من أفكار وطاقات
المسلمين في التعامل مع قضاياهم الإسلامية لاسيما التي تَمسُّ دينَهم،
وعزَّتهم، أو شيئاً من حقوقهم!.
فعند هذا؛ كان من الحكمة البالغة أن ندعوا كافَّةً المسلمين عالمَهم
وجاهلَهم، كبيرَهم وصغيرَهم، ذكرَهم وأنثاهم... للمشاركة والتعاون في
طرح الحلول، وعرضها بقدر ما نملك من استطاعة.
فكلامنا حينئذٍ يدور حول نقطتين مهمتين:
الأولى: ليس من الضرورة صحَّة الحلول عند طرحها.
الثَّانيةُ: مبدأ الشورى أصلٌ من أصول السياسة الشرعية، والتدابير
المرعية.
فمن قرأ السيرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم - أو قلَّب
صفحات التاريخ علم يقيناً أن الإسلام لم يُهمل أحداً من المسلمين عن
إبداء رأيه، والمشاركة في قضايا المسلمين؛ فالكل سواء بسواء فما كان
عنده الحل الأمثل قُبلَ وقدِّم على غيره أيّاً كان قائله ما كانت سمة
الإسلام بينهم ظاهره!، فقد صحَّ عنه صلى
الله عليه وسلم أنه قال:
« ... المسلمون يدٌ على مَنْ سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم
أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم ... »
الحديث، أحمد وغيره( ).
وكما قال تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ } [آل عمران: 159]
وقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ } [الشورى: 38].
وتدليلاً على ذلك أنَّ آراء الصحابة ـ رضي الله عن الجميع ـ حول أسرى
بدرٍ تكاثرت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال بقتلهم،
ومنهم من أمر بحرقهم، ومنهم من رجَّح فداءهم ... الخ، وهذا كلُّه لم
يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من المشورة وطرح الحلِّ الذي
يخدم الأمة، كما أننا لا ننسى مشورته صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم
قال في بدرٍ: « أشيروا عليَّ أيها الناس
»
وليست عنَّا قصة سلمان الفارسي ببعيد يوم طرح حلاً لم يكن مألوفاً عند
العرب آنذاك!؛ وهو أمره ـ رضي الله عنه ـ بحفر خندقٍ يحجز به العدوَّ
عن دخول المدينة النبوية، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أمَّ
سلمة ـ رضي الله عنها ـ في عمرته التي منعه منها أهل مكةَ، وذلك عندما
أمر الناس أن ينحروا الهديَ ويحلقوا رؤوسهم، فلم يقم منهم أحدٌ إلى
ذلك، فكرر الأمر ثلاث مرات؛ فأشارت إليه بأن يبدأ هو بما يرد، ففعل،
فقاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً
غمَّاً( ) ... وغير ذلك من الأخبار والوقائع التي تضيق بها هذه
الرسالة الخ، كلُّ هذا دليلٌ على تعزيز مبدأ مشاركة الآراء، وأخذ
المشورة من كافة المسلمين.
إذاً فلنجعل شعارنا حينئذٍ هو ما قاله صلى الله عليه وسلم:
« أشيروا عليَّ أيها الناس »
فإنَّنا من خلال ما تقدَّم ندعو كلَّ مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يشاركنا في طرح ما يراهُ مناسباً من الحلول الشرعية تُجاه أمته
الإسلامية كي يأخذ بيدها من هذا الهوان والصَّغار إلى عزِّها وسيادتها
وريادتها للعالم بأسره!.
لذا كان حقاً على كلِّ مسلمٍ أن يُدليَ برأيه حول طرح الحلول الشرعية
: فالمزارع في مزرعته لا بد أن يخدم أمته في طرح ما يراه مناسباً،
وكذا التاجر في متجره، والأعرابي في إبله، والطالب في مدرسته، والمرأة
في منزلها، والكلُّ في أمته... فنحن بهذه الدعوة قطعاً - إن شاء الله
- سنعيد للأمة الإسلامية مجدَها وعزَّها، ولن يخذلنا الله تعالى؛ حيث
يقول: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
} [العنكبوت: 69].
هذا إذا علمنا أنَّنا محتاجون مضطرُّون ساعتئذٍ، والله تعالى
يقول:
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا
دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النمل: 62].
اللهم أقرَّ أعينَنا بعزٍّ نراه في حياتنا، وجهادٍ نُسقيه بدمائنا،
وخلافةٍ عامةٍ نستظلُّ بظلِّها، ونحوطُها بنصحنا... اللهم آمين.
وبعد هذا حان لنا أن نذكرَ ما نراه مناسباً من الحلول الشرعية التي
تتناسب مع واقعنا الذي نعيشه ونلامسه، مع اعتبار ما قرَّرنا آنفاً أن
طرحنا للحلول لا يلزم منه ضرورةً الصواب؛ علمناً أننا لم نألُ جهداً
في اختيار ما نحسبه - إن شاء الله - أقرب ما يكون إلى الجادَّةِ
والصواب. والله الموفِّق، والهادي إلى سواء السبيل.
الفَصلُ الثَّاني: قائِمةُ الحُلولِ.
لا شكَّ أن الحلولَ كثيرةٌ جداً؛ فكان من المناسب أن نُجملها في اثنين
لا ثالث لهما، وهما باختصار: (عامٌ، وخاصٌ).
الأوَّلُ: حلولٌ عامةٌ لا تتقيد بزمان، أو مكان فهي مستمرَّةٌ لا
تنفكُّ عن حياة المسلم ما تردَّدت أنفاسُه في جوفه؛ لأنها معلومةٌ من
الدين بالضرورة.
لأجل هذا لم أتكلَّف التوسعَ في الحديثِ عنها فتأمل.
وهذا الحلُّ ماثلٌ في أمور منها:
1ـ دعوة المسلمين إلى تصحيح العقيدة الإسلامية، ومنابذة الشرك.
2ـ تعليمُ المسلمين أمورَ دينِهم.
3ـ تقوية الروابط بين المسلمين.
4ـ إحياءُ قضيةِ الولاءِ والبراءِ في قلوب المسلمين.
5ـ إحياءُ قضيةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عامة المسلمين
وغير ذلك من الحلول العامة الهامَّة.
الثَّاني: حلولٌ خاصةٌ يحكمُها الزمان والمكان، فعند ذلك كانت
القرائنُ والظروفُ هي مناطُ الحكمِ فيها وجوداً وعدماً، فهذه الحلول
ليست متروكةً لاختيار المسلم بقدر ما هي ضرورةً تفرضها الوقائع
والأحداث. وهذا النوع من الحلول هو بيت القصيد، والدَّافع من رسالتي
هذه!.
أمَّا إن سألت عن مثالٍ يجسِّمُ هذا الحلَّ - الثاني-؛ فهناك قضايا
جسامٌ كثيرةٌ ألمَّت بالأمة الإسلامية، كإلغاء الخلافة الإسلامية،
وسقوط كثيرٌ من بلاد المسلمين في أيدي الكفرة ابتداءً بالأندلس
وانتهاءً ببيت المقدس... وتحرير بلاد المسلمين من الذين لا يُدينون
بدين الإسلام ممَّن يجاهر بحرب الإسلام والمسلمين؛ كالمنافقين،
والزنادقة، وأذناب الغرب من العملاء العلمانيين، والحداثيين، ودعاة
الفساد والرذيلة ..!!.
وحسبنا من هذه القضايا الآن: " قضية فلسطين " !.
فعند هذا نستطيع أن نقطع القول: بأن الحلول الإسلامية التي طُرحتْ حول
قضية بيت المقدس كثيرةٌ جداً ربما تفوق الحصر!، علماً أنَّ بعضها ما
زال قابلاً للطَّرح والزيادة، والله أعلم.
وبعد هذا؛ فلنا أن نبدأ بذكر الحلول الإسلامية التي نراها نافعةً
ناجعةً نحو قضية فلسطين - إن شاء الله -:
الحلُّ الأوَّلُ: الجهادُ!.
نعم؛ إنَّ كلمة الجهاد، أو الحديث عن الجهاد أصبح عند كثير من
المسلمين عبثاً، وما ذاك إلاَّ أن ترديد كلمة الجهاد أحدثت في نفوسهم
تبلُّداً قلبي، فلم يعد لكلمة الجهاد عندهم كبير تأثير!، هذا لمَّا
فقدت الكلمةُ معناها الإيماني، ومحتواها الصحيح حيث أصبحت على لسان
كلِّ أحدٍ من الناس، بل غدت عند بعض السَّاسة ورقةً تجاريةً يلعب بها
حسبما تُمليه عليه السُّوقُ السياسية، وكذا أصبحت عند بعضهم تهمةً
يُحاكم عندها من ينادي إليها، وآخرين ليلةً ذات شجونٍ يتسامرون عليها،
وهكذا حتى ذهبت قداستُها الشرعية يوم تعلَّق بها من ليس أهلاً لها...
فالله المستعان.
فليت شعري لو أنَّ كلمةَ الجهادِ وقفتْ عند هذا الحدِّ!؛ بل تعدَّى
هذا إلى بعض الصالحين - للأسف - يوم تجدُ أكثرَهم إذا عضَّته الصور
المأساوية، وقتلته المشاهد الدموية ضد المسلمين قام ينادي بأعلى صوته
فوق منبره: الجهاد أيها المسلمين!، وآخر لم يملك نفسه حتى بكى على
منبره ينادي بالجهاد!، وبعضهم أخذ قلمه وكسر غمده ليكتبَ عن الجهاد
وفضله... الخ . وهكذا؛ كلٌّ تدفعه الغيرة إلى الحديث عن الجهاد، لكن
هيهات!؛ حيث ذهبت كلماتُهم وعبراتُهم في مهب الريح، لا أثر لها ولا
تأثير!؛ لا لشيء؛ بل لأنهم - للأسف - لم يحسنوا استخدام كلمة " الجهاد
" بين المسلمين، ولم يعرفوا طرحها على أرض الواقع، وكيف توجيهها لحلِّ
قضية فلسطين.
إنَّ الكلامَ عن الجهاد دون فعلٍ لهو مصيبةٌ؛ يوم تبقى حبيسة النفوس
وأسيرة القلوب!؛ لذا كان لنا - للأسف - نصيبٌ من هذا الخطأ يوم جعلنا
من كلمة " الجهاد " كلمةً جوفاء في آذان المسلين، وطَبْلاً أجوفاً
كلَّه خواء...!.
أمَّا اليوم فلنا مع الجهاد الإسلامي كلامٌ وكلام!، يوم أخذت كلمة
الجهاد منحى آخر عند كثير من الناطقين بها!، فكان ما كان كما ذكرناه
آنفاً.
أقول: إنَّ الأمةَ الإسلاميةَ تجتازُ مرحلةً خطيرةً من مراحل حياتها؛
مرحلةَ قوَّةٍ، أو ضَعْفٍ!؛ فلقد اعتدى الأعداء على بلادها، وأراضيها،
ودنَّسوا مقدساتها، وانتهكوا محرماتها، وعاثوا في أرجائه الفساد فأصبح
الجهادُ فرضاً عينياً على كلِّ قادرٍ بالنفس، والمال، وعلى كلِّ فردٍ
أن يَعُدَّ نفسه ليكون جندياً بروحِه، ودمِه يجاهد في سبيل الله،
وتحرير بلاده، وإنقاذ مقدساته من أيدي الطغاة المعتدين الذين اعتدوا
على المسجد الأقصى المبارك أُولى القبلتين.
إنَّ المسلمين الأولين أدركوا أهمية هذه البلاد فجاهدوا في سبيلها
جهاداً مستميتاً، وباعوا نفوسهم وأرواحهم رخيصةً من أجلها.
ولقد حَدَّثَ التاريخ أن هذه البلاد المقدسة كلما ألَمَّت بها ملمةٌ،
أو وقعت بها نازلةٌ استصرخت من حولها فكان الغوثُ والعونُ يأتونها
جماعاتٍ ووُحداناً يتنسمون منها نسمات الجنة، ويبتغون الفضل من الله
والمنة.
ومنذ فجر الإسلام وقوافلُ المجاهدين ومواكبُ المقاتلين ورَكْبُ
الميامين تسيرُ نحو هذه البلاد المقدسة لتنال الشهادةَ على أرضها،
وتلقى ربها راضيةً مرضيةً، وتَنعم في جوارِه بالحياةِ الطيبةِ، والرزق
الكريم.
لقد كانت أشرفُ أُمنيةٍ وأنبلُ غايةٍ يرجوها المؤمنُ الصادقُ من ربه
أن يموتَ شهيداً في ساحات بيت المقدس؛ لِتُضم رفاتُه، ويُمزج دمُه مع
دمِ الآلاف من الشهداء الأبرار الذين استشهدوا في موقعة مؤتة،
واليرموك، وحطين وغيرها من المعارك الخالدة.
وأنَّ أسلافَنا الأكرمين قد سلَّموا لنا هذه البلاد المقدسةَ سالمةً
نقيةً، وهي أمانةٌ في أعناقِنا علينا أن نُسلمها إلى الأجيالِ
القادمةِ كما تسلَّمناها سالمةً نقيةً.
ولقد تآمرت علينا دولُ الاحتلال والدَّمار( ) في الشرق والغرب في حين
غفلةٍ منا فأقامت لليهود دولةً في أرضنا، وملَّكتهُم ديارَنا
ومقدساتنِا لتكون هذه الدولةُ شوكةً في قلب البلاد الإسلامية، ومصدرَ
شرٍ وفساد في هذه المنطقة الحيوية الهامة من العالم، ولتكون أيضاً
تكأةً يقفزون منها للاستيلاء على ما بقي من البلاد المجاورة، ولإخماد
كلِّ حركةٍ إصلاحيةٍ، أو انتفاضةٍ جهاديةٍ تحرريةٍ.
وهنا علينا أن نعترف أننا بابتعادنا عن الله، وعن دينه، والعمل
بتعاليمه، وإقامة حدوده، وإيثارنا مصالحنَا الشخصية على مصالح الأُمة
العامة، واختلاف كلمتنا، وإهمالنا إعداد العُدَّة المادية والروحية
التي أمرنا الله بإعدادها، وتفرُّقنا شيعاً وأحزاباً كلُّ حزبٍ بما
لديهم فرحون؛ كلُّ ذلك قد سهَّل للأعداء تنفيذ مؤامراتهم، وتحقيق
مكائدهم فسلبوا أرضنا، وانتهكوا حرمة مقدساتنا، وساموا أهلنا الخسف
والاضطهاد وسوء العذاب.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
إذا تبايَعتُم بالعِيْنَةِ، وأخذتُم أذنابَ البقر، ورضيتُم بالزَّرعِ،
وتركتُم الجهاد، سلَّطَ الله عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حتى تَرجِعوا
إلى دينكم » أحمد وأبو داود( ).
فنحن اليوم نخوضُ معركةً مصيريةً مع عدونا الغادرِ الماكرِ،
وليس لنا من سبيل إلى التَّغلُّبِ عليهم إلا بالرجوع إلى الله،
والاعتصام بحبله المتين، واتباع تعاليم الإسلام ومبادئه الرشيدة، التي
كان التمسك بها عند المسلمين الأوائل، والعمل بموجبها سبباً في
انتصارهم على أعدائهم، وامتدادَ فتوحاتهم في الشرق والغرب.
وهذه التعاليمُ واضحة جلية: { قُلْ
هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
} [يوسف: 108]
فهي تدعو إلى الإيمان الصادق بالله عز وجل، والاحتفاظ بالعقيدة
الصحيحة، وإلى إعداد العُدَّة المادية والروحية الكافية لإرهاب
الأعداء؛ كما تدعوا إلى الجهاد بالنفس والمال، والاتحاد والصبر
والثبات في الميدان.
وإنَّه ممَّا يؤلمُ النفوسَ ويُدمي القلوبَ أن يَبقى عدوُ المسلمين
محتلاً لبلادِهم سنوات وسنوات، ويجول فيها ويصول، ويتجبَّر ويعلوا
ويتيه؛ وفي كلِّ يومٍ يظهر علينا بشيءٍ جديد؛ اعتداءات هنا وهناك،
وإجراءات تعسفية بالآمنين من السكان، وقوانين ظالمة يُطرد بموجبها
أصحاب الحق من بلادهم، وتصادر أموالهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وتآمر على
المسجد الأقصى المبارك تارة بإحراقه، وأخرى بإجراء الحفريات تحته
وبجانبه من أجل انهياره وسقوطه لإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه
بالإضافة إلى هدم العقارات الوقفية وإقامة العمارات السكنية لإسكان
المهاجرين اليهود فيها لتغيير معالم بيت المقدس وتهويدها، وإزالة
الصِّبغة العربية والإسلامية عنها؛ غير عابئ بالمسلمين، ولا مهتم
بالعالم أجمع!.
فاسترداد الأقصى المبارك، وتحرير الأراضي المحتلة لا يَتمُّ بالأقوال
والاحتجاجات، ولا بالمسيرات والبرقيات، ولا بأي عُنصرٍ خارجٍ عن إطار
الإرادة الإسلامية المخلصة وتعاليم الإسلام السَّامية التي لا ترضى
لأصحابها سوى العزةِ والكرامة: " {
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8]
فالاحتجاج والمسيرات لا تُعيدُ حقاً، ولا تُرجعُ وطناً، ولا تُنقذُ
مسجداً، ولا تدفعُ شراً وكلُّ من يُحاول الوصول إلى أهدافه بمثل هذه
الأمور إنما يحاول عبثاً، فلغةُ الاحتجاجات أصبحت في هذا الوقتِ
العصيبِ وقتِ الحديدِ والنارِ - عقيمةً عديمةَ الجدوى!، فلا يَفِلُّ
الحديدَ إلاَّ الحديدُ، ولا يُقابلُ القوةَ إلاَّ القوةُ، وليس
للضعيفِ مكانٌ في هذه الحياة!.
وإنه لمن أوجب الواجبات على المسلمين أن يَهُبوا هبةَ رجلٍ واحدٍ،
وينفروا خِفافاً وثِقَالاً لنجدةِ الأقصى من أيدي إخوان القردة
والخنازير.
فلا يحقُّ لمسلمٍ أن يَغمضَ له جِفنٌ، أو تنامَ له عينٌ والمسجد
الأقصى المبارك في قبضة الأعداء وسيطرتهم.
والفرصة لا تزال سانحةً أمامنا فانتهزوها، فعلينا أن نملأ جوانبنا
بالثقة بالله، وأن نُصمِّمَ العزم ونخلص في العمل، وأن نأخذ بالأسباب
المجدية الموصلة إلى حقوقنا، وأن نجعل من أسباب هزيمتنا عناصرَ قوةٍ
وشجاعةٍ، ومن أشلاءِ كارثتِنا مصدرَ بسالةٍ وإقدام.
وعلى المسلمين أن يعلموا: أنَّ هذه هي الأيامُ الخطيرةُ في تاريخهم؛
بل هذه هي الأوقاتُ الرهيبةُ التي تُمتحنُ فيها قوةُ إيماِنهم،
وسلامةُ يقينِهم، وصدقُ عزيمتِهم، وثباتُهم على الحق والدفاع عنه حتى
يُشرقَ الحقُّ بنوره، ويزهقَ الباطلُ أمامه ( ).
قال تعالى: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ
وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
[الروم: 4-6]
وبعد هذا فقد جمعنا لك أخي المسلم حلولاً لرفع راية الجهاد نحو تحرير
بيت المقدس من أيدي يهود، وهي حلولٌ قابلةٌ للأخذ والعطاء؛ بل أكثرها
يحكمه الواقع!.
لذا لن يكون الكلام عن الجهاد اليوم كلاماً ارتجالياً نظرياً تسعه
الدفاتر، والخطب والمحاضرات كما بيَّنَّاه آنفاً كلاَّ؛ بل طرحاً فيه
شيءٌ من الواقعية - إن شاء الله - !.
فعند هذا عذراً إليك أخي: إذا خانني اجتهادي، أو كذَّبتني آرائ؛ ولكن
حسبي قول الله تعالى:
{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }
[هود: 88]
وقوله: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]
وقوله: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً
إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286]
فطرحنا إذن للجهاد في أرض فلسطين، مجملٌ في طرائقَ، ومسالكٍ كثيرةٍ
كما يلي:
ـ صدقُ النِّية، وقوَّةُ العزيمة، وجلاءُ الرغبة في جهادنا لليهود في
أرض فلسطين.
نعم لا شك أن أكثرَ المسلمين صادقون في رغبتهم في جهاد اليهود،
وإخراجهم من أرض فلسطين، ولا أبالغ يوم أقول: والله وبالله وتالله!؛
لو فُتح بابٌ إلى فلسطين لرأيت عجباً ما كان لك أن تَحلم به؛ فضلاً أن
تراه أو تسمع به، وذلك يوم ترى المسلمين يركبُ بعضُهم بعضاً وهم
يتدافعون على باب الجهاد كهولاً، وشباباً، وكباراً، وصغاراً؛ وكأني
أتشنَّفُ صوتَ قائلهم: السكينةَ السكينةَ عبادَ الله!! فأرضُ فلسطين
لا تسع لمليارِ من البشر!!.
إلاَّ أننا مع هذا التفاؤل الكبير ينبغي لنا ألاَّ ننسَ أمراً مهماً؛
أحسبه من الأهميَّة بمكان!، وإلاَّ ذهبت آمالُنا، وحلولُنا هباءً
منثوراً أدراج الرياح كما يُراد لها من قبلُ ومن بعدُ!!.
وذلك كامنٌ في معرفةِ حقيقةٍ خطيرةٍ، وهي: أن قضايا الأمة الإسلامية
لن تتغير أبداً، كما أنها ستبقى أمداً؛ إذا ما علَّقنا آمالنا،
وحلولَنا يوماً من الأيام بأيدي وسياسة أكثر حكام المسلمين!!.
إن هذه الحقيقةَ ينبغي أن تكون نصب أعيننا، وقضيةً مسلَّمةً
عندنا!.
كما يجبُ علينا أن نعلم حقائقَ مهمةً، وإن سألتني عن بعض هذه
الحقائقِ؟!، أقول لك: إن العالم الإسلامي لا ينسى قضيةَ أفغانستان مع
الشيوعيين، يوم انتظر المسلمون من دولةٍ إسلاميةٍ أن ترفع راية
الجهاد، وأن تتقدَّم بجيوشها وعتادها لتحرِّر بلاد المسلمين من قبضة
الشيوعيين!!.
وعندما طال الانتظار، ويأس أهل أفغانستان عند ذلك انتفضت حفائظ
المسلمين هناك، وثار طلبة العلم، وقام المصلحون في إنقاذ بلادهم من
طغيان، ووحشية النظام الشيوعي الكافر... نعم؛ قاموا قومت الليث
الكاسر، والتفَّ المسلمون حول طلبة العلم ليقوموا بواجبهم نحو بلادهم؛
ضاربين بتنديدات واستنكارات أكثر حكام المسلمين عُرض الحائط!، فكان
منهم أن طهَّروا بلادَهم، ورفعوا راية الإسلام خفَّاقةً ترفرف فوق
جثثِ العابثين ببلادهم!. الله أكبر.
كما لا ننس ما صنعه أبطال المسلمين وليوث المجاهدين في أرض البوسنة
والهرسك يوم أعلن العالم الغربي الكافر وقف القتال، ووضع الهدنة، وطرح
السلام!!. كلُّ هذا لمَّا علم طلبة العلم والمجاهدون أن التنديدات
والاستنكارات لن تفعل شيئاً!. لذا هبُّوا وحداناً وزرافات ممتثلين قول
الشاعر:
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى ناجِذَيْهِ لهـــمْ طَــــارُوا إليـه
زَرَافـــاتٍ وَوُحْدَانـــا
لا يَسْألُونَ أخاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهمْ في النَّائِباتِ عَلى مـا
قَالَ بُرْهَانـا( )
وهل ينسى أحدٌ من المسلمين ما فعله رجال وأسود الشيشان يوم انتظروا أن
ترفع راية الجهاد من بلاد المسلمين، أو تأتي الجيوش العربية لتنقذ
مسلمي الشيشان!!، فلمَّا كان ما كان قام المجاهدون يدافعون عن أرضهم
وبلادهم ورفع الظلم عن إخوانهم... فكان لهم ما سجله التاريخ لهم، وما
عَلِمَه العالَمُ الغربي أجمع عنهم، بأن هنالك رجالاً لا كالرجال،
ونفوساً لا كالنفوس، وأبطالاً لا كالأبطال!!.
إنهم مسلمون اشتروا الجنة بالحياة الدنيا!!، وباعوا أنفسهم من الله
تعالى!! نعم: " ربحت البيعة ".
وليست أرتيريا عنا ببعيد يوم قام طلاب العلم بواجبهم نحو بلادهم
ودينهم فرساناً وأبطالاً يجولون الصحاري، ويصعدون الجبال، ويخوضون
البحار... كلُّ هذا لعلمهم الصادق أن بلادهم لن تتخلص من أيدي النصارى
والعلمانيين إلاَّ بدمائهم، وأرواحهم!، في حين أنهم قد ركلوا بأقدامهم
ما يتشدق به غيرهم من أذناب الغرب!.
وهذه كشمير فحدث عنها ولا حرج، يوم قامرت بقضيتها حكومةُ باكستان غير
مرَّةٍ، وهذه الهندُ لم تزل تقتل منهم كيف تشاء، وتعبثُ بأرواحهم كما
تشاء، والعالم الإسلامي بعدُ يستنكرُ ويندِّدُ!!، وغيرها كثيرٌ من
بلاد المسلمين لا سيما جنوب الفلبين، وأندونيسية ...الخ.
ومحصَّلةُ كلامي هذا: أن نعلم أن قضية فلسطين متوقِّفةٌ على أبنائها
من المسلمين، كالمجاهدين من العلماء، وطلبة العلم، والمصلحين
الناصحين...!.
فلابد أن يقومَ أحدٌ من أبناء المسلمين هذه الأيام - خاصة - بحمل راية
الجهاد، ويرفعها خفَّاقةً فوق رؤوس يهود في أرض فلسطين، أو غيرها من
بلاد المسلمين.
وعند ذلك سوف تلتفُّ جموع المسلمين بطريق أو آخر حوله، وسيبدأ عندئذٍ
جهادُنا مع اليهود - إن شاء الله -.
كما أنَّني من هذا المكان أنادي كافة المسلمين قائلاً لهم:
" مَنَ َيأخُذُ السَّيفَ بحَقِّه "؟!
لأجل هذا فإني أريد أن أُبرهن صدق تفاؤلنا اليوم مع يهود بموقف النبي
صلى الله عليه وسلم مع يهود بني النظير!، لا سيما إذا علمنا أن قصَّة
بني النظير في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مماثلةٌ في أبعادها،
وأحوالها، وملابساتها بيهود اليوم في فلسطين، فما أشبه الليلة
بالبارحة!، فاليهودُ يهود ولو هملجت بهم حميرُ أمريكة، أو طبَّلت لهم
دولُ الكفر قاطبة!.
كما مرَّ معنا أن يهود بني النظير قد نكثوا العهد، ونقضوا الوعد يوم
أرادوا إلقاء الحجر على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، فعند هذا قام
رسول عليه الصلاة والسلام بمحاصرتهم بالكتائب، وقال:
« إنكم لا تأمنون عندي إلاَّ بعهدٍ تُعاهِدوني عليه، فأبوا أن يعطوه
عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثمَّ غدا الغد على بني قُريظة
بالخيل والكتائب - وترك بني النضير - ودعاهم إلى أن يُعاهِدوه،
فعاهدوه فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا
على الجلاء، وعلى أنَّ لهم ما أقلَّت الإبل إلاَّ الحلقة - السلاح -،
فجاءت بنو النضير، واحتملوا ما أقلَّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب
بيوتهم، فيهدمونها فيحملون ما وافقهم من خشبها ».
ويقول ابن هشام في سيرته: " ونزل في بني النظير سورة الحشر بأسرها،
يذكر فيها ما أصابهم الله به من نِقمته.
وما سلَّط عليهم به رسولَه صلى الله عليه وسلم، وما عَمِلَ به فيهم،
فقال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن
يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ
اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } [الحشر: 2]
وذلك لهدمهم بيوتهم عن نُجُفِ أبوابهم إذا احتملوها: { فَاعْتَبِرُوا
يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } [الحشر: 2]
{ وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء } [الحشر:
3]
وكان لهم من الله نِقمة: {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا } [الحشر:
3]
أي بالسيف: { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ } [الحشر:
3]
مع ذلك ( ).
فإذا تدبرنا سورة الحشر وما حصل في هذه الغزوة نستطيع أن نقف مع بعض
العبر، والمواعظِ التي تدفعنا إلى الاطمئنان بنصرنا وجهادنا مع يهود
اليوم في فلسطين، فمن ذلك:
1ـ أنَّ يهودَ بني النظير أخذتهم العزة بالإثم يوم تحصنوا في بيوتهم
وقلاعهم ظناً منهم أنها ستحميهم.
وهذا حاصل ليهود اليوم فيما بنوه وعمروه من جسورٍ، وحدودٍ!.
2ـ أنَّ يهودَ بني النظير أيضاً ما عندهم من العتاد والعدة ما سيكفيهم
في مقاومة المسلمين، يوم علموا أن عندهم من السلاح والكراع والحافر ما
يفوق ما عند المسلمين آنذاك!.
وهذا حاصل ليهود اليوم فيما عندهم من أسلحةٍ نووية وطيران جوي متكامل
وغير ذلك من الأسلحة المتطورة!.
3ـ أنهم ازدادوا ثباتاً وقوةً يوم تحالف معهم بعض الأحلاف.
وهذا حاصل ليهود اليوم في تحالفها السَّافر مع أمريكة ودُول الغرب
الكافر!.
أمَّا المسلمون آنذاك فحالهم مع بني النظير شبيهٌ بحالنا هذه الأيام
بعض الشيء، وذلك في.
4ـ أن المسلمين ظنوا أنهم لن يقدروا على إخراج بني النظير من حصونهم؛
لعلمهم أنها حصونٌ قويةٌ، وعندهم من الشجاعة والقتال ما يحملهم على
الدفاع عن بلادهم... وعندهم من أدوات الحرب الكثير ما لم يكن يخفى على
المسلمين!.
وهذا شبيهٌ بحالنا مع اليهود، مع علمنا أنهم يملكون من القوى العسكرية
ما لا يخفى علينا!.
أمَّا إذا سألت عن الفوارق بين حالنا وحال المسلمين آنذاك فهي كثيرةٌ
لا تحدُّ؛ لكن بحسبنا منها: الصدق مع الله تعالى في قتال اليهود، وهذا
الفارق وحده كافٍ في بيان البون الشاسع بيننا وبين من سبقونا من
الصادقين!.
وهذا يوم صَدَقَ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومن معه في قتال بني
النظير، مع علمهم السابق أن بني النظير يملكون من العدة والعتاد الشيء
الكثير كما أسلفنا؛ إلاَّ أنهم امتثلوا لأمر نبيهم، وصَدَقُوا مع الله
تعالى، فكان حينئذٍ النَّصرُ حليفَهم، والعزَّةُ لهم.
وذلك لمَّا علم الله تعالى منهم الصدق وامتثالهم للأمر مباشرة - نصرهم
الله تعالى حين أرسل جنوداً لم يروها، جنوداً ليسوا من البشر ولا من
الملائكة؛ بل جنوداً من السماء حين أنزل عليهم الرعبَ والخوفَ في
قلوبهم، فما كان منهم إلاَّ أن ألقوا السلاح، وجعلوا مع هذا يخربون
بيوتهم بأيديهم؛ وأيُّ حسرةٍ بعد هذا من حسرةٍ يوم يقوم الواحد بنقض
بيته الذي طالما بناه وشيده؟!.
إنها الانتصارات الإلهية، يوم تعجز القوى البشرية، وتنقطع السبل
الكونية، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7].
فجديرٌ بنا أن نَصْدُقَ مع الله تعالى نياتِنا في قتالِ يهود فلسطين!،
لأننا إذا صدقنا الله تعالى فسوف يتولَّى الله تعالى المسلمين حين
يخذل يهود، ويقلب كيدهم عليهم، هذا إذا ما قاموا هم بتخريب ما عندهم
من أسلحةٍ حربية!، وليس هذا على الله بعزيز، لكن هذا الأمر صائرٌ
بأيدينا؛ عندما نَصْدُقُ مع الله تعالى.
الحَلُّ الثَّاني: إدخالُ السلاحِ لإخواننا المسلمين داخل فلسطين
بطريقٍ أو آخر، وهذا الحلُّ ما أظنُّه من الصعوبة بمكان، هذا إذا
علمنا أن الحدودَ كلَّها إسلامية، فخذ مثلاً من الغرب: البحر الأبيض
المتوسط ومصر، ومن الشرق سورية والأردن، ومن الجنوب خليج العقبة، ومن
الشمال لبنان، وأكثر هذه الحدود مكشوفة يستطيع الواحد المرور عبرها،
لا سيما سيناء!.
وقد تقول كيف هذا؟. أقول لك: هل أهلُ تهريب المخدرات الذين يسعون في
الأرض فساداً أحكم، وأعلم، وأوفق من المصلحين؟!.
نعم؛ إذا صدقت العزيمة، فحينئذٍ تتحقق الأهداف سواء كانت خيراً أو
شراً!.
الحَلُّ الثَّالثُ: تشجيع بعض الجماعات التي لها اهتمامٌ كبيرٌ في
قضية فلسطين لا سيما جماعة "حماس" وغيرها، فهذه الجماعة لا شك أنها قد
قضتْ مُعظمَ أفكارِها وطاقاتِها في تتبع قضية فلسطين، فكان عليها
حينئذٍ أن تنزل في الميدان بقوةٍ لا سيما أن المسلمين هذه الأيام تغلي
مراجلُهم حنقاً على يهود( ).
الحَلُّ الرَّابعُ: تشجيع العمليات الجهادية في نفوس المسلمين الذين
في فلسطين( ) مع مراعاة المصالح والمفاسد، وذلك في تحقيق قاعدة "
دَرْءُ المفاسدِ مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصالحِ ".
الحَلُّ الخامِسُ: القنوت، وهو الدعاء على يهود ومن هاودهم، والنصارى
ومن ناصرهم، وذلك بأن تتضافر جهود المسلمين، وتجتمع كلمتهم، وتتوحَّد
دعوتهم على رفع أكفِّ الضراعة إلى الله تعالى؛ بحيث يلهج بالدعاء
قرابة ( مليار ) مسلم سواءٌ في مساجدهم جماعةً، أو في صلواتهم
فُرادى.
الحَلُّ السَّادسُ: المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية،
والأمريكية، والبريطانية بجميع أنواعها وأشكالها الصغير منها والكبير(
).
وهذا الحلُّ أراه من أهم الحلول المهمة بعد الحل الأول دون منازع!؛
هذا إذا علمتَ أخي المسلم أن العالم الأوربي لا سيما أنَّ اليهود هم
عبَّاد الدرهم والدينار!، لذا يعتبر الاقتصاد هو شريان الحياة لديهم،
فهم قد يقبلون التنازل في كلِّ شيء سواءٌ في دينهم، أو عِرضهم، أو
أرواحهم، أو عقولهم... أمَّا المال فلا يقبلون فيه تنازلاً بأيِّ حالٍ
كان!!.
فعند هذا لا أبالغ إذا قلتُ: أن مقاطعة المسلمين للمنتجات اليهودية
والأمريكية سيكون له الأثر الكبير في كشف عورة اليهود، وسقوط هيمنة
أمريكة!.
فكلُّ مسلمٍ مطالبٌ بنصرة إخوانه المسلمين، وبمجاهدة أعداء الدين لا
سيما اليهود ومن عاونهم بقدر ما يملك من استطاعة.
وفي قصة ثمامة بن أُثال سيد بني حنيفة عبرة، يوم أخذ على نفسه ألاَّ
يصل إلى كفار مكة حبة حنطة حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم: « أنْ خَلِّ بَينَ قَوْمِي وبينَ
مِيرَتِهم » البخاري ومسلم.
فشعارنا حينئذٍ نحن المسلمين هذه الأيام في حرب المقاطعة، قولُه صلَّى
الله عليه وسلَّم: « ويلَ أُمِّه مِسْعَرُ حَرْبٍ لو كَان لَه أحَدٌ
»
وهذا ما فهمه أبو بصيرٍ ـ رضي الله عنه ـ، يوم قالها له النبي صلى
الله عليه وسلم بعد أن انفلت من المشركين لما أسلمه النبي صلى الله
عليه وسلم لقاصدِ قريش، فأتى سيف البحر فانضم إليه جماعة، فكانوا
يُؤْذون قريشاً في تجارتهم، فرغبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن
يُؤويهم إليه ليستريحوا منهم، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم(
).
ونحن من خلال هذا نطالب كلَّ مسلمٍ أن يجاهد اليهود ومن عاونهم بقدر
استطاعته لا سيما بـ "بطنه"!، وذلك بمقاطعة منتجاتهم.
ولا تنسَ أخي المسلم أن الله تعالى طلب من كلِّ مسلم أن يقاتل الكفار
المحاربين بكلِّ ما يملك من عتاد وقوَّة.
قال تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ
اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج: 78].
وقال: { وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَآفَّةً } [التوبة: 36]
وقال: { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء
الْكَافِرِينَ } [البقرة: 191]
وقال: { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ
لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } [التوبة: 12]
وقال تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ
وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ
يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60]
وقال تعالى: { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24].
فالجهاد إذاً لا يسقُط عن المسلم القادر بما يستطيع، ومنه كان الجهادُ
المطلوبُ منك أخي المسلم مع اليهود اليوم مهماً جداً؛ كما لا تحسبه
مقتصراً على القتال في ساحات المعركة؛ كلاًّ!؛ بل هو فوق هذا، فمنه
جهاد البنان، وجهاد اللسان، وجهاد المال، كما أنه اليوم جهاد
المقاطعة!.
شُبْهةٌ، ورَدُّها:
ولا تقلْ أخي المسلم بعد هذا ماذا يا ترى الذي أُقاطعه من المنتجات
اليهودية والأمريكية، وأنا واحدٌ لا أثَرَ لمقاطعتي في أشياء صغيرة
كشراء قارورة " بيبسي" مثلاً، أو غيرها من الأشياء التي لا تفعلُ في
ميزان المقاطعة شيئاً؟!.
أقول أخي المسلم أنت بهذا قد فعلت أمراً عظيماً، وجهاداً كبيراً وذلك
حين تعلم ما يلي:
1ـ أنك ساهمت في الجهاد الإسلامي ضد اليهود ومن عاونهم، وكسبتَ أجر
الجهاد فلكأنك قد جاهدتَ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إنَّ
الله ليُدخِلُ بالسهم الواحدِ ثلاثةً الجنَّةَ: صانِعهُ، يحتسِبُ في
صنعتِه الخيرَ والرَّامي به، والمُمِدَّ به ...» أحمد، وابن ماجه (
).
وقال صلى الله عليه وسلم:« جاهدوا المشركين بأموالِكم، وأنفسِكم،
وألْسِنتِكم »( ).
فأنت أخي المسلم عليك نفسَك وخاصةَ أهلِك، لذا عليك الجهاد قدر
استطاعتك كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة: 105].
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].
كما لا تنسَ أن جهنم التي استعاذ منها الأولون والآخرون من الأنبياء
والمرسلين وسائر المؤمنين!، يستطيع الواحد من المسلمين أن يتَّقيها
بالقليل!، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « اتقوا النارَ ولو
بشقِّ تمرةٍ، فإن لم تجدوا فبِكلمةٍ طيبةٍ » متفق عليه( ).
فهذا الحديث دليلٌ على أنَّ شِقَّ التمرةِ الواحدةِ يمنع صاحبها
النَّارَ!، فكيف إذَنْ من يتَّقيها بعشر تمرات قيمتها ذلكم " الريال "
الذي يقاطع به قارورة "بيبسي" !.
2ـ أخي إنك بريالك هذا تُعينُ أعداءَ الدِّين على قتل إخوانك من
المسلمين!، كما يقول تعالى: { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
[المائدة: 2].
3ـ لا تنظر أخي المسلم إلى ريالك بعين قاصرةٍ، وحكمٍ ضيقٍ؛ يوم تعلم
أنَّ ريالَك سوف يَنْضَمُّ مع ريالِ غيرك من المسلمين وهكذا.
وعند حساباتنا التقريبية ستعلم أخي أنك مجاهدٌ كبيرٌ يوم شاركت
المسلمين بمقاطعتك قارورة "بيبسي"، فمثلاً لو قدَّرنا أن خمسمائة
مليون مسلم من المليار؛ سوف يقاطعون قارورة "بيبسي" !، فإذا حسبنا هذه
الأموال خلال سنة سيكون العدد كبير جداً.
نوضحه بما يلي: ( 500000000 × 30 × 12= 180000000000 ) ريال، أي :
مائة وثمانون مليار ريال!!.
أخي هذه مقاطعةٌ بريالٍ واحدٍ لقارورة "بيبسي" فقط، فكيف بك إذا
اجتهدت في مقاطعة الكثير من منتجات اليهود ومن عاونهم لا سيما
الأمريكية منها؟!.
بَشَاِئر: هناك بعض البشارات التي تُشير بأن المقاطعة الإسلامية
للمنتجات اليهودية والأمريكية قد أتت أُكلها ونجحت: فقد نشرت بعض
الصحف: أن المقاطعة العربية ألحقت باليهود خسارة ( 48 ) مليار منذ
قامت المقاطعة!.
كما نشرت جريدة " الحياة " ( 28/شعبان/1421هـ ): أن خسائر شركات
التكنولوجية اليهودية في الولايات المتحدة بلغت منذ بداية المقاطعة (
20 ) مليار دولار!.
كما أكدت بعض المصادر أن بعض الشركات اليهودية والأمريكية قد انخفضت
مبيعاتها في مصر إلى ( 80% )!، - لله درُّك يا مصر -.
وقبل هذا؛ أحببنا نذكر فتوى مهمةً في وجوب مقاطعة منتجات اليهود
وأمريكة وغيرهم ممَّن لهم يدٌ في مساندة اليهود:
وهي لفضيلة شيخنا العلامة عبد الله بن جبرين حفظه الله:
نصُّ السؤال: لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخواننا الفلسطينيين في الأرض
المقدسة من قتل واضطهاد من قبل العدو الصهيوني، ولا شك أن اليهود لم
يمتلكوا ما امتلكوا من سلاح وعدة إلا بموازرة من الدول الكبرى وعلى
رأسها أمريكا، والمسلم حينما يرى ما يتعرض له إخواننا لا يجد سبيلاً
لنصرة إخوانه وخذلان أعدائهم إلا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتمكين،
وعلى الأعداء بالذلة والهزيمة، ويرى بعض الغيورين أنه ينبغي لنصرة
المسلمين أن تقاطع منتجات إسرائيل وأمريكا، فهل يؤجر المسلم إذا قاطع
تلك المنتجات بنية العداء للكافرين وإضعاف اقتصادهم؟
وما هو توجيهكم حفظكم الله.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... وبعد:
يجب على المسلمين عموماً التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين
في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكنهم في البلاد وإظهار شعائر الدين
وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقه للأحكام الدينية وإقامة الحدود والعمل
بتعاليم الدين وبما يكون سبباً في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود
والنصارى، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه؛ فقد ورد في
الحديث: « جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم »
فيجب على المسلمين مساعدة المجاهدين بكل ما يستطيعونه من القدرة،
وعليهم أيضاً أن يفعلوا كلَّ ما فيه إضعافٌ للكفار أعداء الدين، فلا
يستعملونهم كعمال للأجرة كتَّاباً أو حُساباً أو مهندسين أو خُداماً
بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يكتسحون أموال
المؤمنين ويُعادون بها المسلمين، وهكذا أيضاً على المسلمين أن
يُقاطعوا جميع الكفار بترك التعامل معهم وبترك شراء منتجاتهم سواء
كانت نافعة كالسيارات والملابس وغيرها أو ضارة كالدخان بنيَّة العداء
للكفار وإضعاف قوتهم وترك ترويج بضائعهم، ففي ذلك إضعاف لاقتصادهم مما
يكون سبباً في ذُلهم وإهانتهم، والله أعلم. قاله وأملاه:
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
27/7/1421هـ
ويقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله -: " فأما معاداة الكفار
والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم
موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من
الأدلة أكثر ولا أبْيَنَ من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده
".
وما أجمل تلك العبارة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل - رحمه الله -
قائلا: " إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى
زحامهم في أبواب الجوامع، وإنما انظر إلى مواطئتهم أعداء الشريعة، عاش
ابن الرَّاوندي والمعرِّي عليهم لعائن الله ينظمون وينثرون كفرا ...
وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت مصنفاتهم، وهذا يدل على برود
الدين في القلب ".
فإذا تقرَّر ذلك أخي المسلم الكريم كان لنا أن نوقفك على بعض المنتجات
اليهودية والأمريكية وغيرها من الدول التي تعين يهود!؛ كي تستبنَ لك
طريق المجرمين.
لا شكَّ أنَّ الشركات والمنتجات اليهودية والأمريكية كثيرةٌ جداً؛ لا
يحصيها عادٌّ، ولا يسعُها كتابٌ؛ بل لا أبالغ لو قُلتُ أنَّ أحداً من
الناس لو أراد أن يقيِّدَ كلَّ سلعةٍ يهودية، أو أمريكية لخرج
بمجلَّدات ضخمة!، لأجل هذا وذاك؛ كان من المناسب أن نذكرَ ضابطاً
يجمعُ لنا كلَّ سلعةٍ يهودية، أو أمريكية، اختصاراً للوقت، وحفظاً
للبحث.
فأقول: إنَّ كلَّ سلعةٍ يهوديةٍ، أو أمريكيةٍ يجب مقاطعتها ، ويدلُّك
على هذا ما يلي:
1ـ إذا كان مكتوبٌ عليها: " صُنعُ أمريكة "، أو: USA.
2ـ إذا كانت هذه السلعة مبدوءةٌ بمجموعة أرقام تأتي تحت شكل أعمدة،
الرقمُ الأول منها يرمزُ إلى الدولة، فرقم أمريكة هو ( 0 )، ورقم
بريطانية هو ( )، ورقم فرنسا هو (3)، وهكذا.
ـ قد يرد سؤال بأنه إذا لم أجد بديل للمنتج الأمريكي فما
الحلُّ؟.
الجواب: عليك حينئذٍ استخدامه في أضيق الحدود، مع السعي الدؤوب لإيجاد
البديل، والتجربة اليابانية خير شاهد للعيان في هذا المجال، كما لنا
أن نعْتَبِرَ أيضاً أنَّ المُنتجَ الذي نودُّ مقاطعته مُنتجاً قد
انتهت صلاحيته؛ وَلْيَكُن!.
الحَلُّ السَّابعُ: التبرعات المالية، وهذا لا شك أنه من الحلول
المهمة؛ كيف لا؛ والله تعالى أمرنا بالإنفاق في سبيله في غير آية؛ بل
قدَّمه تعالى على النفسِ في سبعِ مواضعَ من القرآن، وفي هذا دليلٌ على
أهمية الإنفاق بالمال في سبيل الله تعالى.
فإذا كان الإنفاقُ في سبيل الله تعالى بهذه الدرجةِ الكبيرة من
الأهمية؛ إلاَّ أنَّه أصبح هذه الأيام - للأسف - من الأمورِ التي
تحتاجُ إلى تأملٍ، وتريُّثٍ!؛ كلُّ هذا إذا علمنا أن كثيراً من الذين
يُنادون بجمع التبرعات جهاتٌ مشبوهةٌ ليسوا محلاً للأمانة، ولا أهلاً
لهذا !، فكان الواجبُ علينا أن نَتمهَّل في هذه المسألة رويداً.
لذا؛ أرى من الواجب على المسلمين أن يجتهدوا في البحث عن الأيدي
الأمينة التي تأخذ أموالهم، والجهاتِ المرضيةِ التي تجمع تبرعاِتهم؛
لأنَّ كثيراً من هذه الجهاتِ تعتبرُ مؤسَّساتٌ سياسيةٌ انتهازيةٌ!؛
تَعرِفُ كيف تحرِّك مشاعرَ المسلمين في الأوقات العصيبة، وكيف تثيرُ
جُودَهم وكرمَهم؛ حتى إذا حازت على تلكم الأموال قامت بوضعها في
مصالحها السياسية!!.
الحَلُّ الثَّامنُ: وهذا الحلُّ يُعتبرُ الميزانُ الذي نَزِنُ به
جميعَ الحلول التي مضت آنفا؛ لأن أغلبَ الحلولِ المذكورةِ لا يستطيع
النَّفرُ القليلُ منَّا أن يقوموا بها، فكان لا بدَّ إذاً من مرجعيةٍ
ذاتِ ثقةٍ نستطيع من خلالها أن ننطلقَ في توظيفِ هذه الحلول على أرض
الواقع.
لذا؛ كان من الواجب على المسلمين هذه الأيام أن يقفوا قليلاً مع
أنفسهم، وأن يُراجعوا حساباتِهم يوم زادت بينهم الشُّقَّة، وكَثُر
الخلاف فيهم، وذهبت ريحُهم؛ حتى لم يَعُدْ لهم بين أعدائهم هيبةٌ، ولا
قوَّةٌ!، فمن هنا كان يجبُ علينا جميعاً أن تجتمع كلمتُنا، وأن
تتوحَّد صفوفُنا، وأن يكن لنا مرجعيةٌ علميةٌ أمينةٌ.
في حين أننا لا نشكُّ طرفة عين؛ أنَّ جهوداً كبيرةً، وأموالاً كثيرةً
قد بُذِلت وقُدِّمت على أرض الواقع من أبناء المسلمين؛ إلاَّ أنها لم
تُؤتِ أُكُلُها كما ينبغي لها!؛ كلُّ هذا لمَّا غابت بيننا المرجعيةُ
العلميةُ الأمينةُ!، هذا إذا علمنا أنَّ الواقعَ هذه الأيام يحتاج إلى
ترتيبٍ، وتنظيرٍ، وتنظيمٍ للجهود والأفكار؛ حتى نكون بعدئذٍ قوةً
رهيبةً نستطيع أن نقابلَ بها أعداءَنا الذين ما بلغوا منَّا هذا
الشَّر والعداء إلاَّ يوم آمَنُوا بأهميَّةِ تنظيم الجهود، وتنصيبِ
مرجعيةٍ لها هيبتُها بينهم!.
فكان علينا بعد هذا أن نَلْتفَّ حول علمائنا؛ لا سيما الذين رُزقوا
علماً في الشريعةِ، وفَهماً للواقع ممَّن شهد الواقع بصدقهم، وبلائهم
في الدِّين، وأن لا نقطع أمراً دونهم؛ لا لشيء!؛ ولكن توحيداً للجهود،
وتنظيماً للأدوار.
الحَلُّ التَّاسِعُ: وهو من أوسعها؛ بل إخالك تحسبه من تتمَّةِ
الرسالةِ، وواجبها على قارئها، وذلك بفتح الباب على مِصْراعَيْه لكلِّ
مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجتهدَ في طرحِ ووضعِ الحلولِ
الإسلامية التي يراها مناسبةً للخروج بالأمة الإسلامية عامةً، وفلسطين
خاصةً من هذه الأزمات، والنكبات، والضعف، والهوان، والجهل؛ كلُّ هذا
إبراءً للذِّمةِ ومعذرةً إلى الله تعالى.
لأجل هذا كان من الواجب على من قرأ هذه الرسالة أن يُراعي ما
يلي:
ـ أن يسعى حثيثاً في البحث عن الحلول الشرعية المناسبة التي يراها
تخدم الأمة الإسلامية، والانصراف عن تلكم الاستنكارات السياسية،
والتحليلات الإخبارية المُغْرِقَة.
ـ وبعد بحثه عن الحلول الشرعية التي يراها مُنَاسبةَ؛ يجب عليه بعدئذٍ
أن يعرضها على أهلِ العلمِ لإبداء رأيهم فيها؛ حتى لا نَقَعَ في خطأٍ
شرعي من حيثُ لا ندري؛ فعندها - لا سمح الله - ستحتاجُ حلولُنا إلى
حلولٍ وهكذا!.
ـ أن يُبلِّغ ما يراهُ حقاً من هذه الرسالة إلى من يراه من المسلمين؛
وأخص منهم العلماء، وطلبة العلم.
والحمدُ لله رَبِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عبدِه ورسولِه
الأمين
صيد الفوائد
- التصنيف:
الحلوة
منذخالد
منذزكريا عبدالله
منذعاشقة الشهداء
منذ