أنواع القلوب

منذ 2014-02-10

إنه القلب ذلك المحرك الأساسي للجوارح والأبدان، به تستقيم أعمال المرء أوتفسد، ومنه تنبعث الأوامر، ومنه الإيمان يُشع ليسري نوره بسائر البدن والروح.


إن الحمد لله  نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

إنه القلب ذلك المحرك الأساسي للجوارح والأبدان، به تستقيم أعمال المرء أوتفسد، ومنه تنبعث الأوامر، ومنه الإيمان يُشع ليسري نوره بسائر البدن والروح.

صفة القلب: القلب سُمِّيَ قلباً لكثرة تقلبه من حال إلى حال؛ لذلك كان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي، وقال: "حديث حسنٌ").

وهو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «مَثلُ القلب مِثلُ الريشة تُقلبها الرياح بفلاة» (رواه ابن ماجة وصحَّحه الألباني)، فهنا يصور لنا رسول الله القلب وكأنه ريشة لخفته، ولتأثير الفتن فيه وعليه، صغيرها وكبيرها تماماً مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير اتجاهها.

أنواع القلوب:

لقد تحدث العلماء وأكثروا الحديث عن القلوب وأنواعها وتعلقها بالخير والشر ومن قبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا يُنكِر منكراً إلا ما أشرب من هواه» (رواه مسلم).

إذاً تنقسم القلوب إلى قسمين أساسيين كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوبٌ بيضاء وقلوبٌ سوادء والعياذ بالله.

القسم الأول: القلوب البيضاء ومنها:

1- القلوب المطمئنة: قال عزوجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

يقول ابن القيم رحمه الله: "الطمأنينة هي: سكون القلب إلى الشيء وعدم اضطرابه وقلقه".

فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقرآن، فإن صاحب هذا القلب لا يضطرب ولا يقلق عندما يُصاب بمصيبةٍ أو ابتلاء.

2- القلوب السليمة: يقول الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء من الآية:89].

قال سعيد بن المسيب: "القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض".

وقال أبو عثمان السيادي: "هو القلب الخالي من البدعة المطمئن إلى السنة".

وقال الحسن: "هو السليم من آفة المال والبنين".

3- القلوب المُنيبة: قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ‏} [ق:33].

قال القرطبي: "يعني مُقبِل على الطاعة".

وقال ابن القيم: "حقيقة الإنابة هي عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه".

4- القلوب الوجِلة: قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال من الآية:2].

يقول الشوكاني رحمه الله: "الوجل هو الخوف والفزع".

وقال السدي رحمه الله: "يعني إذا أراد أن يظلم مظلمةً وقيل له اتق الله كفَّ ووجل قلبه".

وهنا قصة لأحد الولاة:



 

عندما أراد أخذ ملك أحد الفقراء وظلمه، فقال له الرجل مذكِّراً: "إذاً والله لأشكونكَ إلى الملك الجبار القهار، ولأسلطنَّ عليك سهام الليل التي لا تُخطئ، فقال حينها الوالي: إذاً واللهِ لا طاقة لي بذلك خذ ملكك فإني لا أقدر على ذلك".

وهذا يدل على أن صاحب هذا القلب يتفاعل مع الموعظة، ويكف عن المظلمة لحساسيته الكبيرة ومحاسبة نفسه خوفاً من عقاب الله عزوجل.

5- القلوب المربوطة: يقول عز وجل: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [الأنفال من الآية:11].

قال الشوكاني: "أي يجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن المحن والصعوبة".

6- القلوب المخبتة: يقول سبحانه وتعالى: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54].

والخبت في اللغة: "المكان المنخفض في الأرض".

وبه فسَّر ابن عباس وقتادة رضي الله عنهما لفظ المخبتين في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قالا: "هم المتواضعون".

وقال مجاهد: "المخبت المطمئن إلى الله عز وجل".

وقال إبراهيم النخعي: "المصلون المخلصون".

وقال الكلبي: "هم الرقيقة قلوبهم".

7- القلوب الخاشعة: يقول سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد من الآية:16].

والخشوع هو: "قيام القلب بين يدي الرب سبحانه بالذل والخضوع".

8- القلوب المُقشعرة اللينة: قال عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23].

قال الزجَّاج: "إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر آيات الرحمة".

القسم الثاني من أنواع القلوب هي القلوب السوداء:

وأصحاب هذه القلوب ذوو مسامات مفتوحة للفتن والأهواء، متشربة لها، ويتضح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأي قلبٍ أشربها» ولاختلاف الإمتصاص والتشرُّب نرى أنواعاً من هذه القلوب:

1- القلوب الغليظة: يقول عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159].

قال القرطبي: "وغلظ القلب عبارة عن تجهم الوجه، وقلة الانفعال في الرغائب، وقلة الإشفاق والرحمة".

2- القلوب الزائغة: قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران من الآية:7].

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "الزيغ الميل، ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار، وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وهذه الآية تشمل كل: طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة".

3- القلوب الغافلة: قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف من الآية:28].

4- القلوب القاسية: قال عز وجل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ} [البقرة من الآية:74].

قال القرطبي رحمه الله: "القسوة هي الصلابة والشدة واليبس، وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله سبحانه".

وشبَّه ابن القيم رحمه الله القلب القاسي: "بالصلابة التي لم تقدر عليه درجات الحرارة الدنيوية من زواجر ومواعظ وعِبر أن تُلينه فما بقي إلا نار جهنم كي تذيبه فيها".

ويقول: "ما ضُرِب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبُعد عن الله".

5- القلوب المغلفة: قال سبحانه: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة من الآية:88]، أي عليها: أغطية.

6- القلوب المريضة: قال تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب من الآية:32].

قال في ذلك ابن تيمية رحمه الله: "هو القلب المريض بالشهوة؛ فإن القلب الصحيح لو تُعرَض له المرأة لم يلتفت إليها، بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يُعرَض له من ذلك بحسب قوة المرض إنْ المرأة خضعت هي بالقول فيطمع حينها الذي في قلبه مرض".

7- القلوب المختومة -وهو أسوأها والعياذ بالله-.

قال تعالى: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية من الآية:23].

فهي التي: أُغلقت فيها تلك المنافذ التي يدخل منها النور، وأغلقت تلك المدارك التي يتسرَّب منها الهُدى، وتعطَّلت فيها أدوات الإدراك بطاعة الهوى والعياذ بالله.

فاللهم ارزقنا قلوباً بيضاء نقية تخافك وتتقيك، سليمةً على خلقك.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

صفاء بنت محمد الخالدي

- درست على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( من خلال الأشرطة والكتب ) - حصلت على خمس شهادات في العقيدة والفقه من معهد منارة العلوم الشرعية للدراسة عن بعد - تلقي العديد من المحاضرات والدورس الشرعية في المساجد والدور النسائية

  • 38
  • 7
  • 115,568

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً