مسلمو إفريقيا الوسطى بين الموت والتهجير

منذ 2014-02-12

يبدو أن خيارات المسلمين مع أعدائهم أصبحت محصورة بين الموت أو التهجير، وأحيانا ربما لا يكون لأحدهم خيار الهجرة ليكون الموت مصيره الوحيد، ليس في إفريقيا الوسطى كما هو حاصل الآن فحسب، وإنما في كثير من بلدان العالم أيضا، بعد أن تداعى على المسلمين الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها. قال قلنا يا رسول الله: أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت» (مسند الإمام أحمد برقم 22450، وصححه الألباني).


يبدو أن خيارات المسلمين مع أعدائهم أصبحت محصورة بين الموت أو التهجير، وأحيانا ربما لا يكون لأحدهم خيار الهجرة ليكون الموت مصيره الوحيد، ليس في إفريقيا الوسطى كما هو حاصل الآن فحسب، وإنما في كثير من بلدان العالم أيضا، بعد أن تداعى على المسلمين الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها. قال قلنا يا رسول الله: أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت» (مسند الإمام أحمد برقم 22450، وصححه الألباني).

إن الداء الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث هو نفسه العامل الأبرز في هزيمة المسلمين وانكسارهم على مر التاريخ، وهو ذاته الوتر الحساس الذي ما زال الغرب يضرب عليه منذ عقود من الزمان، من خلال تمريره لماديته البغيضة إلى بلاد المسلمين، وزرعه لبذور الفرقة والخلاف فيما بينهم، حتى إذا استحكم هذا الداء العضال في النفوس وترسخ في القلوب، أظهر الغرب ما كان يخفيه من حقد وعداء لأتباع هذا الدين الحنيف.

ولم يكن الغرب ليتجرأ على المسلمين بهذا الشكل -كما يفعل اليوم- لولا اطمئنانه لبدو صلاح ثمرته الخبيثة التي زرعها في العالم العربي والإسلامي، وعمل على سقايتها ورعايتها طوال عقود من الزمان خلت، بينما كان الكثير من المخدوعين بحضارته -من المسلمين- يلهثون وراء فتاته الذي لم يزد المسلمين إلا فرقة ومادية وبعدا عن الدين.

وأمام هذا الواقع المرير لم يكن مفاجئا أن تتساءل صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية -وليس صحيفة عربية أو إسلامية لعدم اهتمامها الكافي بالأمر أو ربما لعدم امتلاكها للمعلومات عما يحل بالمسلمين هناك-: "هل سيبقى المسلمون في أفريقيا الوسطى بعد الهجمات التي يتعرضون لها في البلاد من عمليات نهب وسرقة وقتل وحشي واسع النطاق؟؟ أم أن ذلك سيجبرهم بلا شك على الهروب خاصة مع عجز السلطات عن حمايتهم؟؟".

وبينما تبدي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا خوفها من الانزلاق إلى الفوضى والحرب الأهلية والإبادة الجماعية كما حصل في رواندا كما تدعي، تقوم كل من قوات حفظ السلام الإفريقية -التي نقلت طائرات أمريكية عددا منهم من رواندا وبوروندي لأفريقيا الوسطى مؤخرا- والجيش الفرنسي بإجبار مقاتلي سيليكا (المسلمين) على الخروج من العاصمة بانغي في ديسمبر الماضي؛ الأمر الذي أطلق العنان لمليشيات مسيحية بالقيام بموجة دموية من قتل المسلمين لا زالت خارج السيطرة إلى الآن، بعد أن تحدثت تقارير عن مقتل أكثر من سبعين مسلما أمس الثلاثاء.

وتأتي شهادات بعض المنظمات لتكشف عن هول الجريمة التي ترتكب بحق المسلمين هناك، فقد قال مدير الطوارئ في منظمة (هيومان رايتس ووتش) بيتر بوكارت: إن أكثر من 1000 شخص قتلوا منذ الإطاحة برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى العام الماضي، حيث اندلعت حرب طائفية شردت الملايين، وأصبح المسلمون هدفا للميليشيات (المسيحية) التي تتجول في البلاد، وتجبرهم على الرحيل أو تقتلهم بدم بارد.

و ينقل (بوكارت) مشاهداته إثر زيارة قام بها للعاصمة بانغي وما تشهده من عمليات ذبح وملاحقة للمسلمين هناك قائلا: "بعد أن أُخرجت جماعات السيليكا من حي المسلمين، وصلت مئات من الجماعات المسيحية، وطردوا من تبقى في الحي من المسلمين، ونهبوا بيوتهم أو دمروها، حتى المسجد لم يسلم من تخريبهم، مرددين عبارات أن هذا البلد للمسيحيين فقط".

ويصف مدير الطوارئ في (هيومان رايتس ووتش)، سجل الموتى في مشرحة بانغي بأنه "يشبه فصلا من فصول الجحيم في (كوميديا دانتي)، كما يشير إلى ممارسات القوات الفرنسية المنحازة للمسيحيين هناك، حيث ذكر أنها تقوم بسحب السلاح من السيليكا (المسلمين)، بينما يتردد أفرادها في التدخل لمنع عمليات القتل الانتقامي التي تقوم بها الجماعات المسيحية ضد المسلمين الذين أصبحوا عزلا.

إنها الحقيقة التي لا بد أن نواجهها بكل جدية حتى نستطيع التخلص منها ومن آثارها المدمرة، حقيقة فرقة واختلاف المسلمين وتمزقهم رغم كونهم على الحق، واجتماع وتعاون وتنسيق عدوهم فيما بينهم رغم كونهم على الباطل. وإذا كان هذا الداء القاتل بحاجة إلى علاج ودواء في أيام السلم والرخاء والأمن الذي كانت عليه دول المسلمين من قبل، فإنه الآن أشد حاجة وأكثر إلحاحا في ظل حرب الإبادة التي تمارس ضدهم في هذه الأيام.

عامر الهوشان

 

  • 2
  • 0
  • 1,422

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً