بيان السعد والأحمد حول أحداث الشام

منذ 2014-02-15

فقدِ اطلعت على بيان الشيخ يوسف الأحمد وفقه الله تعالى بشأن الأحداث الجارية في الشام وخاصة في ما يُسمَّى بـ (دولة الإسلام في العراق والشام) وعدم قبولها للمبادرات التي طرحها بعض أهل العلم. وألفيته بيانًا مؤيدًا بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، مع اطلاع على مجريات الأمور الحادثة هناك وحسن تصور لواقع بلاد الشام وما وقع بين الفصائل، ولذا؛ فإني أؤيد ما ذهب إليه، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛

فقدِ اطلعت على بيان الشيخ يوسف الأحمد وفقه الله تعالى بشأن الأحداث الجارية في الشام وخاصة في ما يُسمَّى بـ (دولة الإسلام في العراق والشام) وعدم قبولها للمبادرات التي طرحها بعض أهل العلم.

وألفيته بيانًا مؤيدًا بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، مع اطلاع على مجريات الأمور الحادثة هناك وحسن تصور لواقع بلاد الشام وما وقع بين الفصائل، ولذا؛ فإني أؤيد ما ذهب إليه، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه.

هذا؛ وقد استفاضت الأخبار في وقوع هذه الجماعة في مخالفات شرعية  كثيرة منها:

أولًا:



عدم قبولها بالتحاكم إلى محكمة شرعية مستقلة لفض النزاعات والخلافات التي حصلت بين فصائل المجاهدين؛ مما أدَّى إلى حدوث القتال بينهم، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].



وفي (صحيح البخاري: [2731] و[2732]) من حديث الزهري عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومروان يُصدِّق كل واحد منهما حديث صاحبه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يُعظِّمون فيها حُرمات الله إلا أعطيتهم إياها» يعني بذلك صلى الله عليه وسلم قبيلة قريش.



فمع كونهم كفارًا أصليين ودعوه إلى خطة فيها رشد لأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ وهذا ما فعله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما دُعي إلى التحكيم في زمن  الفتنة بينه وبين معاوية رضي الله عنه، فإنه قد وافق عليه مع أنه هو الخليفة وأقرب إلى الحق من غيره، فما بال بعض الناس يأبى ويمتنع؟!

ثانيًا:



وقوعهم في التكفير بغير حق وحكمهم بالردة على من لا يستحق ذلك وإنما بالشبهة، فأدَّى بهم هذا إلى استباحة دماء بعض من حكموا عليهم بذلك، ولا يخفى خطورة هذا الأمر، وفي قصة مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن كما في البخاري من حديث ابن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال د: "...فَآبَ فِي البَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»، قَالَوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى المُنَافِقِينَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».

وفي مصنف عبد الرزاق وغيره من طريق الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن عبد الله بن عدي الأنصاري حدَّثه: "أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يُسَارَّهُ، فَسَارَّهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلامِهِ وَقَالَ: «أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: «أَلَيْسَ يُصَلِّي؟» قَالَ: بَلَى، وَلا صَلاةَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيتُ عَنْهُمْ»" وقد جاء مسنَدًا ومرسلًا، ووصله قوي فقد وصله جماعة، وقد قوى الوصلَ إسماعيلُ بن إسحاق القاضي وصحَّح ابن حِبَّان وابن حجر الوصل، ولينظر (التمهيد لابن عبد البر: [161/10]، والإصابة لابن حجر: [178/4]).

وروى ابن وضاح في البدع من طريق ابن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَاعِدٌ؛ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ غَضَبًا لِلَّهِ حَتَّى قُتِلَ، أَفِي الْجَنَّةِ أَمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فِي الْجَنَّةِ. قَالَ حُذَيْفَةُ: اسْتَفْهِمِ الرَّجُلَ وَأَفْهِمْهُ مَا تَقُولُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَجُلًا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ غَضَبًا لِلَّهِ حَتَّى قُتِلَ، أَفِي الْجَنَّةِ أَمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ حُذَيْفَةُ: اسْتَفْهِمِ الرَّجُلَ وَأَفْهِمْهُ مَا تَقُولُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: وَاللَّهِ لا تَسْتَفْهِمُهُ، فَدَعَا بِهِ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: رُوَيْدَكَ، إِنَّ صَاحِبَكَ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَأَصَابَ الْحَقَّ حَتَّى يُقْتَلَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْحَقَّ وَلَمْ يُوَفِّقْهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ؛ فَهُوَ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَدْخُلَنَّ النَّارَ فِي مِثْلِ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ كَذَا وَكَذَا" وهذا الخبر إسناده قوي، وقد جاء من وجه آخر عند سعيد بن منصور وإسناده جيد، فهو خبر صحيح محفوظ.

ومن الفِقه في هذا الأثر أن حذيفة رضي الله عنه اشترط للضارب بسيفه غضبًا لله أن يُصيب الحق، وفي رواية أن يُصيب أمر الله حتى يكون من أهل الجنة إذا قُتل، وأما من لم يُصِب الحق ولم يوفِّقه الله عز وجل إليه فهو من أهل النار كما في الخبر، فعلى المسلم أن يتئد في الأمر ويتبصّر فيه، ويدع العجلة؛ لأنها من الشيطان، وهذا المعنى قد جاءت به النصوص المرفوعة عند وقوع الفتن فلتُنظر في مظانها.

ثالثًا: أنه يُلاحظ على تصرُّفات الجماعة المشار إليها بُعدهم عن العلم وتخبطهم وعدم تبصرهم؛ فهي ليست صادرة عن عِلمٍ وفِقه، ولا يخفى أن هذه الأمور العظيمة لا بد أن تكون مبنية على فِقهٍ عميق ونظرٍ دقيق، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك فضعفهم العلمي ظاهر، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [

النساء:83].

فلا بد من العلم في كل الأمور وخاصة هذه في الأمور العظيمة التي تقدم ذكر أمثالها، ولذا قال الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى: [20/393]): "ودين الإسلام أن يكون السيف تابعًا للكتاب؛ فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعًا لذلك كان أمر الإسلام قائمًا" اهـ.

وتأسيسًا على ما تقدَّم أقول وبالله تعالى التوفيق:

أولًا: أدعو من ينتسب إلى هذه الجماعة إلى الخروج منها والابتعاد عنها.

ثانيًا: أدعو كبار هذه الجماعة إلى الرجوع إلى الحق والتوبة إلى الله مما جرى منهم من أخطاء جسيمة وأمور عظيمة تقدَّم ذكر بعضها.

ثالثًا: أدعو جميع المجاهدين في بلاد الشام إلى أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وإلى توحيد صفهم وجمع كلمتهم، وأن ينشغلوا بجهاد عدوهم، قال أبو العباس ابن تيمية كما في (جامع الرسائل: [300/5]): "ومتى جاهدت الأمة عدوها ألَّف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شُغِلَ بعضها ببعض" اهـ.  كما أدعوهم إلى عدم التحزُّب أو التعصُّب لراية أو فصيل سوى الإسلام والتسمِّي بهذا الاسم العظيم الذي سمَّى الله عز وجل به عباده.

هذا؛ وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُوحِّد صف المجاهدين في سبيله في الشام وفي كل مكان، وأن ينصرهم على أعداء الملة والدين، وأن يقي المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وبالله تعالى التوفيق.

 

 

المصدر: صفحة المُحدِّث عبد الله السعد على تويتر

عبد الله بن عبد الرحمن السعد

خريج كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 4
  • 1
  • 6,454

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً