أيـها المشايخ: تواضعوا!!

منذ 2014-02-16

اختلط في بلادنا مصطلح "الشيخ" فلم يعد هذا المصطلح محصورًا على القضاة مثلاً ولكنه تجاوز ذلك إلى الدعاة الذين يعملون في وزارة الشؤون الإسلامية وكذلك العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتجاوز الأمر ذلك أيضًا فأصبح هذا اللقب يطال مجموعة من التجار وأحيانًا من ليس من هؤلاء جميعا إذ يكفي أن يتزيا أحدهم بزي "المشايخ"(!!) لكي يكون شيخًا ثم يحاول الحصول على بعض مكتسباتهم.

 

اختلط في بلادنا مصطلح "الشيخ" فلم يعد هذا المصطلح محصورًا على القضاة مثلاً ولكنه تجاوز ذلك إلى الدعاة الذين يعملون في وزارة الشؤون الإسلامية وكذلك العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتجاوز الأمر ذلك أيضًا فأصبح هذا اللقب يطال مجموعة من التجار وأحيانًا من ليس من هؤلاء جميعا إذ يكفي أن يتزيا أحدهم بزي "المشايخ"(!!) لكي يكون شيخًا ثم يحاول الحصول على بعض مكتسباتهم.

 

ما ذكرته آنفًا مقدمة سريعة لن أقف عندها ولكن الذي استدعى فكرة هذا المقال ما تكرر أمامي مرارًا في المؤتمرات والندوات العامة التي أُدعى إليها فقد رأيت مجموعة من أولئك المشايخ ما يتناقض مع أبسط القواعد الأخلاقية التي تعلمناها منهم والتي نسمعها منهم أيضًا في خطب الجمعة وكذلك المحاضرات العامة أو برامجهم التلفازية وأعنى بذلك خلق التواضع والزهد.

 

في المؤتمرات يتم عادة تحديد ساعة الافتتاح ويفترض في المدعوين أن يحضروا قبل ذلك بفترة كافية لكن بعض المشايخ يأتون متأخرين ومع هذا يصرون على الجلوس في الصف الأول مع أنهم يرونه مليئًا، فيقف أحدهم منتظرًا أن يقوم البعض تاركا له مكانه فإن لم يتيسر له ذلك يصر على أن يؤتى له بمقعد ويوضع في الصف الأول(!!)، هذا العمل يُحدث فوضى في القاعة، كما أنه في الوقت نفسه يعطي انطباعًا سلبيًا عن هذه الفئة التي يفترض فيها التواضع والاقتداء بسنة الرسول الكريم أكثر من غيرها، ويتكرر هذا المشهد في الاحتفالات وما شابهها وهذا يكرس النظرة السلبية للمشايخ.

 

من الموضوعات التي يتحدث عنها المشايخ كثيرًا الزهد في الدنيا والالتفات للآخرة، وهذا الحديث لاشيء فيه وقد يكون مطلوبًا خاصة إذا طُرح بتوازن يجمع بين حاجات الإنسان الدنيوية والأخروية، ولكن المستفـز في هذا الحديث هو ما يراه البعض تناقضا صارخا بين قول البعض وعمله(!!)، كيف يطالب أحدهم مستـمعـيه بأن يكونوا زهادًا وهو يمـلك الملايـين الكثـيرة ويـركب السيارات الفارهة ويسكن القصور الباذخة؟!!

 

عن أي زهد يتحدث ومن سيُصدّقه؟! وإذا أصبـح أحدهـم في منصـب جـيد يـزداد كـبرياءً وتضخمًا، ويعبر عن هذا الكبرياء بوسائل متعددة أظن أن القـراء يعرفون الكثير عنها.

 

نماذج قليلة من علمائنا الكبار الرموز لم يكونوا كذلك؛ بل إنهم ضربوا المثـل الأعلى في التواضع والزهد معًا، ولأنهم قلة فقد بقي ذكرهم في ذاكرة المجتمع وأظنه سيبقى طويلا، ومن هؤلاء:

 

الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد كان عالمًا من الطراز الأول ولكنه جمع إلى العلم التواضع والزهد ولهذا أحبه كل من عرفه؛ كان يلاطف زائريه ويمازحهم، كما كان يحرص على دعوتهم لتناول طعام العشاء معه بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو جنسياتهم، بل إن بعض الفقراء كان يقيم في بيته أشهرًا ولا يمل من ذلك، وسمعت أن أحدهم كتب قصيدة في مدحه وأرسلها لمجلة الدعوة فاتصلت به المجلة للاستئذان في نشرها فغضب كثيرًا وطلب منهم تمزيقها.

 

ومنهم أيضًا: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وقد زرته في بيته الطيني المتواضع في عنيزة مع عدد من الزملاء وكنت وقتها طالبًا في الجامعة وكان يصب لنا القهوة بنفسه، وقد عاش جل عمره في هذا المنزل ولم يخرج منه إلا في أواخر عمره وبضغط من أبنائه. وكان رحمه الله بسيطًا في ملبسه ومأكله زاهدًا بما عند الناس متطلعًا لما عند الله.

 

وثالث هؤلاء: الشيخ صالح الحصين رحمه الله وقد عمل أكثر من مرة بمرتبة وزيـر، وآخرها رئيسًا لشؤون الحرمين الشريفين، والشيخ صالح يضرب به المثل في الزهد والتواضع بالإضافة إلى غزارة العلم، وقد زرته رحمه الله في شقته المتواضعة في المدينة المنورة ولست أدري هل سكن خيرًا منها بعد ذلك أم لا؟! لكنني رأيته كثيرًا وكان يـزداد تواضعًا ويـزداد في عيون الناس رفعةً واحترامًا، وأعرف كثيرًا من مواقفه التي تدل على تواضعه خاصة مع الفقراء وبسطاء الناس.

 

أوردت تلك الأمثلة الناصعة لتكون قدوة لكثير من الذين يقولون مالا يفعلون ويتخذون من الكبرياء الزائفة منهجًا في سلوكهم، وما دروا أنهم بذلك يسيؤون إلى أنفسهم وإلى دينهم، فالناس ما عادت تنطلي عليهم تلك الأقاويل خاصة أن الحقائق أصبحت مكشوفة، بل إن بعض هؤلاء يتحدث عن ثرواته في أجهزة الإعلام، وبعضهم لا يذهب إلى المسجد إلا في أفخم السيارات.

 

سيقول البعض: إن هؤلاء لم يخالفوا الشرع ومن حقهم أن يستمتعوا في حياتهم مثـل غيرهم، وأقول: نعم هذا من حقهم، ولكن ليس من حقهم مطالبة غيرهم بالزهد وهم لا يفعلونه!! أما الكبرياء فهو صفة ذميمة مكروهة وليس من حقهم فعلها والحرص عليها وبطريقة فجة غالبا ومع هذا يطالبون الآخرين بالتواضع فمن سيقبل منهم ذلك؟!

 

الناس لا يقتنعون بمن لا يطبق ما يدعو إليه على نفسه وأهل بيته، والقرآن الكريم حسم هذه المسألة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].

 

محمد بن علي الهرفي

 

  • 0
  • 0
  • 1,821

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً