اعرف قدْرك؛ تكن طالب علم!

منذ 2014-02-18

جربت كثيرًا من طرق التعلم والحفظ والقراءة، فلم أفلح في شيء منها حتى وطّنت نفسي على الاعتراف بقدري، وما قسمه الله لي من رزقي الحفظ والفهم

 

الحمد لله وحده.

 

جربت كثيرًا من طرق التعلم والحفظ والقراءة، فلم أفلح في شيء منها حتى وطّنت نفسي على الاعتراف بقدري، وما قسمه الله لي من رزقي الحفظ والفهم.

 

ولا أستطيع أن أنسى ما كتبته في مدوّنتي الخاصة سنة 1999، من قصة الأصمعي مع الخليل بن أحمد شيخ العروضيين، فقد كان الأصمعي ملازمًا له بغية تعلم العروض، لكنه لم يستطع هضمه على الوجه بعد طول زمان، فنصحه الخليل بلطف فقال له: قطّع لي هذا البيت:

 

إذا لم تستطع شيئًا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع

 

فتلقفها الأصمعي، وانصرف إلى اللغة فأصبح الأصمعي!

 

من حينه قررت ألا أستحيي ولا أستكبر، فيضيع مني من العلم ما أؤاخذ عليه حقًّا، اللهم إلا ما وقع مني حال الضعف، والله يغفر لي ويهديني!

 

وقد كان الواجب ألا أزلّ فأجعل بين عينيّ وعلى خاطرة قلبي قول مجاهد رحمه الله: لا ينال العلمَ مستحي ولا مستكبر!

 

حاولت أن أوطّن نفسي مثلا على أن أقول "غير مفهوم" في جواب سؤال الشيخ: "فاهم؟"، فأسعد أبدًا بالفهم حين يعيد الأستاذُ الشرح، بدلاً من الذل الأبدي بالجهل، لا سيما مع ادّعاء العلم، فوالله ما الأمر إلا كما قال الأصمعي: من لم يتحمل ذل العلم ساعة؛ بقي في ذل الجهل أبدًا.

 

وعلمتُ مع الوقت أن المجيبين على الشيخ بـ"نعم"، قد يكون منهم من هو أسرع مني فهمًا؛ فلا يعيبني ما قسم الله له، ما حرصتُ على الفهم مثله، فهذا أنا سأفعله. وأن كثيرًا منهم -أيضًا- مستح أو مستكبر!

 

يُعلم ذلك وقت الامتحان والسؤال، كما رأيته بعيني مرارًا؛ فعلام أحرم نفسي لذة الفهم مراعاة لمثلهم من فاسدي القلوب والنوايا، أرباب الكبر والتصنّع؟

 

وحاولت أن أوطّن نفسي أن العلم باتساعه، وعدم انحصاره؛ لا بدّ أن يوجد منه الشيء الكثير عند مَن هو أصغر مني سنًّا، لا سيما مع تنوع الاهتمامات، وتشعب طرق الدرس!

 

ألم يكتب الكبار عن محمد بن إسماعيل على باب الفريابي، ولم تنبت في وجهه شعرة؟

 

ألم يسألوه: ابن كم أنت؟ فقال: سبعة عشر.

 

ألم يدفع له محمد بن سلام وهو شيخه بكتابه ليصلح له فيه؟

 

سبحان الله!

 

ألم يقل وكيع: لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه؟

 

ومن الباب في تقديري قول سيّدي الشافعي رضي الله عنه: لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس؛ فيفلح، ولكن مَن طلبه بذلة النفس، وضيق العيش وخدمة العلم؛ أفلح!!

 

ومع كل ذلك، فإني أحمد الله أن أعانني على كلّ قول قلتُه ثم بدا لي الرجوع عنه إلى غيره، أو التوقف فيه، وسواء في ذلك قلته جاهلاً أو باحثًا! فإني بذلك على درب الفقهاء حقًّا.

 

وإذا كان الوارد عن بعضهم أنه "يقول القول" ويرجع عنه من غده، وهم الأوفر علمًا، والأقرب من زمن الوحي، والأهدى لسانًا؛ فحقّ أهل الزمان أن يقولوا القول فيرجعوا عنه من فورهم!

 

لا يلزمك، ولم تُلزم، فلا تلتزم أن تكون سريع الحفظ مثل وكيع زمانك، ولا شديد الذكاء مثل شافعي زمانك، ولستَ نبيّ أي علم من العلوم!

 

إنما يلزمك بإجماع العقلاء؛ ألا تنطق إلا وقد علمتَ ما تقول، على وَفق ما كان الماضون يعلمون، لا بمحض التشهي والادعاء، وإلا أوردت نفسك المهالك!

 

فافهم.

 

المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك
  • 1
  • 0
  • 2,944

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً