المضامين التربوية في الرضا بالمولود
إن الله تعالى قد أمر عبادَه بالرضا بقضائه، والشكر على نعمائه، وفي الرضا بالمولود كنز عظيم وفوائد جليلة وأسرار عظيمة، يعود أثرُها النافع وثوابُها الجزيل على الوالد والمولود، بل تَنتفِع الأمة بأثرِه وفضلِه، والرضا هنا يكون بالمولود، ذكرًا كان أو أنثى، صحيحًا كان أو سقيمًا، فهو نِعمة وهِبة من الله تعالى، يمنحها مَن يشاء، ويَحجُبها عمن يشاء، فمن مُنِح، فعليه البِشر والرضا ومن مُنِع، فعليه الصبر والدعاء.
إن الله تعالى قد أمر عبادَه بالرضا بقضائه، والشكر على نعمائه، وفي الرضا بالمولود كنز عظيم وفوائد جليلة وأسرار عظيمة، يعود أثرُها النافع وثوابُها الجزيل على الوالد والمولود، بل تَنتفِع الأمة بأثرِه وفضلِه.
والرضا هنا يكون بالمولود، ذكرًا كان أو أنثى، صحيحًا كان أو سقيمًا، فهو نِعمة وهِبة من الله تعالى، يمنحها مَن يشاء، ويَحجُبها عمن يشاء، فمن مُنِح، فعليه البِشر والرضا ومن مُنِع، فعليه الصبر والدعاء.
ولا يعلم الغيبَ إلا الله تعالى، والخَلْق كلهم متساوون عنده في الربوبية، يُعطي كلَّ فرد منهم ما يُصلِحه وما يستأهله، فربما كان القليل أفضل من الكثير، وربما كان الذَّكر أفضل من الأنثى، وربما العكس، والشواهد كثيرة في دنيا الناس، ولكن الإنسان خُلِق عجولاً؛ قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11]، وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50]، وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
رضا الوالدين بمولودهما، يُصاحبه غِبطةٌ وسعادة به، وإقبال عليه واحتفاء به، ومن ثَمَّ يقودهما هذا الشعور إلى الإحسان إليه والاهتمام به، والتعاون بينهما على إكسابه كل ما يستطيعان من خبرتهما، ومن قِيم مجتمعهما، حتى يصير مواطنًا صالحًا يؤدي دوره الذي أناطه الله به على الوجه الذي حدَّده له.
ويتزايد الشعور بالانتماء العائلي لدى المولود، والطاعة الأسرية، وتَقبُّلُ النصح والإرشاد، مع إدراكه لهذا الشعور النبيل من أبويه، وعلى النقيض من ذلك، يؤدي الامتعاض والقنوط الحاصل لدى الأبوين بسبب المولود؛ كأن يكون الوالدان أو أحدهما لديه استعداد لاستقبال الذَّكر، ثم يُفاجأ بأنثى، والعكس، حينئذ يتنامى لدى الوالدين شعورٌ بالأسى وعدم الاكتراث بالمولود، ومن ثَمَّ عدم الاهتمام به والإقبال عليه، مما يسبّب تقصيرًا في تربيته، وإذا شبَّ المولود على ذلك، وأدرك شعورهما تجاهه، يتولَّد لديه ضَعفُ الانتماء الأُسَري، وعدم تَقبُّل ما يُمليه عليه والداه من نُصْح وإرشاد، وإذا تَضاعَف هذا الشعور وازداد فهو الخطر العظيم الذي يتسبَّب في الظلم والقهر، وربما يؤول إلى العقوق، وإذا لم يُغيَّر هذا الشعور أدى إلى العنف والعدوانية.
لذلك تأتي هذه القضية من الأولويات التي رعاها الإسلام، واهتمَّ بها، وضمَّها في قضية الإيمان بالقضاء والقَدَر، وجعله ركنًا من أركان الإيمان.
وقد ضرب الله تعالى في كتابه العزيز أمثالاً عديدة، تُوضِّح أن العبرة ليست بنوع المولود، ولكن العبرة بما يؤدَّب به هذا المولود وما ينشأ عليه من أخلاق، وإشارة كذلك إلى أن الخير ربما يكون فيما يَظُنه الإنسانُ شرًّا، وعلى الإنسان أن يرضى ويُسلِّم بحكمة الله العليم الخبير.
فهذه مريم من خيرة نساء العالمين، نفخ الله فيها من روحه، فجاءت بمعجزة من عند الله، وولدتْ عيسى نبيًّا ورسولاً، من أولي العَزْم، وتحمَّلت في سبيل ذلك أشدَّ ألوان الإيذاء، وهي العفيفة الحصان الرَّزان، ولم يَقتصِر الأمرُ على ذلك، بل امتدَّ ليَشمَل فترات الدعوة مع ولدِها عليهما السلام.
وكذلك كنعان ولدُ نوح عليه السلام، الذي كفر بالله وكذَّب أباه، وعصاه فكان من المهلكين، وحينما تأسَّف عليه والده عليه السلام، ونعاه بعد الفِراق بأنه من أهله، عاتبه الله عتابًا رقيقًا بأنه ليس من أهله؛ لأن عمل غير صالح.
وتذكر الغلام صاحب الخضر وموسى عليهما السلام، الذي قتله الخضر بوحي من الله؛ لأن أبويه من المؤمنين، فأشفق الخضر على والديه أن يُرهِقهما بشِقوته طغيانًا وكُفْرًا، والنماذج في القرآن وفي سير السلف الصالح كثيرة، بل وفي واقعنا المعاصر، فاعتبروا يا أولي الألباب والأبصار، وأقبِلوا على ما رزقكم الله يُبارِك لكم الله فيه.
ولكن كيف لنا أن نتغلَّب على الشيطان والهوى؟ يُعلِّمنا الأسوةُ الحسنة صلى الله عليه وسلم كيف نقهر الوسواس الخنَّاس، ونُحرِّر أنفسنا من تَبِعة النَّفْس الأمَّارة، إلى الاطمئنان بقضاء الله وقَدَره، فقال: «» [1].
وفي رواية مسلم: «»، وفي رواية أخرى «».
فمن رُزق بالأنثى دون ذَكَر، يتصبَّر بمن لم يُرزَق لا بالأنثى ولا بالذَّكر، ومن جعله الله عقيمًا ينظر إلى من رُزِق بمولود سقيم مُشوَّه، عجز الطبُّ عن مداواته، فأصبح عالة على والديه، وحملاً ثقيلاً، وهمًّا عظيمًا عليهما.
وفي السياق نُشير على مَن منعه الله شيئًا، أن يسأل الله تعالى، وأن يَلتزِم بالصبر، فكم من محرومٍ استعان بالله وسأله من فضله، وصبر على بلائه، منَحه الله رُغم عِلَّته، وفي دين الله الكثير من النماذج والعِبَر.
[1] البخاري (6490)، ومسلم (2963).
- التصنيف: