الحافظ حطاب والناقد نقاش
كثيراً ما يذكر أهل العلم كلمتي الحافظ والناقد، ويقصدون بهما ما يريدونه وفق علم واضح وفهم دقيق، مقابل ذلك يذكرهما طلاب العلم فضلاً عن غيرهم ولا يفهمون معناهما ولا المراد منهما بل يخلط الكثيرون منهم بينهما ولا يفرقون بينهما بل يغتر كثير من طلاب العلم بمن يقول العلماء عنه حافظ، ويأخذون قول الحافظ وينقلوه من غير تحقيق ونقاش وينزلون ما أورده منزلة النص والإجماع، وهذا غير حق ولا صواب
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
كثيراً ما يذكر أهل العلم كلمتي الحافظ والناقد، ويقصدون بهما ما يريدونه وفق علم واضح وفهم دقيق، مقابل ذلك يذكرهما طلاب العلم فضلاً عن غيرهم ولا يفهمون معناهما ولا المراد منهما بل يخلط الكثيرون منهم بينهما ولا يفرقون بينهما بل يغتر كثير من طلاب العلم بمن يقول العلماء عنه حافظ، ويأخذون قول الحافظ وينقلوه من غير تحقيق ونقاش وينزلون ما أورده منزلة النص والإجماع، وهذا غير حق ولا صواب، ولكي نعرف من هو الحافظ ومن هو الناقد المحقق لا بد من معرفة الفرق بينهما:
الحافظ من يعرف بكثرة الحفظ للنصوص النبوية وغيرها أي ينظر إليه من ناحية كثرة ما ينقله ويحفظه، أما الناقد فهو الذي يتفحص النصوص ويدقق في صحة سندها ومتنها، ولا يتبنى كل ما ينقله الحافظ من غير تحقيق وتدقيق، فكم من متن صحيح يوافق القرآن والسنة والسند إليه ضعيف وكم من سند صحيح ومتنه ضعيف ولا يحتج به، وهذا معروف لدى المشتغلين بعلم الحديث، ولهذا قلت الحافظ حطاب والناقد نقاش؛ لأن الحافظ يحفظ وينقل كل ما وصل إليه من غير تحقيق في السند أو المتن، أما الناقد فيبحث بالمنقاش عن صحة كل سند ومتن، ما صح تبناه وأخذ به وما لم يصح تركه وبين بطلانه وفساده كي لا يغتر به من لا علم عنده، لهذا نجد في كتب وتصنيفات الحفاظ الكثير من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ومن أشهر العلماء الذين يعدون حفاظاً وليسوا نقاداً الإمام الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ولهذا ضمت كتبه وتصنيفاته الأحاديث الضعيفة والموضوعة كما بين ذلك أهل العلم ومنهم العلامة الألباني.
وانقل لك أخي القارئ الكريم كلام الألباني عن الفرق بين الحافظ والناقد وكلامه عن الإمام السيوطي رحمهما الله جميعا قال الألباني في السلسة الضعيفة بعد أن ذكر الحديث الموضوع: "نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام"، قال: "ثم إن حكم السيوطي على الحديث بالضعف فقط خلافا لأولئك الأئمة، إنما هو وقوف منه عند ظاهر حال الراوي، يعني: أنه نقد الحديث بالنظر إلى سنده فقط! وأما أهل التحقيق، فإنهم ينظرون في هذه الحالة إلى متن الحديث أيضاً، فينقدونه بما يظهر لهم من نكارة في معناه.
وهذا مما لا يلتفت إليه السيوطي إلا نادراً، ولذلك فهو ليس معدوداً عند أهل العلم من النقاد، وإنما من الحفاظ فقط، ولذلك وقعت الأحاديث الموضوعة في كتبه، وبعضها موضوعة السند أيضا، كما يتبين ذلك لمن تتبع هذه (السلسلة) من الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
ألا ترى إلى أثر مجاهد المتقدم، فإنه مع كونه موقوفاً عليه، ورجاله ثقات رجال الشيخين حكم ابن معين وابن عدي ببطلان متنه، ونسبوا الوهم فيه إلى الفريابي الثقة، وما ذلك إلا تبرئة منهم لمجاهد أن يروي مجرد رواية لمثل هذا الحديث الباطل، فمن باب أولى أن يبرئوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلفظ به!
وأما على طريقة السيوطي التي لا تتعدى الإسناد في النقد، فهو يلزمه أن يقول: إن مجاهدا قد قال هذا الحديث موقوفا عليه! ولعل هذا هو السبب في عدم إيراده هذا الأثر في جملة الطرق التي استدركها على ابن الجوزي، وذلك لما رأى أن نقد ابن معين وغيره إياه يخالف طريقته في الجمود على نقد السند فقط!
وخلاصة القول، أن الحديث من جميع طرقه موضوع المتن. والله أعلم" انتهى.
أخواني الكرام: ما نقلته سابقا عن العلامة الألباني يدل دلالة واضحة وصريحة على أن ليس كل من عنده سعة حفظ للنصوص ويتكلم بها هو إمام ناقد فقيه محقق، فالحفظ شيء والنقد والتحقيق شيء آخر تماما، إذا كان هذا حال الحفاظ الأئمة الأعلام فما بالك بمن هو دونهم في العلم والقدر والمرتبة، أقول لكل من يروم التصدر للدعوة والإفتاء قف مليا وتفكر وقارن حالك مع حال هؤلاء الأئمة المشهود لهم بالعلم والفضل، لتعرف قدر نفسك وحقيقة غيرك، ولتتثبت من النصوص قبل نقلها ونسبتها إلى أهل العلم والنبي عليه الصلاة والسلام، فليس كل ما تقرأه وتسمعه صحيح ثابت عن المنقول عنه، واحذر قول الرسول الكريم: « » (رواه مسلم)، فليحذر من آتاه الله تعالى صوت جوهري فيخطب بالناس متحمسا يثير بهم الهمم والعاطفة، تراه يحرك يديه يمنة وميسرة بل جسده كله ويصرخ بأعلى صوته صائحاً هاذياً بما لا يعرف ولا يعقل، وإذا نزل من المنبر وقلت له يا شيخ أنت قلت كذا وكذا، قال سبحان الله أنا ما قلت كذا ولا كذا، أنا قلت كذا وكذا، فتذكره بما قال فيهرب يمنة وميسرة وإذا شهد عليه غيرك قال نعم أنا قلت كذا وكذا ولكني لا أقصد كذا وكذا وإنما قصدت كذا وكذا، الله أكبر، حينها تقول له يا شيخ الناس تفهم منك ما تقوله بلسانك لا ما تقصده في قلبك ونفسك، ويتلون وجهه وتتغير نبرات صوته ويلجأ إلى أساليب ما أنزل الله بها من سلطان، سبحان الله كم رأينا من هؤلاء المتصدرين الجهلة، وقد اغتر بحسن صوته في الخطابة أو قراءة القرآن، وعند مناقشته تكتشف مع الأسف الشديد بعد فوات الأوان أنه ممن يمشى على أربع لا على أثنين، كما قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى فيمن أدعى أنه يتبع مذهبا واحدا من مذاهب أهل السنة وإذا به يخالف مذهبه في المسائل التي تخالف هواه، ويأخذ من كل مذهب ما وافق هواه، فماذا سيقول لو أدرك ما نعيشه اليوم من فوضى عارمة وخلافات قاتلة وتشهير وتسقيط من غير دليل وبرهان؟!
عقيل حامد