نماذج في الشهامة -
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
نماذج من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
كان للنبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفى من هذه الصفة، « ».
وعن أبي إسحاق قال «» [1955] رواه البخاري (3042). وغيرها من الآثار التي تدل على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نماذج من الصحابة رضي الله عنهم في الشهامة:
عن عبد الرحمن بن عوف قال: إنِّي لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء [1956] رواه البخاري (3988).
قال ابن حجر: قوله الصقرين، شبههما به لما اشتهر عنه من الشَّجَاعَة، والشهامة، والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه [1957] (فتح الباري شرح صحيح البخاري) (7/308).
- وعن أسلم، مولى عمر قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه [1958] رواه البخاري (4160).
وعن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره [1959] ظهره: الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب. يقال: عند فلان ظهر: أي إبل. (النهاية في غريب الأثر) لابن الأثير (3/364). مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أنديه [1960] أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (شرح النووي على صحيح مسلم) (12/178). مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقه [1961] استاقه: من السوق وهو السير العنيف. (فتح الباري) لابن حجر (1/339). أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه [1962] السرح: أي: الإبل التي ترعي. (فتح الباري) لابن حجر (1/131)، قال: ثم قمت على أكمة [1963] أكمة: دون الجبل وأعلى من الرابية وقيل دون الرابية. (شرح النووي على صحيح مسلم) (6/193)، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول: أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرُّضَّع [1964] الرضع جمع رضيع أي لئيم والمعنى يوم هلاك اللئام. انظر: (فتح الباري) لابن حجر (1/123)، فألحق رجلًا منهم فأصك [1965] الصك: الضرب الشديد بالشيء العريض، وقيل: هو الضرب عامة بأي شيء كان. انظر: (لسان العرب) لابن منظور (10/456). سهمًا في رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرُّضع قال: فوالله، ما زلت أرميهم وأعقر [1966] عقره أي: جرحه. انظر: (لسان العرب) لابن منظور (4/592). بهم، فإذا رجع إليَّ فارس أتيت شجرة، فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة، قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحًا، يستخفون ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا [1967] آرام جمع إرم، حجارة تنصب علما في المفازة. انظر: (لسان العرب) لابن منظور (12/14). من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أتوا متضايقًا من ثنية [1968] الثنية من الجبل ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وحدور فكأنه يثني السير. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (37/295)، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري، فجلسوا يتضحون -يعني يتغدون- وجلست على رأس قرن [1969] رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير. انظر: (شرح مسلم) للنووي (12/179)، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح [1970] البرح: الشدة والشر، والأذى والعذاب الشديد والمشقة. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (6/304)، والله، ما فارقنا منذ غلس [1971] الغلس: ظلام آخر الليل. انظر: (لسان العرب) لابن منظور (6/156). يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إليَّ منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظنُّ، قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، قال: فأخذت بعنان [1972] العنان، بكسر العين لجام الفرس. انظر: (عمدة القاري) لبدر الدين العيني (14/172). الأخرم، قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم، احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنَّ الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، فلا تحُل بيني وبين الشهادة، قال: فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا غبارهم شيئًا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم، فخليتهم عنه -يعني أجليتهم عنه- فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية [1973] الثنية من الجبل ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وحدور فكأنه يثني السير. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (37/295)، قال: فأعدو فألحق رجلًا منهم، فأصكه بسهم في نغض [1974] النغض: العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف. انظر: (فتح الباري) لابن حجر (3/276). كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرُّضَّع. قال: يا ثكلته أمه، أكوعُه بُكرة؟ [1975] البكرة: الغدوة. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (10/236). قال: قلت: نعم يا عدو نفسه، أكوعك بكرة، قال: وأردوا [1976] أردوا فرسين: أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما. تركوهما. انظر: (شرح النووي على مسلم) (12/181). فرسين على ثنية، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولحقني عامر بسطيحة [1977] السطيحة: من أواني المياه. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (6/472). فيها مذقة [1978] المذقة: الطائفة من اللبن. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (26/382). من لبن، وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم [1979] حلأتهم أي طردتهم. انظر: (شرح النووي على مسلم) (12/181). عنه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل، وكل شيء استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، قال: قلت: يا رسول الله، خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار، فقال: يا سلمة، أتراك كنت فاعلًا؟ قلت: نعم، والذي أكرمك، فقال: إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان، قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: نحر لهم فلان جزورًا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارًا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجَّالتنا [1980] رجالة جمع راجل وهو الماشي على قدمه. انظر: (تاج العروس) للزبيدي (29/37). سلمة، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء [1981] العضباء: اسم ناقة النبي، صلى الله عليه وسلم، اسم لها علم، وليس من العضب الذي هو الشق في الأذن. انظر: (لسان العرب) لابن منظور (1/609). راجعين إلى المدينة [1982] رواه البخاري (4194) ومسلم (1807) واللفظ له.
حادثة تبين لنا شهامة عثمان بن طلحة رضي الله عنه، تقول أمُّ سلمة رضي الله عنها: وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرَّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كلَّ غداة فأجلس بالأبطح [1983] الأبطح: يعني أبطح مكة وهو مسيل واديها ويجمع على البطاح والأباطح. ومنه قيل قريش البطاح هم الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها. (النهاية في غريب الأثر) لابن الأثير (1/348)، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله وابني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام [1984] خطام: خطام البعير أن يؤخذ حبل من ليف أو شعر أو كتان فيجعل في أحد طرفيه حلقة ثم يشد فيه الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة ثم يقاد البعير ثم يثنى على مخطمه. (النهاية في غريب الأثر) لابن الأثير (3/120). البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله [1985] رحله: رَحَل البعير يَرْحَله رَحْلًا فهو مرحول ورَحِيل وارْتَحَله: جعل عليه الرَّحْل ورَحَله رَحَلةً: شدَّ عليه أَداته. (لسان العرب) لابن منظور (11/265)، ثم استأخر عني، فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلًا- فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة، قال: وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب أبو سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة [1986] (سيرة ابن هشام) (1/469)، وذكره ابن منده في (الفوائد) (292-293).