تهميش الشباب وانعكاساته على العقيدة والسلوك

منذ 2014-03-01

لقد مال العديد من شباب الأمة الإسلامية إلى العنف، ولعل هذا السلوك المنحرف ناتج عن التهميش والتسلط والعنف الذي يمارس عليه في كل شيء، فالأسرة تعامله بعنف حين لا تقدر رأيه وجهوده في تدبير شأنها، وهيئات المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب سياسية ونقابات مفرطة فيه، لا توجهه ولا تأطره فكرياً وتربوياً، والدولة بممارساتها لا تقرّ به في اتخاذ القرارات التي تهم مصير الأمة.

 

يعد الشباب أهم عنصر بشري، ولذلك تعتبره الأمم رأسمالها الثمين، وعتادها الكبير، وثروتها العظيمة، وهو الحاضر والمستقبل، لما يتميز به من الحيوية والقوة والنشاط. وكل أمة لا تدرك كيف تحافظ على هذه الثروة العظيمة وكيف تنميها وتوجهها،لا تستطيع تحقيق ما تصبو إليه من التقدم والرقي. ومن طبيعة الشباب أنه يستهويه الجديد، ويطمح دائما إليه، وكل حركات التغيير الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية،التي شهدها العالم  اتجهت نحو الشباب، واعتمدت عليه، فجعلت منه المادة الأولى، والوسيلة الناجعة للنجاح، فملأته بأفكارها، ودفعته إلى التضحية في سبيلها، فكانت استجابته  لمطالبها سريعة، لكونها تحمل الجديد الذي يريده، ويحقق من خلالها ذاته ويرضي تطلعاته.



 

والأمة الإسلامية ليست بدعاً في هذا المجال، فقد رعَت في أوْج عزها شبابها، ووجهته، وأطرته،حتى أدى رسالته على أحسن وجه، وأسهم في عمارة الأرض التي أمر بها الله عز وجل، وخُلِق الإنسان من أجلها: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون من الآية:115]، وحمى هذا الدين، وحقق للأمة وجودها وسعادتها في كل شيء. إلا أنها اليوم قد تراجعت عن دورها هذا، فهمشت شبابها، ولم تعد ترعاه بالشكل المطلوب، وأصبح التوجيه ضعيف، والقدوة الصالحة قليلة، والسير نحو الصالح العام في أزمة، وهذا انعكس بالسلب على عقيدته الإيمانية، وسلوكياته وتصرفاته، فأصبح يعاني من الكثير من المشاكل التي لم يعرفها سلف هذه الأمة.


 

فما هي معالم تهميش الشباب؟ وأين تتجلى انعكاساته؟وكيف يمكن علاجها في ظل تعاليم الإسلام؟



 

إن للتهميش انعكاسات سلبية على عقيدة الشباب وسلوكياتهم، وتجليات ذلك في الواقع كثيرة، ومنها على سبيل المثال:



 

1- العنف :



 

لقد مال العديد من شباب الأمة الإسلامية إلى العنف، ولعل هذا السلوك المنحرف ناتج عن التهميش والتسلط والعنف الذي يمارس عليه في كل شيء، فالأسرة تعامله بعنف حين لا تقدر رأيه وجهوده في تدبير شأنها، وهيئات المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب سياسية ونقابات مفرطة فيه، لا توجهه ولا تأطره فكرياً وتربوياً، والدولة بممارساتها لا تقرّ به في اتخاذ القرارات التي تهم مصير الأمة، وتهمشه اقتصادياً فيظل حبيس دائرة الفقر؛ ولذلك حصلت فجوات كبيرة بينها وبينه، والخدمات المقدمة لا تناسب حاجياته المتنوعة، وحتى وإن كانت تناسبه فهي لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الجودة والكفاية. إن الشباب في حاجة إلى حقوق تضمن له كرامته، وتجعله يشعر بالأمان الدائم، حين يعبر عن رأيه، أو يطالب بحق من حقوقه المسلوبة. وفي حاجة ماسة إلى تشجيع مبادراته الإبداعية في كل المجالات المادية والمعنوية، وذلك بمساعدته في مشاريعه، وعدم التضييق عليه، وتوفير الفرص التي تناسب كفاءاته. وأمام تقصير المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العناية بالشباب، واحتواء مشاكله، ومساعدته على تنمية قراراته، وتلبية مطالبه لجأ الشباب إلى العنف، ليتخلص من التهميش والعنف الممارس عليه في كل ميادين الحياة. وليعيد الاعتبار إلى نفسه، فصب عدوانيته على الآخرين، وهذا ما يفسر انتشار ظاهرة العنف في المجتمعات الإسلامية. من قتل وسرقة وسطو على أملاك الغير، واغتصاب  واعتداء على الأعراض، واستعمال مختلف الأساليب والوسائل في ذلك. وأحيانا يكون العنف موجها إلى الذات، وخاصة عندما يتعاظم اليأس والإحباط  فيقبل على تناول المخدرات، ليغيب عن الواقع السيئ الذي لم يعره اهتماما، أو يؤدي به إلى الاكتئاب الذي ينتهي بصاحبه في كثير من الأحيان إلى الإقبال على الانتحار، ليضع حداً لحياته البئيسة. ومما يلفت الانتباه أن العنف لم يعد موجها إلى الذات فقط، بل صار موجها إلى ذوي الأرحام وعلى رأسهم الوالدين، بتوجيه جام الغضب إليهما، والانتقام منهما بالضرب والقتل، مما لم تشهده أمة الإسلام في سابق عهودها. وأحيانا يطال العنف البيئة والطبيعة، بالاعتداء عليها وإفسادها، وحرمان الناس من خيراتها، ثم هناك الاستهتار بالقيم الدينية، وبالقوانين التي تعتمدها الدولة، وبأعراف الناس وعوائدهم.




 

2- الشعور بالغربة:



 

إن التهميش يجعل الشباب يشعر بأنه عنصر غير مرغوب فيه، لا أهمية له داخل النسيج الاجتماعي، فينتج عنه الإحساس بعدم الانتماء إلى المجتمع، والرغبة في الابتعاد عنه، وهذا ما يفسر الرغبة الجامحة لعدد كبير من شباب الأمة في الهجرة إلى دول أوربا وأمريكا، وركوب قوارب الموت، لاعتقاده أن هذه البلدان ستوفر له ما حرم منه في بلاده، ومن لم تسعفه الظروف للهجرة فإنه ينسحب من الساحة، وينكفئ على ذاته، ويكثر من إلقاء اللائمة على الحكام والمسؤولين، ويغرق في تمني عودة الماضي البعيد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، لما شهده ذلك العهد من العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة، إنه يأمل عودة العهود السابقة لما تحقق فيها للناس من السعادة والهناء في جميع مجالات الحياة. وأحيانا يكون من نتائج التهميش الاجتماعي السعي إلى التغيير الجذري، بالثورة على الأنظمة الحاكمة، كما هو حاصل الآن في عدة دول عربية.




 

3- ألا مسؤولية:



 

إن تهميش الشباب والتخوف من توليه المسؤوليات المهمة في الدول الإسلامية كالوزارة أو الولاية، وجعله محصوراً في دائرة المناصب الإدارية التنفيذية، حيث يعمل على تنفيذ القرارات التي تأتي من فوق فقط، يؤدي به إلى التملص من المسؤولية، فلا يبالي إن تقدمت الدولة أو تأخرت، نجحت في مخططاتها أو فشلت، وما يصاحب ذلك من الركون إلى الخمول والكسل، والبعد عن بذل الجهد في العطاء والعمل.




 

4- الردة عن الإسلام:



 

إن الردة عن الدين الإسلامي الحنيف من أخطر نتائج تهميش الشباب، وخاصة في البلدان الفقيرة، ذلك أنهم لا يشاركون في القرارات التي تهم مسار حياتهم المعيشية، وهذا يدفع الكثير إلى النكوص عن عقيدة التوحيد والإيمان، واعتناق العقائد الفاسدة من مسيحية وغيرها، خاصة وأن المنصرين وأعداء الدين يغتنمون فرصة الفقر الذي ينخر جسم الشباب المسلم، لينحرف عن دينه، فهم يمدونه بالمال، ويساعدونه ليخرج من الفقر والحاجة، شريطة اعتناقه النصرانية. فالفقر معضلة عويصة في عالمنا الإسلامي، ويشكل خطراً على أبناء الأمة، ولذلك كان سيدنا رسول الله يستعيذ منه، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر وعذاب القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر» (صحيح البخاري. رقم [6368])، وأنه عليه الصلاة والسلام قال للذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله لكونه له ابنة واحدة: «الثلث كثير،إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» (صحيح البخاري. رقم [6373])، وينسب إلى الإمام علي رضي الله عنه قوله: "لو كان الفقر رجلا لقتلته".




 

إن حال شباب الأمة الإسلامية في هذا الزمان لا يصلح إلا بما صلح به حال الشباب الأقدمين من السلف الصالح -عهد النبوة والخلفاء الراشدين والتابعين-، فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام كانوا يقربون الشباب، ويستشيرونهم في الأمور العظيمة ويستمعون إليهم؛ لأن عقولهم صافية، ولهم القدرة الكبيرة على التفكير، وعلى تحمل الصعاب، وكانوا يحملونهم المسؤوليات الجسام، ولم يكونوا يخشون من الشباب شيئاً -كما يحصل اليوم في العديد من الدول العربية والإسلامية- لأنهم ربوا شبابهم التربية الصالحة القائمة على الأساس الإيماني القوي، الذي لا تزعزعه نوائب الدهر، ولا تؤثر فيه عوادي الزمن، فكان شبابا في مستوى الأمة، نهض بها، فتفوقت على كل الأمم في كل شيء.




 

إن الحل يكمن في إيلائه ما يستحق من الاهتمام والعناية، وإشراكه في كل القرارات التي تهم الأمة الإسلامية باعتباره طرفا مهما فيها، وإعطائه الحرية الكاملة في الإبداع، وفي تمكينه من اتخاذ كل المبادرات التي يراها مناسبة له في تنمية أحواله الاقتصادية وغيرها، كما ينبغي الاستماع إلى همومه ومشاكله، والإصغاء إلى اقتراحاته وأفكاره، والتخلي عن هواجس الخوف منه، اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام رضي الله عنهم.



 

ولكي يكون شباباً في مستوى التحديات المعاصرة لابد من إعادة النظر في طرق تربيته، وفي وسائل تنشئته منذ الصغر، وهذه مهمة صعبة للغاية، لا تنفرد بها جهة دون أخرى، فلا بد من تضافر جهود الأسرة والمدرسة، والعلماء وأهل الفكر، وكل جمعيات وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، دون إغفال مؤسسات الدولة في هذا الباب لما لها من الإمكانات والوسائل المادية والمعنوية، حتى ينشأ الشباب في جو من الصلاح، قادراً على الإصلاح، يعتز بأمته وبانتمائه إليها، وتعتز به أمته.

 

 

عبد اللطيف خروبة

 

  • 6
  • 0
  • 8,184

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً