الجمعة.. قرة عين الأتقياء
الأخيار ينتظرون مواقع الخير ولحظات الإجابة، وساعات الفضل ليبدو تقربا لربهم الواحد المعبود سبحانه، ويبرهنوا على صدقهم وإخلاصهم، ورغبتهم فيما عنده، وخوفهم من عذابه وبطشه، ويأتيهم يوم الجمعة فرصة لامعة، وثوابا أكيدا، وفضيلة يقينية، لرفع الدرجات وغفران السيئات وقبول الدعوات...
الأخيار ينتظرون مواقع الخير ولحظات الإجابة، وساعات الفضل ليبدو تقربا لربهم الواحد المعبود سبحانه، ويبرهنوا على صدقهم وإخلاصهم، ورغبتهم فيما عنده، وخوفهم من عذابه وبطشه، ويأتيهم يوم الجمعة فرصة لامعة، وثوابا أكيدا، وفضيلة يقينية، لرفع الدرجات وغفران السيئات وقبول الدعوات، فينعم عليهم الرزاق بكرمه ومنه وفضله، فيوم الجمعة هو سيد أيام الأسبوع وأفضلها عند الله، وهو اليوم الذي أمرت الأمم بتعظيمه فضلوا عنه وهدانا الله إليه وله الحمد والمنة، «..فالناسُ لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد» (صحيح النسائي: 1366)، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد صحت تسمية الجمعة عيداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل» (رواه: ابن ماجه، وصححه الألباني)، وعن أوس بن أوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها,وقيامها» (أخرجه أبو داود).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه قال: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه اُخرج منها ولا تقوم الساعة إلا فى يوم الجمعة» ( أخرجه مسلم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه وقال بيده يُقللها» (رواه البخاري).
وبرغم كل هذه الفضائل، وغيرها كثير لا يسع المقام لإيرادها، فإن كثيرا من المسلمين يغفل عن ذلك اليوم العظيم، ويكتفي فيه بكونه عطلة من دوام عمله وتوقف عن نشاط شغله الدنيوي، ويكتفون من الطاعات فيه بصلاة الجمعة التي يشتكي فيها الخطباء دوما من تأخر المصلين! إن صاحب القلب الحي ليحرص أشد الحرص على الفوز من يوم الجمعة بأقصى ما يستطيع من ثواب وأجر وغنيمة إيمانية، ويتعامل مع كل جمعة تمر به على أنها الجمعة الأخيرة من حياته، فيجمع لها طاقته ويطهر لها قلبه وجسده
إن تطهره في بيته وغسله بنية شهادة الجمعة لكأنه مسارعة في السعي نحو إزالة درن قلبه، والإقبال على ربه طاهر الظاهر والباطن، فيقبل عبادته ويكون مؤهلا لحبه سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، ثم حرصه على الخروج من بيته مبكرا إلى مسجده ينتظر الصلاة دليل على مسابقته للخيرات، رجاء الفوز بالفضل الذي حدثنا عنه صلى الله عليه وسلم: «من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بَدَنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر» (متفق عليه).
ثم سكونه ووقاره وإنصاته أثناء الموعظة والخطبة دليل على تعظيم شعائر الله، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وحرص على التعلم والإفادة مما يقال من الخير، ثم حرصه على ساعة الإجابة حتى غروب الشمس، وذكر الله قدرما يستطيع، فيه دليل على الرغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى الجواد الكريم، ثم كثرة ترديده للصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم فيه وفاء للحبيب، واستمرار تذكر له وتجديد عهد على اتباع سنته والسير في طريقه وعبر سبيله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحين من يجعل جمعته جمعة بر لوالديه وبر لزوجته، وإحسان لأبنائه وتوسعة على عياله، وصدقة على فقير أو يتيم، وغيرها من صالحات الأعمال..، فيفوز بأجر مضاعف، ويصير يوم الجمعة شعاع ضوء له عبر أيامه القادمات..
إن هذه المعاني -لمن أرادها وحرص عليها- يجب أن يستصحبها أحدنا منذ ليلتها، فيستعد لها، وينتظرها كما ينتظر أحدنا يوم العيد.. وحق له.
خالد روشه
- التصنيف: