بداية العام.. وتذكر الآخرة

منذ 2014-03-06

أما اللقاء الثالث فهو أعظم اللقاءات وأشدها وأكبرها خوفاً ووجلاً في صدر الإنسان خاصة المؤمن، إذ هو اللقاء الفردي بين الله عز وجل وبين كل فرد من خلقه، ومن نسيه ربه في ذلك اليوم فقد خسر خسراناً مبيناً.

ونحن نقطف أوراق السنة الهجرية الجديدة ينبغي لكل فرد منا أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة لأن زيادة الأعمار اقتراب من الآجال وكلما ازدادت السنوات ينبغي على المسلم أن يزداد خوفاً ووجلاً..

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، ومعنى (تزينوا) هنا أي: طهروا هذه القلوب من النفاق والرياء والحقد والحسد والكراهية وأذية عباد الله.

وعلى المؤمن أن يتذكر لقاء الله عز وجل يوم العرض عليه، في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة رضي الله عنها لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك: يا نبي الله أكراهية الموت، فكلنا يكره الموت فقال رسول الله يا عائشة ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه» (صحيح مسلم)، لذا نحن مطالبون بأن نستعد للقاء الله سبحانه وتعالى، فربما تكون هذه هي سنة الوفاة واللقاء..

واللقاء مع الله سبحانه وتعالى له ثلاثة مواضع: وأولها التقاء أرواح الناس مع ربهم عز وجل بعد الموت..
فتصعد روح المؤمن إلى السماء، فيقول الله تعالى: «اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى»، وأما روح الكافر والمنافق -والعياذ بالله- فقد قال عليه الصلاة والسلام: «...حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح لها فلا يفتح... فيقول الله تعالى اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا» (صحيح الجامع:1676)، والعياذ بالله من ذلك.

أما اللقاء الثاني: فهو لقاء العرض على الجبار تبارك وتعالى..
يعرض فيه الناس جميعاً مصطفين تصفّهم الملائكة بين يدي الله؛ وروى ابن منده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع: يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الرحمين وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين، يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، أحضروا حجتكم ويسروا جواباً فإنكم مسئولون محاسبون، يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفاً على أطراف أنامل أقدامهم للحساب» (عزاه القرطبى فى التفسير:(10/417) إلى عبد الرحمن بن منده فى كتاب التوحيد)، ذلك هو اللقاء الثاني.

أما اللقاء الثالث فهو أعظم اللقاءات وأشدها وأكبرها خوفاً ووجلاً في صدر الإنسان خاصة المؤمن، إذ هو اللقاء الفردي بين الله عز وجل وبين كل فرد من خلقه، ومن نسيه ربه في ذلك اليوم فقد خسر خسراناً مبيناً نتيجة طبيعية لسوء عمله وظنه بلقاء الله، أما المؤمن الذي تناله رحمة الله ومغفرته فيكون لقاؤه بالله عز وجل لقاءٌ دائمٌ لا ينقطع لأنه لقاء بربه جل وعلا في الجنة.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يتمتع برؤية وجه ربه الكريم في الجنة وأن لا يجعلنا من المحرومين الذين حُرِموا ذلك، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

عبد الله بن علي بصفر

هو الدكتور والشيخ الورع القارئ المعروف للقرآن الكريم وإمام أحد المساجد في مدينة جدة

  • 1
  • 0
  • 4,056

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً