نظرات في جهود العلماء في تدوين السنة النبوية
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
أقصد بالموسوعات الحديثية: (تلك المصنفات التي جمعت عدداً كبيراً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم)، ويخرج من هذا التعريف: المصنفات التي جمعت عدداً يسيراً من الأحاديث النبوية كالسنن الأربعة ونحوها.
- التصنيفات: الحديث وعلومه -
من حكمة الله تعالى أنّه رضي الإسلام ديناً خاتماً لجميع الشرائع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأكمل الله عز وجل لنا الدين وأتم علينا النعمة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة من الآية:3].
ومن إتمام النعمة أن الله تعالى تكفل بحفظ مصدر هذا الدين وينبوعه الكريم، فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وتضمن ذلك حفظ سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فائتمن الله عز وجل على نقلها صحابة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، أطهر الناس قلوباً، وأصفاهم عقولاً، وأفصحهم لساناً، وأسلمهم منهجاً، فأدوها حق الأداء، كما تحملوها حق التحمل، ورعوها حق الرعاية، ثم تناقلها الثقات الأثبات من بعدهم جيلاً بعد جيل، بعناية فائقة وحرص كبير.
وقد تضافرت جهود السلف الصالح رضي الله عنهم في خدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، وتركوا لنا تراثاً ضخماً غزيراً في عشرات المصنفات، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك بحق أغنى مورد للعلم عرفته البشرية باختلاف مللها ونحلها.
وفي هذه المقالة سأبرز بعون الله تعالى بعض جهود أولئك السلف في تدوين السنة من خلال التعريف الموجز بأشهر الموسوعات الحديثية.
وأقصد بالموسوعات الحديثية: (تلك المصنفات التي جمعت عدداً كبيراً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم)، ويخرج من هذا التعريف: المصنفات التي جمعت عدداً يسيراً من الأحاديث النبوية كالسنن الأربعة ونحوها.
أولاً: الموسوعات الحديثية الأصيلة:
ويقصد بالموسوعات الأصيلة: (المصنفات التي يروي فيها المصنف الأحاديث النبوية بإسناده إلى النبي) ومنها:
1- مصنّف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 :211 هـ): وهو أحد الكتب الجليلة التي وصلت إلينا، وصفه الذهبي بأنه: "خزانة علم" (ميزان الاعتدال [2/609])، وصدق رحمه الله فالمصنف مليء بكنوز العلم والمعرفة، وقد رتبه عبد الرزاق على الأبواب الفقهية، فبدأ بكتاب الطهارة، ثم كتاب الحيض، ثم كتاب الصلاة.. وهكذا حتى ختمه بكتاب الجامع. وتحت كل كتاب يوجد عدد من الأبواب التي تضم مجموعة من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.
طبع الكتاب لأول مرة في سنة (1392هـ) بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي في أحد عشر مجلداً، وبلغ عدد أحاديثه حسب ترقيم المحقق (21033) حديثاً، ويحتوي الكتاب على أحاديث مكررة كثيرة [1].
وقد عمل الباحث يوسف بن محمد صديق على استخراج زوائد مصنف عبد الرزاق على الكتب الستة في رسالة علمية لنيل شهادة الدكتوراه، وبلغ عدد الزوائد: أربعة عشر ألف حديث زائد (انظر الرسالة (مطبوعة على الآلة الكاتبة) ص [د])، وهذه نسبة عالية جداً، ولكن خلال تتبعي لهذه الزوائد تبيّن لي أن 80% منها تقريباً أحاديث موقوفة ومقطوعة.
وبالجملة: فإن المصنّف كتاب نفيس، وسفر عظيم يحوي من الكنوز ما لا حصر له ولعل من أهم مميزاته علو إسناده، وكونه مرجعاً أساساً لكثير من كتب السنة المتأخرة، ولكنه مع ذلك يحوي عدداً كبيراً من الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة أحياناً.
2- مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة (159: 235هـ): وهو من أجلّ كتب ابن أبي شيبة، وأعلاها منزلة ومقداراً، امتدحه ابن كثير وامتدح مؤلفه بقوله: "أبو بكر بن أبي شيبة أحد الأعلام وأئمة الإسلام، وصاحب المصنّف الذي لم يُصنّف أحد مثله قط، لا قبله ولا بعده" (البداية والنهاية [10/315]) ووصفه الذهبي بقوله: "سيّد الحفاظ، صاحب الكتب الكبار: المسند والمصنف والتفسير" (سير أعلام النبلاء [11/122]).
وقد شهد لابن أبي شيبة بجودة التأليف وإتقانه عدد من الأئمة، منهم أبو عبيد القاسم ابن سلام حينما قال: "ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام: أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء: علي بن المديني، وأحسنهم وضعاً لكتاب: أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث من سقيمه: يحيى بن معين" (تاريخ بغداد [10/69]، وسير أعلام النبلاء [11/127]).
وقال الرامهرمزي: "وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة الترتيب وحسن التأليف" (المحدّث الفاصل. ص [614]).
طبع الكتاب في الهند في خمسة عشر جزءاً على عدة مراحل، ولكن يوجد فيه نقص ظاهر، ثم طبع في لبنان طبعة أخرى، ولكن كلا الطبعتين لا تخلوان من سقط وتحريف. وقد بدأ بعض الباحثين أخيراً في تحقيقه ومراجعته على أصوله الخطية وتخريج نصوصه، ونشر منه المجلد الأول فقط.. ونرجو أن يتيسر نشر بقية أجزائه إن شاء الله تعالى .
والمصنف مرتب حسب الأبواب الفقهية، ويحتوي على مادة خصبة جداً، وهو مصدر رئيس لمعرفة فتاوى الصحابة والتابعين وتابعيهم. ويمتاز بأنّه مصدر تاريخي مهم جداً يغفل عنه بعض الباحثين في الدراسات التاريخية لاحتوائه على بعض الكتب التي يقلّ وجودها في كتب الحديث، مثل: كتاب التاريخ، وكتاب الفتن، وكتاب الجمل.
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل (164: 241هـ): ألّف الإمام أحمد مسنده من أجل أن يكون: "هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُجع إليه" (خصائص المسند. ص [22] والمصعد الأحمد. ص [30]).
وصدق الإمام أحمد فإن هذا الكتاب الجليل من أكبر كتب السنة التي وصلت إلينا، وأعظمها نفعاً، وأغزرها مادة، وقد قال أبو موسى المديني: "هذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتُقي من أحاديث كثيرة، ومسموعاتٍ وافرة، فجُعل إماماً ومعتمداً، وعند التنازع ملجأ ومستنداً" (خصائص المسند. ص [21]، وانظر طبقات الشافعية [2/31]).
ومن أجل هذا لما سئل أبو الحسين اليونيني: أنت تحفظ الكتب الستة؟ فقال: "أحفظها وما أحفظها!" فقيل له: كيف هذا؟! فقال: "أنا أحفظ مسند أحمد وما يفوت المسند من الكتب الستة إلا قليل" (المصعد الأحمد. ص [32]).
وقد اختلف في عدد أحاديث المسند اختلافاً كثيراً، فمن قائل: بأنه ثلاثون ألف حديث، ومن قائل: بأنه أربعون ألفاً، ومن قائل: بأنه خمسون ألفاً[2]. قال ابن عساكر: "والكتاب كبير العدد والحجم، مشهور عند أرباب العلم، تبلغ عدد أحاديثه: ثلاثين ألفاً سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله من عالي الإسناد" (ترتيب أسماء الصحابة ص [3]). وقال أحمد شاكر: "هو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفاً، وقد لا يبلغ الأربعين ألفاً" (انظر تعليقه على خصائص المسند ص [23]).
رتبه الإمام أحمد على مسانيد الصحابة، حيث أفرد أحاديث كل صحابي على حدة من غير نظر في موضوعاتها، فبدأ بمسانيد العشرة المبشرين، ثم مسانيد عبد الرحمن بن أبي بكر، وزيد بن خارجة، والحارث بن خزيمة، وسعد مولى أبي بكر، ثم مسانيد أهل البيت، ثم بني هاشم، ثم المشهورين من الصحابة.. وهكذا حتى ختمه بمسند القبائل.
ولكبر حجم الكتاب وصعوبة البحث فيه؛ قام الشيخ أحمد البنا بترتيبه على الأبواب الفقهية مع حذف الأسانيد والأحاديث المكررة، وسمى كتابه: (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني)، ثم ذيل كتابه بشرح موجز سماه: (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني).
كما قام الشيخ أحمد شاكر بتحقيق المسند وترقيمه وتخريج أحاديثه ومراجعته على بعض الأصول الخطية، ووضع فهارس علمية في نهاية كل جزء على حدة، ولكنه توفي ولمّا يكمل تحقيقه، حيث أخرج ستة عشر جزءاً فقط، وهي تمثل ثلث الكتاب تقريباً.
ثم قام الشيخ شعيب الأرنؤوط بإعادة تحقيقه وتخريجه ومراجعته على بعض الأصول الخطية، وطُبع منه حتى الآن خمس وعشرون مجلداً، ولا زال العمل فيه جارياً حتى الآن، نسأل الله تعالى أن ييسر إتمامه.
4- مسند بقي بن مَخْلد القرطبي (201 :276هـ): هذا الكتاب من كتب السنة الكبيرة، ولكنه مع الأسف الشديد فُقِدَ كما فقدت بعض الكنوز الأخرى، ولا نعرف عنه إلا القليل مما نقل إلينا من أقوال أهل العلم عنه.
قال ابن حزم: "رتبه على أسماء الصحابة رضي الله عنهم فروى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب، ولا أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه وإتقانه، واحتفاله فيه في الحديث، وجودة شيوخه، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلاً ليس فيهم عشرة ضعفاء، وسائرهم أعلام مشاهير" (جذوة المقتبس. ص [177]، وسير أعلام النبلاء [13/291]).
وقال ابن الفرضي في تاريخه: "ليس لأحد مثله" (تاريخ علماء الأندلس. ص [92]).
وقال ابن الجوزي: "روى فيه عن ألف وستمائة صحابي، بل يزيدون على هذا العدد" (المنتظم [5/100]).
وقال ابن كثير: "وقد فضله ابن حزم على مسند الإمام أحمد، وعندي في ذلك نظر، والظاهر أن مسند أحمد أجود منه وأجمع" (البداية والنهاية [11/820]).
وقال الذهبي في ترجمة بقي: "صاحب التفسير والمسند اللذين لا نظير لهما" (سير أعلام النبلاء [13/285]، وانظر الكتاب الذي ألّفه د. أكرم العمري في ترجمة بقي بن مخلد).
5- مسند أبي يعلى الموصلي (210: 307 هـ): ولمسند أبي يعلى روايتان: الأولى: رواية طويلة رواها أبو بكر محمد بن إبراهيم المقرئ، عن أبي يعلى، وهي التي اعتمد عليها ابن حجر في: (المطالب العالية)، والبوصيري في (إتحاف المهرة)، في تخريج زوائدها على الكتب الستة، وتسمى هذه الرواية ب(المسند الكبير).
والثانية: رواية قصيرة رواها أبو عمرو بن حمدان، وهذه الرواية هي التي اعتمد عليها الهيثمي في كتابيه: (المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي)، و(مجمع الزوائد ومنبع الفوائد).
والرواية القصيرة هي التي وصلت إلينا، وقد أتم تحقيقها الأستاذ حسين أسد في ثلاثة عشر مجلداً، مع ثلاثة مجلدات للفهارس، كما حققت في عدد من الرسائل العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود.
والمسند مرتب حسب مسانيد الصحابة رضي الله عنهم، وقد بلغ عدد أحاديثه حسب ترقيم حسين أسد (7555) حديثاً.
وقد أثنى العلماء على المسند الكبير، فقد قال ابن المقرئ: سمعت أبا إسحاق بن حمزة يثني على مسند أبي يعلى، ويقول: "من كَتَبَه قلّ ما يفوته من الحديث" (المرجع السابق [14/178]).
وقال إسماعيل التيمي: "قرأت المسانيد، كمسند العدني، ومسند أحمد بن منيع، وهي كالأنهار، ومسند أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار(المرجع السابق [14/180]).
وقال الذهبي: "صدق.. ولا سيما مسنده الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه، فإنه كبير جداً، بخلاف المسند الذي رويناه من طريق أبي عمرو بن حمدان عنه فإنّه مختصر" (المرجع السابق [14/180]).
6- المعجم الكبير لسليمان بن أحمد الطبراني (260:360 هـ): يعد الطبراني من الأئمة الحفاظ المشهورين بالتصنيف، قال أبو بكر بن أبي علي: "كان الطبراني واسع العلم كثير التصانيف" (المرجع السابق [16/127]). وقد أثنى ابن خلكان على مصنفاته بقوله: "له المصنفات الممتعة النافعة الغريبة، منها: المعاجم الثلاثة" (وفيات الاًعيان [2/407]).
والمعجم الكبير من أجلّ كتب الطبراني، طبع سنة 1398هـ بتحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، في عشرين مجلداً، لكن ينقصه خمس مجلدات، من المجلد الثالث عشر إلى السابع عشر.
رتبه الطبراني على مسانيد الصحابة، وبدأه بأحاديث العشرة المبشرين بالجنة، ثم رتب بقية الصحابة على حسب حروف المعجم، وكان يترجم للصحابي ترجمة مختصرة، ثم يذكر بعض أحاديثه، أو جميعها إذا كان من المقلين، ومن لم يكن له رواية ذكره وترجم له باختصار، أو ذكره فقط، ليوقف على عدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أصحابه رضي الله عنهم (انظر مقدمة الطبراني [1/51]).
قال الذهبي في وصف الكتاب: "وهو معجم أسماء الصحابة وما رووه، لكن ليس فيه مسند أبي هريرة، ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين، في ثمانية مجلدات" (سير أعلام النبلاء [16/122]).
وقال السيوطي: "لم يسق فيه من مسند المكثرين إلا ابن عباس وابن عمر، فأما أبو هريرة، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة، فلا، ولا حديث جماعة من المتوسطين؛ لأنّه أفرد لكلّ مسنداً فاستغنى عن إعادته" (طبقات الحفاظ ص [372]).
وقدر الكتاني عدد أحاديثه ب: ستين ألفاً، بينما يرى حاجي خليفة أنها خمس وعشرون ألفاً فقط (انظر: (الرسالة المستطرفة) ص [101]، و(كشف الظنون) [2/1737]).
والذي وجد في المطبوع بترقيم السلفي: عشرون ألفاً فقط، وبمراعاة الأجزاء المفقودة يتبيّن أن تقدير حاجي خليفة أقرب للصواب، والله أعلم.
7- المسند الكبير، لأبي علي الحسين الماسَرْجِسي (298: 365هـ):
وهذا المسند من الكتب التي لم تصل إلينا، ولا نعرف عنه شيئاً إلا من وصف الحاكم له، فقد قال في ترجمة الماسرجسي: "صنف المسند الكبير في ألف جزء وثلاثمائة جزء يعني مهذباً ومعللاً، وعلى التخمين يكون مسنده بخط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءاً بعلله وشواهده، فكتبه النساخ في نيّف وستين جزءاً".
ثم قال الحاكم: "فعندي أنّه لم يُصنّف في الإسلام مسند أكبر منه، وعقد أبو محمد بن زياد مجلساً عليه لقراءته" (سير أعلام النبلاء [16/289]، وتذكرة الحفاظ [3/956]).
8- بحر الأسانيد في صحاح الأسانيد، للإمام السمرقندي (409: 491هـ): هذا الكتاب لم يصل إلينا منه شيء فيما أعلم، فهو من ضمن التراث العلمي المفقود، ولكن قال عنه عمر بن محمد النسفي: "جمع فيه مئة ألف حديث، فرتب وهذب، لم يقع في الإسلام مثله، وهو ثمانمائة جزء" (المرجعان السابقان [19/206]، و[4/1231]).
ثانياً: الموسوعات الحديثية الوسيطة:
والمقصود بالموسوعات الوسيطة: "المصنفات الحديثية التي جمعها أئمة المحدثين المتأخرين، معتمدين في ذلك على مصنفات المحدثين المتقدمين، يعني: أنهم يجمعون بغير أسانيد خاصة بهم".
ومن أهم هذه الموسوعات:
1- التجريد للصحاح الستة، لرزين بن معاوية السّرقسطي (ت: 535هـ): يُعدّ هذا الكتاب من أوائل المحاولات لجمع الأصول الستة، وهي: (الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي)، وقد أدخل رزين بن معاوية بعض الزيادات من مروياته التي قال عنها الذهبي: "أدخل كتابه زيادات واهية لو تنزه عنها لأجاد" (سير أعلام النبلاء [20/205]).
وقال الأشبيلي في وصف هذا الكتاب: "كتاب تجريد صحاح أصول الدين مما اشتمل عليه الصحاح الستة الدواوين بحذف الأسانيد، وتقييد المسائل، مع استقصاء مضمون الحديث" (فهرسة ما رواه عن شيوخه ص [123]).
وقد رتب هذا الكتاب على حسب الأبواب الفقهية على غرار صحيح البخاري (أفاده ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول [1/50]).
2- جامع المسانيد، للإمام ابن الجوزي (ت: 554هـ): وهو كتاب غير مطبوع، ولكن قال الذهبي: "أودع فيه أكثر متون المسند، ورتب وهذب، ولكن ما استوعب" (سير أعلام النبلاء [13/525]، و[321/368]).
وقال في موضع آخر: "جامع المسانيد في سبع مجلدات، وما استوعب ولا كاد" (سير أعلام النبلاء [13/525]، و[321/368]).
وقال الكتاني: "جمع فيه الصحيحين، والترمذي، ومسند أحمد، رتبه أيضاً على المسانيد في سبع مجلدات" (الرسالة المستطرفة ص [176]).
3- جامع الكتب الستة، لابن الخراط عبد الحق البجائي (ت: 582ه): وهو كتاب غير مطبوع أيضاً، لكن قال ابن الأبار في ترجمة ابن الخراط: "له مصنف كبير جمع فيه بين الكتب الستة" (سير أعلام النبلاء [21/199]).
4- جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأبي السعادات ابن الأثير الجزري (ت: 606 هـ): اعتمد ابن الأثير في كتابه هذا على كتاب رزين بن معاوية الآنف الذكر؛ حيث قام بتهذيبه وشرح غريبه، وإعادة ترتيبه؛ إذ إنه لم يعتمد على ترتيب رزين، بل رتب الكتب الفقهية على الأحرف الهجائية، فبدأه بالكتب التي تبدأ بحرف الألف وهي عشرة كتب، ثم الكتب التي تبدأ بحرف الباء.. وهكذا، حتى ختمه بكتاب اللواحق وضع فيه الأحاديث التي لم تدخل تحت باب معين.
واعتنى ابن الأثير بمراجعة عمل رزين على الأصول الستة (انظر: مقدمة جامع الأصول [1/51])، وأكمل النقص الذي وقع فيه رزين، ومهّد لكتابه بمقدمة ضافية وهامة.
ويعد هذا الكتاب موسوعة حديثية عظيمة، يحوي بين دفتيه أصول الإسلام الستة، بلغ عدد أحاديثه حسب ترقيم المحقق (9523) حديثاً. وهو كما وصفه مؤلفه: "بحرٌ زاخرة أمواجه، وبرّ وعرة فجاجه، ولا يكاد الخاطر يجمع أشتاته، ولا يقوم الذكر بحفظ أفراده، فإنها كثيرة العدد، متشابهة الطرق، مختلفة الروايات" (المرجع السابق [1/52]).
وقد طبع الكتاب لأول مرة بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ثم حققه وخرّج أحاديثه تخريجاً متقناً الشيخ عبد القادر الأرنؤوط. ثم أعاد إخراجه الشيخ بشير عيون، وأضاف إليه بعض الأجزاء الناقصة في الطبعتين السابقتين.
ولصعوبة البحث فيه عمل الأستاذ يوسف الزبيبي فهرساً لأحاديثه على حروف المعجم.
5- أنوار الصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح، لأبي عبد الله محمد بن عتيق اللاردي (ت: 646هـ): ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء نقلاً عن ابن الأبار(سير أعلام النبلاء [23/257]). ولكنه كتاب مفقود لم يصل إلينا فيما أعلم.
6- جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سَنَن، للحافظ ابن كثير الدمشقي (ت: 774هـ): وهو كتاب مرتب على مسانيد الصحابة، جمع فيه ابن كثير أحاديث كل صحابي على حدة، وصفه الكتاني بقوله: "جمع بين الأصول الستة، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم الكبير، وربّما زيّد عليها من غيرها" (الرسالة المستطرفة. ص [131])، ثم قال: "رتبه على حروف المعجم، يذكر كل صحابي له رواية، ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في هذه الكتب، وما تيسر من غيرها" ( الرسالة المستطرفة. ص [131]).
وهو كتاب جليل عظيم القدر جمع فيه مؤلفه مادة علمية كبيرة، "احتوى على أكثر من مائة ألف حديث، فيها الصحيح والحسن والضعيف، وأحياناً الموضوع" (أفاده الدكتور أكرم العمري في كتابه (بحوث في تاريخ السنة النبوية المشرفة) ص [255]).
ولكن توفي الحافظ ابن كثير رحمه الله ولمّا يكمل كتابه هذا، ويوجد الكتاب مخطوطاً في دار الكتب المصرية في سبع مجلدات، وقد فقد منه أشياء عديدة. وطبع أخيراً ما وجد منه بتحقيق د. عبد المعطي قلعجي في سبع وثلاثين مجلداً.
7- مجمع الزوائد ومنبع ا?فوائد، للحافظ الهيثمي (ت: 807هـ): ألف الحافظ الهيثمي كتباً في زوائد: مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة، كل واحد منها في تصنيف مستقل، ما عدا المعجمين الأوسط والصغير فإنهما في مصنف واحد.
ثم عرض الهيثمي كتبه تلك على شيخه الحافظ العراقي، فأشار عليه أن يجمع هذه الكتب في مصنف واحد مجرّدة الأسانيد، فعمل الهيثمي بهذه المشورة وجمعها في مؤلف واحد سماه: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)، وهو كتاب مطبوع في عشرة مسانيد أجزاء، وقد رتبه الهيثمي على الأبواب الفقهية، فبدأ بكتاب الإيمان، ثم العلم، ثم الطهارة، ثم الصلاة... وهكذا حتى ختمه بكتاب: صفة الجنة.
ويعد هذا الكتاب من الكتب العظيمة كبيرة الفائدة، بذل الهيثمي في جمعه وترتيبه جهداً كبيراً متميزاً، وكان يهتم ببيان درجة الحديث من حيث القوة والضعف، ويتكلم في رجال الحديث جرحاً وتعديلاً بعبارات موجزة، ولكن تميزت بعض آرائه بالتساهل، ولهذا تعقبه السيوطي بمؤلف سماه: (بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد).
8 إتحاف الخِيَرَة المهَرة بزوائد المسانيد العشرة، للحافظ البوصيري (ت: 840هـ): جمع الحافظ البوصيري زوائد عشرة مسانيد على الكتب الستة، وهي: مسند الطيالسي، ومسدّد، والحميدي، وإسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة، والعدني، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، وأحمد بن منيع، ومسند أبي يعلى الكبير. ورتب أحاديثها على كتب الأحكام.
وكان البوصيري يعتني بالحكم على الأحاديث، وبتقويم الرجال جرحاً وتعديلاً، وقدّم لكتابه بتراجم لأصحاب المسانيد التي اعتمد عليها في كتابه.
ويوجد للكتاب نسختان:
الأولى: مسندة، أتمها سنة 823 هـ.
والثانية: مجرّدة من الأسانيد، أتمها سنة 832 هـ.
وتوجد النسخة المسندة مخطوطة في دار الكتب المصرية، وقد حُقق بعضها في رسائل علمية في الجامعة الإسلامية، وتقوم الجامعة بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف على طبعه، وقد تيسر بحمد الله تعالى طبع بعض أجزائه.
9- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ): جمع فيه ابن حجر زوائد ثمانية مسانيد، وهي: مسند الطيالسي، ومسدّد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والعدني، وعبد بن حميد، وأحمد بن منيع، والحارث بن أبي أسامة.
كما أنّه تتبع ما فات الهيثمي في مجمع الزوائد من مسند أبي يعلى الكبير، لكون الهيثمي اقتصر على المسند الصغير، ووقع لابن حجر قدر النصف من مسند إسحاق بن راهويه، فتتبع ما فيه من الزوائد فصار مجموع ما تتبعه من ذلك: عشرة دواوين. ووقف ابن حجر على قطع من عدة مسانيد مثل: مسند الحسن بن سفيان، ومسند الرّوياني.. وغيرهما، ولم يُكتب منها شيء؛ لأنه كان ينوي أن يرجع إليها ويتتبع زوائدها بعد أن يُنهي تبييض كتابه (مقدمة المطالب العالية [1/4 ـ 5] تحقيق الأعظمي).
ورتب ابن حجر كتابه على كتب الأحكام قريباً من ترتيب إتحاف الخيرة ومجمع الزوائد، ويوجد لهذا الكتاب نسختان هما:
الأولى: مجرّدة من الأسانيد، نشرها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
الثانية: مسندة، طبعها أخيراً غنيم بن عباس وياسر بن إبراهيم، كما جرى تحقيقها في عدة رسائل علمية في جامعة الإمام محمد بن سعود، ثم جمعها ونسقها الدكتور سعد الشثري، وبدأ بطباعتها في سنة 1419ه، ونشر منه حتى الآن عشر مجلدات، ويتوقع أن يطبع بإذن الله في ثمانية عشر مجلداً، خصّص المجلد الأول منها لمقدمة تفصيلية.
ويختلف كتاب المطالب العالية عن إتحاف الخيرة المهرة بأمور، منها:
الأول: أن البوصيري تتبع الزوائد على الكتب الستة فقط، بينما ابن حجر تتبع الزوائد على الكتب الستة ومسند أحمد، ولهذا فإن كتاب البوصيري أغزر مادة وأكبر حجماً.
الثاني: أن البوصيري كان يعتني ببيان درجة الحديث وحال الرواة، بينما ابن حجر لم يحكم إلا على عدد قليل جداً من الأحاديث.
وتظهر أهمية المطالب العالية وإتحاف الخيرة أنهما حفظا لنا عدداً من كتب الحديث المسندة التي فقدت وضاعت، مثل مسند العدني وأحمد بن منيع والحارث بن أبي أسامة.
وبالجملة: فإن كتاب المطالب العالية كتاب موسوعي جامع، غزير الفائدة، إذا ضُمّ إلى الكتب الستة حصلنا على موسوعة حديثية ضخمة وافية لا يفوتها من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا القليل.
10- الجامع الصغير وزيادته، للحافظ السيوطي (ت: 911هـ): جمع السيوطي الأحاديث النبوية القولية مرتبة على حروف المعجم، معتمداً على مصادر كثيرة، وقد بلغ عدد الأحاديث التي جمعها: (10031) حديثاً، ثم أضاف السيوطي إلى هذا الكتاب زيادة أخرى من الأحاديث فاتت عليه، بلغ عددها (4440) حديثاً.
وقد جمع بين الكتاب وزيادته الشيخ يوسف النبهاني في مؤلف واحد سمّاه: (الفتح الكبير) رتبه على حروف المعجم تبعاً للسيوطي، وبلغ عدد أحاديثه (14471) حديثاً.
وعمل السيوطي هذا عمل عظيم وجهد جبار مبتكر يسهل عملية البحث عن الحديث المطلوب، وكان يذكر درجة كل حديث من حيث الصحة أو الضعف، ولكن تميزت كثيراً من آرائه بالضعف والتساهل، ولهذا قام الشيخ الألباني بتتبع أحاديثه وبيان درجتها، وقسمه إلى كتابين: صحيح الجامع الصغير وزيادته، وضعيف الجامع الصغير وزيادته، وهما مطبوعان منتشران.
11- جمع الجوامع، للحافظ السيوطي (ت: 911هـ): جمع فيه السيوطي ثمانين كتاباً من كتب السنة، وقسمه قسمين:
الأول: يتضمن ا?أحاديث القولية، وقد رتبها على حروف المعجم كالجامع الصغير.
الثاني: ويتضمن الأحاديث الفعلية وما شابهها، وقد رتبها على مسانيد الصحابة رضي الله عنهم وهذا الجهد جهد كبير متميز، ويُعد من أكبر الموسوعات الحديثية المصنفة، إلا أنه محشو بالأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة، وقد نشر الكتاب مصوراً من مخطوطة دار الكتب المصرية، تحت إشراف الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلا أن الاستفادة منه بهذه الصورة متعسرة وتستهلك جهداً ووقتاً، وتتطلب معرفة بقراءة المخطوطات ومصطلحاتها. ثم نشرت أجزاء يسيرة من الكتاب بدون تحقيق أو دراسة.
12- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي بن الحسام المتقي الهندي (975هـ). جمع فيه المتقي الهندي: الجامع الصغير وزيادته، مضافاً إليه ما بقي من قسم الأقوال، وقسم الأفعال من كتاب جمع الجوامع، ورتبه جميعه على الأبواب الفقهية على غرار جامع الأصول لابن الأثير، والكتاب محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة تبعاً لكتابي السيوطي. ولكبر حجم الكتاب فإن ترتيب الأحاديث القولية والفعلية على الأبواب لا يخلو من تداخل وخلط ونقص، ولهذا فإن الباحث قد يجد صعوبة أحياناً لكي يصل إلى مطلوبه.
وقد عمل الأستاذان: نديم وأسامة المرعشلي فهرساً لأطراف الأحاديث على نسق حروف المعجم، لتيسير البحث فيه.
وبعد: فقد كانت هذه إلمامة مختصرة ببعض جهود أئمة الحديث في جمع السنة النبوية وترتيبها، ولم أقصد الاستقصاء التام لجميع الأعمال، ولكن أردت أن أبرز بعض الجهود العظيمة التي قام بها أولئك الأفذاذ، رغم قلة الإمكانات وقتها.
ولم يتوقف جهد المحدثين عند الجمع والترتيب، بل تعداه إلى علوم أخرى من أهمها: ضبط قوانين الرواية تحملاً وأداء، وتوثيق المرويات وتدقيقها، والكلام على الرواة جرحاً وتعديلاً، وشرح النصوص وبيان مشكلاتها ومقاصدها، وبنوا صرحاً شامخاً تميزت به هذه الأمة من بين الأمم، فحفظت السنة بحمد الله من كل تحريف أو تبديل.
ولكن خلفت من بعدهم خلوف نسيت كثيراً مما ذُكرت به فضاعت وضيّعت، فأهمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم إهمالاً شديداً، واندرست بعض المعالم من سنته علماً وعملاً، وظلت كنوز الأمة مخطوطة، حبيسة في أدراج المكتبات ردحاً من الزمن!
وفي العقدين الأخيرين بشكل خاص ظهرت بوادر الصحوة الإسلامية العامة، التي كان من ثمراتها المباركة رجوع كثير من الباحثين وطلاب العلم إلى تراث السلف الصالح، فنشر الكثير من المخطوطات القيمة والدراسات المتميزة، ولا زالت دور النشر تدفع المزيد منها، نسأل الله تعالى أن يبارك فيها
وفي منتصف التسعينات الهجرية ظهرت في الأوساط العلمية نداءات تدعو إلى ضرورة جمع الحديث الشريف في موسوعة كاملة، وقد قامت بفضل الله تعالى مشروعات عديدة بهذا الصدد، استفاد بعضها من إمكانات الحاسب الآلي.. وتحتاج هذه المشروعات إلى تعريف ودراسة وتقويم، أرجو أن يتيسر قريباً في مقالة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] بل تجد أن كتاب (أهل الكتاب) في المجلد السادس برواية النجار، يتكرر في المجلد العاشر برواية الحذاقي، مع زيادة ونقص.
[2] ذكرت هذه التقديرات على الترتيب في: مناقب الإمام أحمد. ص [191]، والفهرست. ص [320]، ومقدمة ابن خلدون. ص [444].