الأقلية والأغلبية Majority and minority

منذ 2014-03-08

مع الأحداث المتتالية وِفق المشهد المعاصر، وخاصةً في دول مثل: سوريا، ومصر، والتي نعايش المآسي المتجددة فيهما ليل نهار؛ يقفز على السطح تساؤلات هامة متعلقة بموضوع الأقلية والأغلبية والعلاقة بينهما، فمن الطبيعي حسب المسمى أن تكون الأغلبية هي الممكّنة والأقلية هي المستضعفة، ولكن ما نراه دون ذلك... حيث تمكّن الأقلية من الأغلبية، حيث تتمثل الأقلية المتحكمة في العلوية في سوريا، والنصارى في مصر.

مع الأحداث المتتالية وِفق المشهد المعاصر، وخاصةً في دول مثل: سوريا، ومصر، والتي نعايش المآسي المتجددة فيهما ليل نهار؛ يقفز على السطح تساؤلات هامة متعلقة بموضوع الأقلية والأغلبية والعلاقة بينهما، فمن الطبيعي حسب المسمى أن تكون الأغلبية هي الممكّنة والأقلية هي المستضعفة، ولكن ما نراه دون ذلك... حيث تمكّن الأقلية من الأغلبية، حيث تتمثل الأقلية المتحكمة في العلوية في سوريا، والنصارى في مصر.

وعند دراسة هذا الموضوع (الأقلية والأغلبية) نجد أن توصيفه يرتبط عادة بالبُعد العددي، حيث تشير الأغلبية إلى تجمُّع بشري ذو عدد كبير، والأقلية تشير إلى عكس ذلك.

وكذلك يرتبط مصطلح الأقلية بأمور أخرى لا مجال لذكرها في هذه العجالة، ولكن -إن شاء الله- سأقوم بعمل دراسة متخصصة لذلك، ولكن ما يهمنا في هذا المقام والذي نقوم بتسليط الضوء عليه؛ هو ذلك النفوذ الكبير للأقليات على الأغلبية، وخاصةً عندما تكون الأغلبية هي الجانب المسلم، ذلك النفوذ الذي من شانه تمكّن ممن وصفوا بأنهم أقلية من الأغلبية حتى أضحت الصورة إلى أقلية ممكّنة وأغلبية مستضعفة.

ويجدر التنبيه هنا؛ إلى أن الحضارة الإسلامية لم تَعرِف مصطلح الأقلية طوال تاريخها للتعبير عن غير المسلمين الذين يقيمون داخلها، وإنما عُرِف هذا المصطلح لأول مرة في إطار صراع الدولة العثمانية مع القوى الأوروبية للإجهاز عليها فيما أُطلِق عليه المسألة الشرقية، وذلك باستخدام القوى الغربية للأقليات التي تعيش داخل الدولة العثمانية كمخلب قط لتفتيتها بدعوى حماية هذه الأقليات والحفاظ عليها.

أما المسلمون: فقد استخدموا مصطلح الملة للتعبير عن الفئة غير المسلمة التي تعيش بينهم، وبينما كان نظام الملة العثماني -المستمد من الخبرة الإسلامية للدولة النبوية- يُقيم العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين على قاعدة التسامح والاعتراف بالتنوُّع في إطار الوحدة وتحقيق العدل والحماية؛ فإن مصطلح الأقلية ارتبط بالتدخل الغربي وارتباط فئات داخلية من المجتمع الإسلامي به. وبالتالي؛ تأكيد تمايزها عن المجموع والغالبية، لتحقيق مآرب سياسية وتأسيس الطائفية (نحو بناء إسلامي لمصطلح الأقلية؛ بقلم: كمال السعيد حبيب، مجلة البيان، العدد: [90] - يوليو 1995م).

وهنا نطرح سؤالًا يخص أحد أهم الأقليات -من حيث الاهتمام وتسليط الضوء- وهي النصارى والتساؤل المطروح هو: هل النصارى بالفعل أقلية في الدول ذات الأغلبية المسلمة؟

والإجابة:

أنه يُنظَر إلى النصارى في كل مكان ليس على أنهم أقليات منعزلة هنا وهناك وسط بيئات غير نصرانية؛ وإنما كأفراد وأعضاء في ديانة وأمة دولية الطابع لها مؤسساتها الدولية -العابرة للقارات والحدود الإقليمية- وهي الكنائس الكبرى ومجالسها العالمية ومنظماتها التي لا تكاد تحصى، وهي هيئات مسئولة عن رعاية وتفقُّد جميع النصارى في كل مكان دون تفرقة بين أغلبيات وأقليات في النظرة أو الشعور أو مدى الرعاية أو مدى تقدير الاحتياجات، وينطبق نفس الشيء على اليهود والبوذيين والهندوس حتى الآن، فضلًا عن النِّحل الصغيرة المارقة مثل القاديانية والبهائية وغيرها (الأقليات الإسلامية قضية العصر؛ د. محمد يحيى، مجلة البيان، العدد: [82] - نوفمبر 1994م).

- ومن الأمور المخجِلة وتُذكَر في هذا السياق؛ أن بعض بني علمان يتباكى على حقوق الأقليات غير المسلمة رغم انعدام الوجود الفعلي لهذه الأقليات في بلده كما فعل البرادعي في دفاعه عن الأقلية البوذية، في حين لم يُحرِّك ساكنًا للمذابح التي تتم للمسلمين في الدول البوذية كما في بورما.

وهنا نتجه لطرح السؤال التالي وهو:

- لماذا المسلمين رغم وصفهم أغلبية في بلادهم إلا أنهم أغلبية مستضعَفة؟

- ذلك لأنهم رغم كثرة عددهم؛ إلا أنهم أقلية من حيث الفاعلية حيث يمكن أن يطلق عليهم وضع المستضعَفين، ففي سوريا تتولى الأقلية العلوية الممكّنة الحكم منذ عقود وهي التي تُذيق المسلمين السُّنة مُرّ العذاب رغم كونهم أغلبية عددية.

وفي مصر النصارى رغم كونهم أقلية بالمفهوم العددي إلا أن امتيازاتهم تفوق المسلمين أصحاب الأغلبية العددية.

تلك الامتيازات التي يحصلون، والدعاية والحماية الدولية المتوفرة لهم؛ جعلت لهم صفة الأقلية الممكّنة، كما تستخدم ورقة النصارى في مصر كعامل من عوامل الضغط على الدولة لمنحهم مزيد من الصلاحيات غير المستحقة لهم، فضلًا على توفُّر جانب الحماية لهم في كثير من الجرائم التي يُعاقب عليها قانونًا، مثل قضايا الاختطاف كما حدث مع الأخوات "وفاء قسطنيين، وماري عبد الله، وكاميليا شحاتة" من خطفِهم وحبسِهم في الأديرة النصرانية، ولم يجرؤ أحد على فتح التحقيق معهم في هذه الجرائم، أو السعي لتحرير الأسيرات المسلمات في الأديرة النصرانية.

وعند إمعان مزيد من النظر في المشهد المصري؛ نجد التحالف القائم بين الأقليات المحاربة للإسلام كما في التحالف بين النصارى والعلمانيين في حربهم للدين، والذي يتمثل في هجمة منتظمة على الإسلام والمسلمين للعمل دون الحيلولة للتمكين لدين الله في الأرض.

وحتى تستعيد الأغلبية فاعليتها؛ لا بد أن نُحيي كثير من المفاهيم الغائبة فعليًا في واقعنا المعاصر، والتي أصبح التكلم فيها هو من النوع النظري ذو الطبيعة الباردة، البعيدة كل البُعد عن تحقيق مناطها الصحيح في الواقع، كما في مفاهيم الولاء والبراء والجهاد في سبيل الله عز وجل، فلو عملنا على إحياء هذه المفاهيم، وإعادة الروح لها لعادت إلينا كثير من فاعليتنا المفقودة، والتي تؤدي إلى وضع الأمور في نصابها الصحيح.

وحينئذ؛ نستطيع أن نوصف الأمور بوصفها الصحيح، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}، {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ}.

محمد المصري

معلم وباحث إسلامي مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية ،وله عديد من الدراسات في مجال الشريعة والعقيدة والتربية الإسلامية.

  • 0
  • 0
  • 2,760

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً