الصلاة أهم أنواع الاتصال
أحمد كمال قاسم
- التصنيفات: فقه العبادات - الحث على الطاعات -
إن المتأمِّل في الكون المادي؛ يجد أن الاتصالات بين أجزائه هي قوامه وعصب حياته! فلا يمكن للجزء أن يصلح بدون التفاعل والاتصال مع الآخرين. فأجزاء الكون من مادة -حية وميتة- وإشعاع لا يكون لها أدنى قيمة بدون الاتصال مع غيرها على اختلاف أنواع هذا الاتصال ومسمياته، ولكننا إذا نظرنا نظرة أعم وأشمل نجد أن الاتصالات يمكن أن تصنف في نوعين:
أ- اتصال بين المخلوق والمخلوق. وهذا النوع بدوره ينقسم إلى عدة أنواع فرعية:
أولًا: اتصال النفع النفع. وهذا النوع هو أفضل أنواع الاتصال فهو يتيح لطرفي الاتصال النفع المشترك.
ثانيًا: اتصال النفع الضرر. وهذا يُعَدُ من أسوأ أنواع الاتصال؛ حيث أن الطرف الأول يكسب على حساب ضرر الآخرين، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: « » (حديثٌ حسن، رواه ابن ماجة، والدارقطني وغيرهما مسندًا).
ثالثًا: اتصال الضرر النفع. وهو أن يتضرَّر الطرف الأول في سبيل نفع الطرف الآخر، وقد يكون هذا من أفضل أنواع الاتصال إذا كان هذا الضرر الذي يتضرّره الطرف الأول ليس في دينه وكان لا يتحقق نفع الطرف الثاني إلا بضرر الطرف الأول، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، صدق الله العظيم.
رابعًا: اتصال الضرر الضرر ويكون الضرر مشتركًا وهو اتصال من لا عقل له وهو أسوأ أنواع الاتصال بلا جدال.
ب- اتصال بين المخلوق والله عز وجل، وهذا النوع من الاتصال على خلاف النوع الأول لا يقع فيه النفع والضرر إلا على الطرف الأول وهو المخلوق والاتصال يتم من الخالق عز وجل، عن طريق هدايتنا إلى سبيل نجاحنا في الدنيا والآخرة وذلك ممثلًا في كتبه التي أرسل بها رسله وممثلًا في أفعال رسله وأقوالهم لنا ويتم من المخلوق بالاستجابة لهذه الهداية فتجلب له خيرًا وفيرًا أو إهمالها فتجلب له شرًا مستطيرًا، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام:104].
وقد شرع الله عز وجل لنا نعمة عظيمة لنكون دائمي الاتصال به لنشكره ونرجوه ونطلب منه ما نشاء؛ وهي الصلاة والدعاء، وعلَّمنا كيف نقوم بهذا النوع الرائع من الاتصال نعمةً منه علينا، فيالها من نعمة أن يتيح لنا ملك الملوك أن نلتقي به خمس مرات يوميًا لنكلمه وندعوه ونضرع بين يديه سبحانه.
ومن رحمته سبحانه بِنا ولأن كثير مِنَّا لا يعلم ما ينفعه وما يضره؛ فلقد فرض علينا الله الصلاة فرضًا وفي مواعيد محددة، حتى نتلقَّى منه جرعة تُحيينا خمس مرات يومية، لتكون هذه الجرعة دواءًا لنا من كل مُْهْلِك، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103].
وقال في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24].
وأهدى لنا الله تعالى -أيضًا- نعمة لا تُقدَّر بثمن؛ وهي أنه أنزل علينا كلامًا منه بلغة نفهمها.
لقد رحمنا الله رحمة عظيمة عندما أنزل علينا قرآنًا يُقرأ بلغة نفهمها لكي نتخذه نورًا يهدينا إلى الطريق القويم، قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].
والله أعلم.