رسالة تائبة إلى هاتك عرضها
يا هاتك العرض، هذه رسالة بعثتها إليك امرأة، أتدري من هي؟! إنَّها حبّك الأول والأخير ومستقبلك وماضيك وحاضرك، إنَّها روحك وحياتك وسعادتك.
يا هاتك العرض، هذه رسالة بعثتها إليك امرأة، أتدري من هي؟! إنَّها حبّك الأول والأخير ومستقبلك وماضيك وحاضرك، إنَّها روحك وحياتك وسعادتك.
عذراً؛ فلن أخبرك من تكون هذه المرأة، وأتركك مع نص رسالتها، والتي تقول فيها: "لا تظننَّ أنَّي كتبتُ الرسالة لخطب ودَّك، ولهثاً خلف حُبّك، فالودّ والحُبّ لا يبذل للخِبّ، رسالتي ليست من جنس رسائلك الملعونة، رسالتي طهّرتها بماء الإيمان واليقين، طهّرتها من أدران الرذيلة، ودهاليز الضياع، وكهوف الظلام، رسالتي طهّرتها من دنس صنيعك، وحقارة غايتك، وخفارة ذمّتك، وخسة طباعك، ونذالة نفسك.
أتذكر يوم اللقاء؟!
ذلك اللقاء الملعون.
كم تحمَّلتُّ بسببه من المصائب والرزايا!
فقد كنتَ مصيبة وأيّ مصيبة، لقد سلبتَ أعزّ ما أمتلكه، لقد سرقتَ أشرف ما أكتنزه، كانت حياتي رغم اضطرابها قبل لقياك التعيس، جنّة وأيّ جنّة، وارفة ظلالها، غنية أنهارها، مخضرّة أشجارها.
أتدري كيف حياتي قبل لقياك؟!
عشت يتيمة لكنّ والديّ أحياء! لي أقارب عقارب لكنّهم رُّحماء! عفواً، حياتي استثناء في كل الأنحاء، فلاتصفنَّ مقالي بالسواد يا صاحب القلب الرقيق! ولا تعجلن في حكمك، فعمَّا قليل يأتيك الخبر.
فلمَّا طاف بي الهمَّ، وسوَّرني الغمَّ، وضعف حالي، وكلَّ بالي، وتكدر الخاطر، ويا ليل ما أطولك! قلَّبتُ ناظري أرقب (عقارب) الساعة، وياليتها لم تتحرّك!
تحرّك (العقرب) وكان لقاؤنا الملعون.
في تلك اللحظات، انعدمت الرجولة، وجفت منابع الإيمان، وخبت أنوار الهدى، وانحدرت الإنسانية إلى منزلة الحيوانية المُذمَّمة والمُقبَّحة.
فلا أخالُك ترضاه لأمّك، فكيف رضيته لي؟! ولا أخالُك ترضاه لأختك، فكيف رضيته لي؟! ولا أخالُك ترضاه لعمّتك، فكيف رضيته لي؟! ولا أخالُك ترضاه لخالتك، فكيف رضيته لي؟!
ولا تسل عن صفات الرجولة والشهامة العربية، فهاهنا تتوارى الوجوه من سوء فِعالها.
فليس أشدَّ على الرجل العربي من انتهاك أعراض النساء والعبث بها؛ لأنه شهم شجاع صاحب نخوة وغيرة يذوب منها الصلب الجامد، ويلين بها الخشن الصعب، وما أبلغ وصف الشاعر لها يوم قال:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي *** حتي يواري جارتي مأواها
فالرجولة ستر ورداء، وملاذ وغطاء، وحراسة للفضيلة والنساء، ومن صفات الرجل أنَّه من الحياء يتلثَّم، ومن اللمم يتأثَّم.
وأما في تلك اللحظات، فقد مات الرجال، وماتت النخوة، وماتت الشهامة، وماتت الغيرة، يا للرجولة يا للشهامة، لقد ذبحتها يا أيها الذئب البشري، وانتهكت عرضي، فما أحقرك!
نعم أعترف لك بأنِّي قد سايرتُ طمعك، ويسَّرتُ مطمعك لنقصٍ في إيماني واضطرابٍ في حياتي، نعم أعترف بذلك واستغفر الله وأتوب إليه مما اقترفته يداي، وأعترف بأنِّي أشعر بمرارة مؤلمة على كل لحظة عشتها معك، وأعترف بأنِّي أشعر بحرارة تضطرم نيرانها في جوفي وفؤادي.
ولكن قل لي: ما الذي تحمله أنت؟! وما الذي ستعترف به؟!
فأنت أجبن من أن تعترف بأخطائك وجرائمك، وأجبن من أن تستطيع مواجهة نفسك بأخطائها.
أنا أعلم النَّاس بوحشيتك، فما أنت إلا أخَّاذ نبَّاذ، خوَّار ختَّار، ما أنت إلا حقير نقير لا تساوي قطمير، ما أنت إلا عابث لعوب، فإذا قضى على عفة إحداهنَّ أدار لها الظهر وولَّى، فتناديه المخدوعة: لا تتركني وحدي أرجوك، فيبصق في وجهها ويطلق عليها أقبح الألفاظ وأرذلها.
فيا لك من ذكر حقير، أين ذهب لسانك المعسول وبراءتك ولطفك؟! ألست أنت من سرق عفتي، ودنَّس عرضي، وسلب كرامتي، وأرداني في مهاوي الرذيلة؟!
عفواً.. فأنت حقير لا ينفع فيك تأنيب، ولا تأديب، وكم أنَّبوه وأدَّبوه، وعُوتب فيه أمّه وأبوه، نعوذ بالله من كلِّ أهوج أعوج.
ولا تعجبنَّ، فإنَّ النَّاس يُفسدهم المُجون، كما يُفسد الماء الأُجون، ومن كان هذا سبيله، فلا يُؤمن ولا يُؤتمن.
يا بنت الإسلام، إنِّي لكِ ناصحة مشفقة، لا تتبعي خطوات الشيطان، فإنّّه يأمر بالفحشاء والمنكر، ودينك وعرضك أشرف ما لديك، فتمسكي بالدين الحنيف، وألزمي طريق الهدى والصلاح، فهو العزّ والشرف، ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون.
وأحمدُ الله أن هداني إلى التوبة، وأكرمني بحفظ نصف كتابه، وأسأل الله أن يُيسر لي إتمامه وأن يوفقني للعمل به".
انتهى نص الرسالة.
محمد بن خالد الحميد
- التصنيف:
- المصدر: