قاتل الخلق .. الكذب
يعد الكذب من أخطر الأمراض الخُلُقية التي تصيب الفرد عامة، فهو يختلف عن باقي الأمراض في أنه يفقد صاحبه المناعة من كل الأمراض الخُلُقية الآخرى، فمن يكذب يسرق ويخون ويمارس كافة الأعمال القبيحة، فهو كمرض الإيدز، الذي يفقد صاحبه المناعة؛ فتهاجمه الأمراض كلها، وكما جاء في الأثر جُعِلَتْ الخَبَائِثُ في بَيتٍ وجُعِلَ مِفْتَاحُهُ الكَذِبُ.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - محاسن الأخلاق -
يعد الكذب من أخطر الأمراض الخُلُقية التي تصيب الفرد عامة، فهو يختلف عن باقي الأمراض في أنه يفقد صاحبه المناعة من كل الأمراض الخُلُقية الآخرى، فمن يكذب يسرق ويخون ويمارس كافة الأعمال القبيحة، فهو كمرض الإيدز، الذي يفقد صاحبه المناعة؛ فتهاجمه الأمراض كلها، وكما جاء في الأثر جُعِلَتْ الخَبَائِثُ في بَيتٍ وجُعِلَ مِفْتَاحُهُ الكَذِبُ.
والكذب يعني أن يخبر الإنسان بخلاف الواقع، وهو خلق مكتسب من البيئة والمجتمع ولا علاقة للوراثة به، وترى نظريات نفسية حديثة أن الكذب الذي يظهر لدى الأطفال؛هو درجة لابد أن يرتقيها الطفل في مراحل حياته ومهمة لنموه العقلي.
إن الله عز وجل خلق الانسان بفطرة سليمة لا اعوجاج فيها، وجعل خُلق الصدق من ضمن تلك الفطرة السليمة، ولا يندفع الفرد للكذب إلا لوجود مانع أو عارض يقوي هذا الخلق في نفسه، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك عندما، قيل له: أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، فقيل: أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا، وهنا نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم - اجتماع تلكما الصفتان في القلب وهي الإيمان والكذب لأن الإيمان من التصديق.
- أنواع الكذب:
- الكذب التخيلي أو الالتباسي: وهذا ليس بكذب أكثر ماهو نقص في خبرات الطفل وقدراته العقلية، فالطفل مازال يخلط الواقع بالخيال ولا حد فاصل بينهما، ويستمر ذلك الخلط بين الواقع والخيال حتى سن الخامسة تقريبًا، حيث ينمو إدراكه ويتمكن من التفرقة بينهما.
وقد يكون لجوء الطفل لذلك النوع من الكذب؛ حينما يكبت الوالدين خياله الخصب أو أي أفكار غير مألوفة بكلمات من نوع (اسكت أيها الاحمق ... )، لذا فالمشكلة تكمن في أساليب التربية وليست في طبيعة الشخص.
ومثال على ذلك الطفل الذي يستمع لقصة لأحد الأبطال، ويدعي أنه يأتيه ويلعب معه، أو ذلك الطفل الذي رأى في غرفة الضيوف شابًا عريض المنكبين طويل القامة، فذهب لوالده يخبره بأن "خالد بن الوليد" رضى الله عنه، في منزلهم، لأن أبيه كان قد قص عليه قصة سيف الله المسلول من قبل.
ولايمكن لنا أن نسمي هذا كذب، ولكن مهم جدا توجيهه وعدم التسفيه منه، وإرشاد الطفل للفرق بين الخيال والواقع، ويمكن توجيهه لتنمية الإبداع لدى الطفل، فنوجهه نحو الروايات والقصص الخيالية المفيدة.
- الكذب الدفاعي (الوقائي): وهو النوع المشهور والسائد من الكذب، فالطفل يخاف من الوقوع في العقوبة، فيلجأ للكذب للهروب من تلك العقوبة أوالحصول على منافع وامتيازات، ويستخدم الطفل ذلك النوع من الكذب على أصحاب السلطة عليه مثل الأب في البيت أو المدرس في المدرسة، وهو موجود في البنين أكثر من البنات، وفي سن المراهقة أكثر من الطفولة.
- الكذب الاجتماعي: ويستخدمه الطفل للحصول على ثقة جماعة الرفاق، فهو مجرد وسيلة ليثبت ولاءه لتلك الجماعة، وينتشر هذا النوع بين المراهقين البنين منهم بالتحديد، ومثال على ذلك عدم الافصاح عن زملائه لو ارتكبوا خطأ ما، حفاظا عليهم ولعدم تعريضهم للعقاب.
- الكذب الدعائي: ويستخدمه الطفل لتعظيم ذاته أمام الآخرين، فيبدأ في تعظيم تجاربه التي مر بها حتى يحصل على الاعجاب من الوالدين والمحيطين به، وهذا النوع من الكذب ينشأ عادة نتيجة لشعور الطفل بنقص في ذاته ، أو لوجوده في بيئة أعلى من بيئته، فيكذب في محاولة للوصول لمستوى أقرانه.
ويجب على الوالدين الاهتمام بعلاج ذلك النوع من الكذب لأنه إذا كبر واستفحل، تعود عليه الطفل وصار سلوكًا له.
- الكذب الانتقامي : ويكون في الأسر التي تفرق بين أفرادها في المعاملة، أو مع الطفل الذي يعيش في جو من عدم المساواة، فنجد الطفل يكذب على أخيه حتى يقع عليه العقاب.
- كذب التقليد: فالطفل يكذب لأن من حوله يكذبون، فيستمرأ الطفل تلك الخصلة القبيحة وتصبح ديدنه في التعامل مع الغير.
- الكذب المرضي: والكذب هنا يكثر من الفرد ويصدر عنه أحياناً تلقائيا لتعود جوارحه عليه أو لدافعية نفسية داخلية تدعوه للتبرؤ من الواقع إلى الكذب والخيال وهذا قد نلاحظه في حالة الكذب الادعائي لأن شعورا بالنقص قد يكون مكبوتاً ويصبح الدافع للكذب دافعاً لا شعورياً خارجاً عن إرادة الشخص.
ولكن لماذا يكذب الطفل ؟
يكذب الطفل لعدة أسباب، منها أسباب خاصة به نفسه وبالأسرة وبالمحيط الذي يعيش فيه.
1- أسباب خاصة بالطفل نفسه: فقد يكون لدى الطفل استعداد للكذب، فلديه لباقة في اللسان وحلو المنطق، وخيال خصب يضفي على كلامه الواقعية التامة، فيلبس على من يكذب عليه ويجعله في حيرة من أمره.
وكذلك يكذب الطفل لعدم وجود خلفية ذهنية مؤثرة، فالطفل لم يتم توجيهه ذهنيا بأن الكذب خطر وحرام، وبذلك يسهل عليه الكذب بسبب وبلا سبب إذ إنه لا يستشعر خطورته ولا ضر ولا سوء فعله.
2- أسباب خاصة بالأسرة: فقد يكذب الطفل لرؤيته أحد الوالدين يكذب للخروج من مأزق ما، أو يكذب نتيجه لخوفه من رد فعل الوالدين الذي بالطبع يكون مبالغ فيه. وأيضًا عدم إشباع الوالدين لرغبات الطفل تؤدي به إلى الكذب ليحصل على ما يريد.
3- أسباب خاصة بالبيئة: عندما يصبح الكذب هو المقياس الذي يرتقي به الفرد في البيئة المحيطة بالطفل، يصبح لدى الطفل حافزًا للكذب والاستمرار فيه، وقد يكذب الطفل أيضًا نتيجة لمخالطته لرفاق السوء الذي عادة ما يكونوا كذابين، نتيجة لانشغال الوالدين عنه.
كيف يمكن للأبوين تربية أطفالهم على ترك هذه العادة؟
1- الوقاية خير من العلاج، والوقاية من الكذب تعتمد على أسلوب التربية المتبع مع الطفل، والبيئة المحيطة به. فلو وجد الطفل من حلوة صادقين ويتعاملون بالصدق، فإنه يشب صادقًا. مع تهيئة الأجواء النفسية المريحة في الاسرة فالشخص المطمئن لا يكذب أما الشخص الخائف فيلجأ الى الكذب كوسيلة للهروب من العقاب.
وعلى الوالدين ألا يظهروا الريبة والشك في الأولاد، وألا يجعلوا طريقة سؤالهم كالتحقيق، وفي حال لو كذب الطفل يجب على الوالدين التعامل بهدوء مع ذلك الموقف، وبطريقة إيجابية فلا نطلق على الطفل لقب كاذب لكذبه أول مرة، ولكن نوصل له خطأه بأسلوب راق وهادئ مثل أن نقول له ( أنا أعلم أن ما تقوله غير صحيح ... ).
2- معرفة السبب الذي من أجله يكذب الطفل، مع محاولة توفير المتطلبات أو تذليل العقبات التي تؤدي لذلك السلوك بصورة مناسبة.
3- استخدم أسلوب التأديب المناسب، فيحسن تجنب التقريع الفظي والتجريح بالألفاظ النابية أو الألقاب السيئة، فإن ذلك يؤثر سلباً ويدفعه للّجوء إلى الكذب لكي يصنع لنفسه صورة يريدها ويرضاها الوالدان. مع ضرورة الابتعاد عن العقاب البدني، كما أنه لايجوز ايقا عالعقوبة على الطفل في حال اعترافه، احترامًا لذلك الاعتراف.
4- يجب ألا يعطى الطفل الكاذب فرصة للإفلات بجريمته دون عقوبة، لأن النجاح من الإفلات من العقوبة تشجعه على الاستمرار في الكذب بهدوء أعصاب مطمئنا بأنه لن يعاقب.
5- تلبية احتياجات الطفل ما أمكن، مع ضرورة مراعاة إلا يؤدي به هذا إلا التدليل، أو المنع فيؤدي به إلى الحرمان، فلا إفراط ولا تفريط هنا.
6- إذا كان الكذب ناتج عن الشعور بالنقص أو الدونية .. يحاول المربي توجيه الطفل إلى أن ما يفعله خطأ، ويحاول لفت انتباهه إلى الصفات الحسنة والمميزة فيه.
وكما قلنا بداية أن الوقاية خير من العلاج، لذا وجب على الوالدين تربية الوازع الديني لدى الطفل، ولنأخذ ما فعله التابعي الجليل " محمد بن سوار " مع أبن أخته " سهل بن عبد الله التستري " عندما كان " سهل " طفل عنده ثلاث سنوات وقام من نومه فوجد خاله يصلي، فقال له (ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت له : كيف أذكره ؟ قال : قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك (الله معي، الله ناظري، الله شاهدي)، فقلتها لليالي خلت ثم أخبرته فقال لي : قلها سبع، ففعلت ثم أخبرته، قال لي : قلها احدى عشر مرة قبل نومك، فقلتها ودومت على ذلك سنة كاملة، فوقع في قلبي حلاوة، ثم قال لي خالي يوما : يا سهل من كان الله معه، وناظرًا إليه وشاهده، أيعصيه.
معتز شاهين