تأشيرات السعادة
إن الذي دفعني أن أكتب هذه السطور والتي سأوفيها حقها في كتابات آتية إن شاء الله تعالى هو ما لمسته من حرص الكثيرين من أحبابنا وغيرهم على نشدان السعادة لهم، ولمن سيأتي بعدهم من ذريتهم!! في غير مظانها، ومواقعها.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - تربية النفس -
كتبت عدة مقالات عن مفهوم التربية، وبيان حقيقتها، وآثارها، وأنها اليوم المعيار الأوفر حظاً لقياس رقي الأمم، وسعادة الإنسان حتى قال قائلهم: إن وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة، ثم أوضحت بأن التربية التي لم تلبِ مطالب الإنسان، وتشبع رغباته العقلية والروحية والعاطفية والجسدية هي كالطير الذي يريد أن يحلق بجناح واحد، أو بدون جناحين، أو بجناحين مريضين. وفي مجال آخر كتبت عن عوامل النجاح في الحياة وعن السعادة وكيف نظفر بها.
من هنا نقول: إن أي منهج لا يفهم كينونة الإنسان، ومن ثم يشرع له وفق الرؤية المريضة ؛ فلن يحقق له سعادة، ونحن المسلمين نعتقد أن حق التشريع لله تعالى؛ لأنه القائل: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك من الآية:14] {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف من الآية:54] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ} [الأنعام من الآية:57]، والمسألة فيها تفصيل لا يتسع المقال لها.
إن الذي دفعني أن أكتب هذه السطور والتي سأوفيها حقها في كتابات آتية إن شاء الله تعالى هو ما لمسته من حرص الكثيرين من أحبابنا وغيرهم على نشدان السعادة لهم، ولمن سيأتي بعدهم من ذريتهم!! في غير مظانها، ومواقعها. فعلى سبيل المثال منهم من يطلبها في البعد عن دين الله تعالى، زعما منهم أنه دين يحرمهم من متع الحياة، وهؤلاء أرد عليهم بقول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف من الآية:32]. {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون من الآية:51]. {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران من الآية:14].
وقبل أن أسترسل في الموضوع أسجل هاتين الملحوظتين: إن السعادة الدنيوية مباحة ما دامت تُتَناولُ بالطريقة الإنسانية لا الحيوانية، وهي التي أمر بها الدين الإسلامي.
والآمر الآخر هو أن تؤخذ بالضوابط الشرعية التي تبعد المسلم عن الحرام الجلي والخفي (الأمور المشتبهة). إلا أن بعض المستعجلين يريدون قطف الثمار قبل نضوجها، وقبل أن تغسل أو تقشر، أو تطبخ بالطريقة التي تجعلها لذيذة نافعة، والأهم من هذا يجمعونها من دون أن يبالوا أمن الحرام جاءت أم من الحلال.
وكما وعدت، فالتفصيل ليس مجاله الآن لأني مضطر لتوضيح المسألة التي كانت وراء كتابة ما أكتب، وهي أن بعض الأحباب يجد وفق رؤيته القاصرة والمتعجلة، ورسالته الحياتية التي يعتقد بها جهلاً أو تسرعًا في طلب الدنيا أو السعادة له ولأبنائه في السفر إلى بلاد ليست ممثلة في أي مظهر من حياتها، ولا قوانينها، ولا تشريعاتها، ولا قيمها ولا ولا طالبًا فيها الأمان الذي فقده في بلاده أو الثراء الذي يساعده على تحقيق السعادة!! ولذا تجدهم يتهافتون على سفارات الدول التي تمنحهم تأشيرات السعادة!! وربما هم معذورون بعض الشيء بما يعانون من قسوة الحياة في بلادهم، أو البلد المضياف!!
وهذه الدول الكريمة المعطاءة لا تريد الجيل الأول من المهاجرين. إنما تريد الجيل الثاني الذي يسمى بمحمد وأحمد وخالد وعمر، ولكنه يتحول في بلاد السعادة إلى إنسان آخر لا يمت إلى هوية وثقافة أمته بشيء، فمنهم من يتحول إلى يهودي أو نصراني، وما زال يحمل اسم من سماه، وهو المطلوب بالنسبة إلى من يشجع هؤلاء المساكين المضطرين إلى الهجرة. فهم ليسوا (أعني الدول المانحة) سوى متصدقين أذكياء، يعرفون من أين تؤكل الكتف، ولم ولن يكونوا متصدقين لله تعالى!!
إن هناك أمثلة لا تعد ولا تحصى حصلت لهؤلاء المهاجرين الذين ربما حصلوا على الدنيا الفانية، ولكنهم خسروا الباقية. خسروا السعادة الحقيقية خسروا دينهم، ومن ثم خسروا أغلى ما يملكون. مسكين أيها الأب الذي تقود نفسك وذريتك إلى ثقافة الدنيا التي لابد زائلة وزائل من فيها وما فيها تحرص على مستقبلهم! وربما ما كنت تخافهم عليه، قد أوقعهم الله فيه، وربما وربما وربما يحصل لك أو لغيرك ما لا تشتهي، وأنت غافل لاهٍ أو تحت التراب وأنت مسؤول أمام الله تعالى، وقد يبتليك الله بما لا تقدر على تحمله عقوبة لك على ما فرطت، فالابتلاء كما أنه يكون بالنعمة يكون بالنقمة.
لا أريد الاسترسال في هذا الجانب؛ لأن له وقتاً آخر ومكاناً آخر، وإنما أردت أن أقدم نصحي إلى من نحب لهم الخير، ولهم علينا حق النصح والبيان.
ولا بد لي من أن ألتفت إلى من يشجع على هذا أن أقول له: إنك مشارك في الخطأ كما أتوجه سلفاً إلى من سيواجهني بما يلي: إنك لا تعيش كما نعيش! ولا تعاني ما نعاني! فكفى هذا منك. أقول: إن البلاء يتنوع، وإن المحن تصنع الرجال، وإذا أردنا في هذه الفانية أن تكون أسرة الدنيا موطأة تحتنا دائماً، فنحن إذن نعيش في ثقافة الدنيا وتربيتها الزائلتين، لكننا إذا أردنا الآخرة وهي لا تحرمنا من متع الدنيا المباحة فعلينا أن نطلب السعادة ممن يملكها حقًا. والموت يخترم الجميع، والعمل اليوم والحساب والجزاء غدًا، وقد كان من قبلنا يبتلى، فيصبر، فيمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، أو ينشر بالمنشار نصفين، فلا ينصرف عن دين الله أبدًا، ولقد كان بلال رضي الله عنه يوضع في رمضاء مكة، والحجر الكبير على صدره وهو يقول: أحد أحد، وحوصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاث سنين في شعب أبي طالب يأكلون ورق الشجر، فصبر وصبروا، ولكن نحن نريد الجنة، وهي سلعة الله الغالية بلا ثمن ولا جهد ولا مهر، فلا حول ولا قوة إلا بالله. سامح الله من لا يعجبه كلامي وأنا أُنَظِّرُ له، وهو يعتقد أن الإنسان إذا ملأ بطنه، وركب السيارة، ووو.... لا يبتلى بما هو أصعب مما ابتلي به غيره، فالمهم عندي بيان الحق في المسألة على الرغم من أني أعتقد أننا بأعمالنا عامل مهم جدا فيما آل إليه أمرنا.
مالك فيصل الدندشي