من معوِّقات الحِرَاك الاستراتيجي في المؤسسات الخيرية

منذ 2014-03-16

تعتبر حلقة ضعف الثقة بين الإدارة العليا والإدارة التنفيذية من الحلقات الأكثر خطورة في عمل المؤسسات، وهي حلقة متصلة منظمة تدعم كلُّ خطوة فيها الخطوة التي تليها، و يعسر إدراك بدايتها، ولكن يسهل اكتشافها.

حلقة ضعف الثقة:

تعتبر حلقة ضعف الثقة بين الإدارة العليا والإدارة التنفيذية من الحلقات الأكثر خطورة في عمل المؤسسات، وهي حلقة متصلة منظمة تدعم كلُّ خطوة فيها الخطوة التي تليها، و يعسر إدراك بدايتها، ولكن يسهل اكتشافها.

تبدأ الحلقة -نظرياً- من (انعدام ثقة الإدارة العليا) في الإدارة التنفيذية لأسباب (تاريخية، ثقافية)، أو أسباب حقيقية فعلية. يؤدي انعدام الثقة بالضرورة إلى قلة دعم الإدارة التنفيذية: إما بعدم اعتماد بنود التنفيذ، أو التشديد العالي في الاعتماد، أو التشكيك في القدرة التنفيذية أو غيره من المظاهر التي تنتج في ختامها دعماً ضعيفاً للمخططات التنفيذية (مادياً ومعنوياً)، يؤدي الاعتماد الضعيف للبرامج التنفيذية، إلى (إحباط) القائمين على التنفيذ، ويزداد الأمر سوءاً إن تسرب إلى التنفيذيين شعور بعدم ثقة الإدارة العليا بهم، فيزداد الإحباط بالضرورة، ثم يؤدي هذا الأمر إلى (ضعف التنفيذ)، لضعف البرامج المقرَّة مع ضعف الهمم أصالةً بسبب التسريب المتكرر بانعدام الثقة، والمواقف الداعمة إلى تصديق هذا الأمر، فيؤدي ضعف التنفيذ إلى (إضعاف ثقة الإدارة العليا) بالإدارة التنفيذية، فتعتمد حصة أقلَّ من البرامج التنفيذية، وهكذا تستمر حلقة ضعف الثقة في الدوران حتى تقضي على العمل في النهاية. وتنشأ نتيجة لذلك أمور عدَّة، منها -على سبيل المثال-:

1- اتجاه الإدارة العليا -بسبب ضعف ثقتها في الإدارة التنفيذية وتعرُّضها للضغط المستمر من المانحين- إلى التدخُّل المباشر في التنفيذ، أو التنفيذ عبر جهات أخرى في قضايا كان من المفترض أن تنفِّذها الإدارة التنفيذية (ليست قضايا فنية من المقبول أن تنفذها جهات متخصصة)، الأمر الذي يزيد من الإحباط، ومن ثَمَّ ضعف التنفيذ لدى الإدارة التنفيذية، كما أن الجهات القوية التي توكَل إليها مهام حساسة للتنفيذ، لها أدبياتها الخاصة وأهدافها التي قد لا تتواءم بالضرورة مع اتجاه تلك المؤسسة، التي ستحتاج -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى جسم تنفيذي ذي ولاء أكبر.

2- في حال يقظة همَّة المدير التنفيذي، وحرصاً منه على الإنجاز -أيّاً كان الإنجاز- فإنه يتَّجه بالإدارة التنفيذية إلى تنفيذ بعض البرامج والمشروعات الكبيرة المدعومة من جهات أخرى مما لا علاقة له بالإستراتيجية، الأمر الذي يعني في خلاصته: ضعف التوجه بالإستراتيجية المعتمَدة من كل الأطراف، ولربما اعتبرت الإدارة العليا هذا التصرف خروجاً عن النسق المقَرِّ، وانقلاباً على المتفق عليه، فيزداد الأمر سوءاً، ويتعمق ضعف الثقة أكثر فأكثر، فيقود الأمرُ غالباً إلى خيارين:

أولاً: تشديد الرقابة على المدير التنفيذي، فتقل مساحة الحركة عنده، ويتضاعف لديه الشعور بانعدام الثقة، فتحركه همته إلى ترك العمل والبحث عن بيئة منجزة، وبالضرورة تختار الإدارة العليا من تشعر بكمال ولائه لها ليحل محل المدير التنفيذي السابق، أو يبقى المدير التنفيذي في محله خاضعاً للتهديد، ساعياً إلى إزالة أسبابه بزيادة ولائه للإدارة العليا، وقبوله بالوضع على ما هو عليه.

ثانياً: التساهل مع المدير التنفيذي، وإقرار ما ينجزه -لرغبة الإدارة العليا بالطبع في أن تنجزَ الإدارة التنفيذية شيئاً مَّا يرضي المانحين- فتوافق على خططه الطارئة والبديلة، وهو ما يعني خروجَ المؤسسة عن مسارها الذي رسمته، ومن ثَمَّ تكون: حصيلة ضعيفة على المدى الطويل للمؤسسة، وتناقض بين أدبياتها المكتوبة، وثمرة تنفيذها، الأمر الذي يحمل الحصيفين من أصحاب المصلحة الأساسيين (داعمين ومانحين) إلى إعادة النظر في دعمهم لمؤسسة تتناقض أدبياتها مع تنفيذها.

والنتيجة الأخيرة من كلا الخيارين: ضعف في تنفيذ الإستراتيجية الرئيسية.

3- في حال وجود همة عند الأعضاء التنفيذيين، وحرصاً منهم على الإنجاز، فإنهم سيتجهون بدافع الهمة إلى البحث عن بيئات أخرى تسدُّ الحاجة الطبيعية إلى الإنجاز، ويؤدي هذا بالضرورة: إما إلى ترك الأفراد المتميزين للعمل، ويبقى فيها العنصر الضعيف الذي يزيد ضعفه من انعدام ثقة الإدارة العليا في التنفيذ، أو أن يبقى الموظفون المتميزون مع إهمالهم لعملهم غير المحفَّز، والبقاء الصوري في المؤسسة، والإكثار من الإسقاطات، ويزداد الأمر سوءاً مع زيادة تسرُّب الأخبار بانعدام ثقة الإدارة العليا في الإدارة التنفيذية، فيصدق واقع الحال الأخبار المسرَّبة، فيضعف التواصل حول الإستراتيجية، وتقل الحصيلة.

4- أما إن كانت الإدارة التنفيذية بطبعها مستسلمة لتدني الثقة وغياب الدعم من الإدارة العليا، والرضا بالوجود الصوري، فلا يلبث هذا الأمر أن يغري الإدارة العليا بالتفكير الجاد في تغيير الفريق أو تغيير الإستراتيجية إلى التنفيذ عبر الشراكات أو الوحدات الداعمة، وتحويل الإدارة التنفيذية إلى جهاز تنسيقي، إلى حين توفر بدائل أقدر على الإنجاز، وهو ما يتطلب وقتاً لإحداث التناغم المطلوب في طريقة التفكير بين الجهازين، وسيظل الوقت عاملاً حرجاً على الدوام في المسار الإستراتيجي لكل مؤسسة.

كيف نكسر حلقة انعدام الثقة؟

ومع هذا كله، فإن ثمة خبراً يسرُّ، وهو إمكانية كسر حلقة انعدام الثقة هذه، والعودة بالعمل إلى مساره الصحيح، وهذا الأمر تقع مسؤوليته على كِلا الطرفين (الإدارة العليا والتنفيذية) كالتالي:

1- بحث الأسباب الموضوعية لعدم ثقة الإدارة العليا بالتنفيذية: إذ في كثير من الأحيان يظل الاعتماد على الشائع من الثقافة، والمواقف المفردة، مضلِّلاً، وبافتراض كفاءة الإدارة العليا فإن أسباب عدم الثقة تدور حول أمور، منها:

أ- ضعف في فاعلية الإدارة التنفيذية من حيث: القيمُ، طريقةُ التفكير، نمطُ الإدارة، ويعالج هذا الأمر بما يلي:

- الاختيار الجيِّد منذ البدء للإدارة التنفيذية.

- غرس المزيد من القيم المشتركة في المؤسسة: كالمسؤولية، والأمانة، والهمة، والحرص على المستفيدين والشفافية وغيرها، وزيادة معدلات البرامج التي تدعمها: كالتحفيز، والتواصل، وغيرها.

ب- ضعف في كفاءة الإدارة التنفيذية، وتعالَج بما يلي:

- إحكام اختيار الفريق التنفيذي.

- التدريب المستمر للفريق التنفيذي ليرقى إلى مستوى تنفيذ الإستراتيجية.

أما في حال (ضعف كفاءة الإدارة العليا نفسها)، وبساطة أدوات تقييمها للإنجاز، واعتمادها على الانطباعات والمشافهات، بدون معايير مناسبة، فإن الأمر سيتطلب أن تتأهل الإدارة العليا في القيادة بمفهومها الشامل.

2- في حال اقتراح الإستراتيجية من الإدارة التنفيذية -وهو حال معظم المؤسسات- فإنه على الإدارة العليا الالتزام التام بدعم ما أُقرَّ، والاتفاق على حدِّ معقول من التنفيذ، يوازن ما بين بعث التحدي لدى المنفذين ومراعاة إمكاناتهم، ويكون هذا الأمر في جوٍّ من الصراحة والتعاون والتحليل العميق، والإدراك العالي للذات والإمكانات.

3- التزام الإدارة التنفيذية بتنفيذ المُقَر -على قلته- من الإدارة العليا، وتجويد التنفيذ؛ فتعزز النجاحات الصغيرة من ثقة الإدارة العليا في الإدارة التنفيذية، ويلزم هذا بالطبع أن يقود المدير التنفيذي حَراكاً قوياً داخل المنظومة لترقية همَّة العاملين، ويصبر على ضعف المُقَر من الخطط؛ رغبة في تجويده وزيادة الثقة على المدى الطويل في تنفيذ المشروعات الأكبر، وعلى فريق التنفيذ أن يستوعب دوره في تعزيز جوِّ الثقة في المؤسسة.

4- قطع مادة التسريب، وإجراء مقتضيات الشرع في تلقِّي الأخبار وروايتها، وتغليب حُسْن الظن، وتعزيز المحاسبية.

5- تطوير آليات فاعلة لقياس أثر التنفيذ.

6- تعزيز التواصل بين الإدارة العامة والتنفيذية، وعدم الاكتفاء بالعلاقات الآلية التي لا تتجاوز التصورات والتقارير، ومما يمكن طرحه هنا:

- اجتماع شهري لمناقشة التقدم في الإستراتيجية.

- إدارة حلقات معرفية لتدارس التجارب الجيِّدة والاستفادة منها.

- اشتراك الإدارة العليا مع التنفيذية في بعض البرامج التدريبية المهمة؛ إذ إن بيئة التدريب تساعد على اكتشاف الإمكانات، وتعمِّق التواصل.

- اهتمام الإدارة العليا بإنجازات التنفيذين الشخصية والأسرية، كاهتمامهم بإنجازاتهم في التنفيذ.

ولله الأمر وهو المستعان سبحانه. 

 

عاصم بن محمد حسن

المصدر: مجلة البيان
  • 0
  • 0
  • 1,802

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً