بالمدارس .. مسلمو البرازيل يواجهون "ذوبان الهوية"
أبناء الأقلية المسلمة سيخسرون دينهم وثقافتهم ولغتهم إذا لم يدرك آباؤهم أهمية تربية الأجيال الناشئة على مبادئ الإسلام والحفاظ على هويتهم، وتفهم واجباتهم كمسلمين وافدين ومواطنين في البلاد، بهذه الكلمات حذر الداعية البرازيلي حسين علي الصيفي (لبناني الأصل) من ذوبان الهوية الدينية داخل الأقلية المسلمة في البرازيل، فيما أرجع آخرون تلك الظاهرة إلى عدم وجود مؤسسات قوية قادرة على تعزيز الهوية الدينية، وتفريط الآباء في هذه المهمة، ما أدى "إلى انقطاع صلة الأجيال الجديدة بالإسلام كسلوك وممارسة، وهو ما دفع البعض إلى الارتداد عن الإسلام".
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أبناء الأقلية المسلمة سيخسرون دينهم وثقافتهم ولغتهم إذا لم يدرك آباؤهم أهمية تربية الأجيال الناشئة على مبادئ الإسلام والحفاظ على هويتهم، وتفهم واجباتهم كمسلمين وافدين ومواطنين في البلاد.
بهذه الكلمات حذر الداعية البرازيلي حسين علي الصيفي (لبناني الأصل) من ذوبان الهوية الدينية داخل الأقلية المسلمة في البرازيل، فيما أرجع آخرون تلك الظاهرة إلى عدم وجود مؤسسات قوية قادرة على تعزيز الهوية الدينية، وتفريط الآباء في هذه المهمة، ما أدى "إلى انقطاع صلة الأجيال الجديدة بالإسلام كسلوك وممارسة، وهو ما دفع البعض إلى الارتداد عن الإسلام".
وفي محاولة لمواجهة هذه الظاهرة أقبل الكثيرون من مسلمي البرازيل على إلحاق أبنائهم بالمدارس الإسلامية، وكذلك الخاصة التي تسمح بتدريس التربية الدينية، بعكس المدارس الحكومية التي يحظر القانون إدراج أية مقررات دينية في مناهجها التعليمية.
- طالع أيضا:
- "الطفل السعيد".. يرسخ الوجود الإسلامي بالبرازيل.
- رمضان يشهد أضخم حملة تطوعية لمسلمي البرازيل.
وشدد الصيفي في حديث خاص لـ"إسلام أون لاين.نت" على أن "ذوبان أبناء الأقلية المسلمة في المجتمع المحيط وفقدانهم لهويتهم وثقافتهم الإسلامية والعربية أكبر خطر يواجه مسلمي البرازيل".
وأوضح الصيفي الحاصل على الماجستير في أصول الدين من الجامعة الأمريكية المفتوحة بالولايات المتحدة: "الأجيال الجديدة لا يعيشون الإسلام واقعا وسلوكا، بسبب عدم وعي الأسر بأسلوب الحياة الإسلامية الصحيحة، إضافةً لعدم فعالية المؤسسات الإسلامية من المسجد إلى المدرسة في معالجة ذلك".
وفي السياق ذاته قال الصيفي: إن "غالبية أبناء الأقلية الذين يدرسون بالمدارس البرازيلية لا يفهمون معنى العقيدة، ولا يعرفون كيفية الصلاة".
وبنبرة يعلوها الحزن استطرد: "إذا ما تجولت في أنحاء البرازيل وتحدثت بلغتك العربية مع أي من أبناء الجالية المسلمة بها فإنك قلما تسمع جوابا، ولن تجد سببا لذلك سوى أنهم لا يفهمونك ولا يفهمون هذه اللغة التي أضحت غريبة عليهم".
واستثنى من ذلك فقط أبناء الأقلية بالمدن الرئيسية التي توجد بها المراكز الإسلامية وتتعدد فيها الأنشطة التعليمية والتربوية كمدينة سان باولو، وسان برناردو دو كامبو، وبرايس".
وعن إذا ما كانت هذه الظاهرة منحصرة في جيل محدد أجاب الصيفي: "أبناء المهاجرين الأوائل يتحدثون اللغة العربية بصعوبة، ولكن قد يفهمونها، بينما معظم أحفادهم لا يتعاملون بها ولا يفهمونها".
- "ذوبان اختياري": ومتفقا مع الصيفي أرجع الشيخ خالد تقي الدين (مصري)، مدير الشئون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، أسباب تلك الأزمة إلى أن "المهاجرين الأوائل كانوا من التجار، وكانوا يعتقدون أنهم سيمضون فترة قصيرة من الزمن يجمعون بعض الأموال ثم يعودون إلى بلادهم، لذلك لم يعطوا العناية الكاملة لأبنائهم ولم يهتموا بتنشئتهم على الاندماج في المجتمع البرازيلي مع الحفاظ على هويتهم الدينية".
ولهذا نشأت أجيال جديدة صلتها بالإسلام ضعيفة -بحسب تقي الدين- "ونظرا لعدم وجود مؤسسات قوية ترعى وجود الأقليات المسلمة، إضافة لتفريط الآباء، انقطعت صلة هذه الأجيال الجديدة بالإسلام، أو أضحى الإسلام في حياتها يمثل طقوسا يتذكرونها في الزواج وعند الموت فقط".
وفي هذا السياق، لفت الشيخ صادق العثماني (مغربي)، مدير قسم الشئون الدينية والإعلامية بمركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية بالبرازيل إلى أن "ذوبان الهوية الدينية كان الدافع لكثيرين من مسلمي البرازيل إلى الارتداد عن الإسلام واعتناق المسيحية"، مضيفا في أسى: "بل إن بعض المرتدين عن الإسلام أصبحوا قساوسة".
الدكتور محمد القاسم الرهيدي، المدير الأكاديمي للمعهد اللاتيني الأمريكي للدراسات الإسلامية في البرازيل، وصف تلك الظاهرة بـ"الذوبان الاختياري" للأقلية، داعيا المراكز الإسلامية إلى التنبه لـ"ذلك الخطر الذي يهدد وجود الأقلية المسلمة".
- "صحوة جديدة": ذلك الواقع المؤلم لم يخل من بعض الأمل، بحسب ما أكده الشيخ تقي الدين، بقوله: "توجد الآن صحوة جديدة تسري في أوساط الأقلية لمواجهة هذا التحدي"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أنه "يجب التنبه إلى أن ما تسببت فيه عشرات ال?نين من الذوبان لن يصلح بين عشية وضحاها".
وفي هذا السياق قال الصيفي: "أسر الأقلية تبذل مساعي وجهودا للحفاظ على أبنائها بعد أن أدركت الخطر المحيط بها"، مشيرا إلى حرص كثير من هذه الأسر على إرسال أبنائها إلى المدارس الإسلامية.
وأضاف: "ونظرا لوجود مدرسة إسلامية واحدة فقط في مدينة سان باولو؛ فإن كثيرا من الأسر في المدن الأخرى أخذت ترسل أبناءها إلى المساجد، لتلقي العلوم الإسلامية والعربية".
ومضى الصيفي قائلا: "المراكز الإسلامية والمؤسسات والجمعيات تحرص على إقامة دورات تعليمية وتثقيفية"، غير أنه لفت إلى وجود صعوبات في هذا الشأن نظرا "لاتساع مساحة البرازيل وانتشار الأقلية في جميع أنحائها، الأمر الذي جعل العمل صعبا وغير كاف".
وأشار إلى أن لديهم تجربة ناجحة في هذا، بقوله: "بدأنا هذا العام في تنفيذ برنامج ثقافي ترفيهي أسبوعي لأبناء الجالية بمدينة ساو باولو بمركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية خلال عطلة نهاية الأسبوع لتعليمهم العلوم الإسلامية واللغة العربية؛ بجانب أنشطة ترفيهية أخرى".
- المدارس الإسلامية: واعتبر أن أنجح تجربة للأقلية المسلمة لإنقاذ الهوية الدينية من الذوبان تمثل في بناء المدرسة الإسلامية البرازيلية الوحيدة بمنطقة فيلا ريكا في مدينة ساو باولو، والتي يتعلم فيها حاليا أكثر من 300 من الطلبة والطالبات المسلمين بجانب طلاب برازيليين من غير المسلمين.
وعن الأثر الطيب الذي تتركه هذه المدرسة على الطلاب وآبائهم قال الصيفي، الذي يدرس كل من ابنه (4 سنوات) وابنته (5 سنوات) بالمدرسة: "أكثر ما يقر عيني عندما أرى البسمة وهي ترتسم على وجهيهما وهما يتوجهان إلى المدرسة، وترتاح نفسي ويطمئن قلبي عندما أسمعهما يتحدثان عن أصحابهما بالمدرسة".
وأشار الشيخ تقي الدين الذي درس بهذه المدرسة قبل نحو أربعة أعوام إلى أنها "تتبع الجمعية الخيرية الإسلامية بساو باولو، وتم إنشاؤها عام 1966م في عهد الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل مبعوث وزارة الأوقاف المصرية".
وأوضح أنها "تدرس منهج اللغة العربية والدين الإسلامي داخل فترة الدوام الرسمي، والمناهج معترف بها من قبل وزارة التعليم البرازيلية".
وفي سياق تأكيده على أهمية الدور الذي تلعبه المدرسة في ترسيخ الهوية الإسلامية لأبناء الجالية لفت تقي الدين إلى أن "رؤية الطلاب للمدرسات المحجبات، ومشاهدتهم المشايخ والدعاة أثناء زياراتهم المتتالية للمدرسة، إضافة لصلاتهم الظهر يوميا جماعة بمسجد المدرسة، ومشاركتهم في الاحتفالات الإسلامية التي تنظمها المدرسة في المناسبات المختلفة، كل ذلك يترك أثر إيجابيا على أبنائنا، ويحفر في ذاكرتهم معاني طيبة وجليلة".
وعلى صعيد متصل أشار الصيفي إلى تجربة أخرى للأقلية المسلمة قبل خمس سنوات لتعليم أبنائها الإسلام واللغة العربية من خلال المدارس الخاصة، موضحا: "القانون يجيز فقط للمدارس الخاصة تعليم المناهج الدينية لأتباع الديانات المختلفة، ما دفع الأقلية المسلمة بمدينة ساو باولو إلى الاتفاق مع إدارة مدرسة تسمى (بارون دي موا)، على أن نأتي لها بالطلاب المسلمين، وهي بدورها تضيف لهم حصتين، واحدة للعربية وأخرى للدين الإسلامي، ونحضر لهم مدرسين مسلمين يتولون مهمة التدريس".
ولا توجد إحصائية رسمية عن عدد المسلمين في البرازيل، فيما تتفاوت التقديرات بشدة في عددهم، وبينما تقول تقديرات حكومية إن عدد معتنقي الديانات الأخرى غير المسيحية في البرازيل يشكلون 1% من عدد السكان البالغ 190 مليون نسمة، فإن تقديرات داخل الأوساط الإسلامية تشير إلى بلوغ عدد المسلمين 200 ألف نسمة.