عطف الخاص على العام
من المباحث القرآنية التي يتطرَّق إليها المفسِّرون في أثناء تفسيرهم لكتاب الله العزيز؛ بحث ما يُسمَّى بعطف اللفظ الخاص على اللفظ العام، وذلك أن يكون اللفظ الخاص مندرِجًا في اللفظ العام، لكن يُعطَف عليه اللفظ الخاص لغرض التنبيه عليها، أو لاعتبار ذي بال.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
من المباحث القرآنية التي يتطرَّق إليها المفسِّرون في أثناء تفسيرهم لكتاب الله العزيز؛ بحث ما يُسمَّى بعطف اللفظ الخاص على اللفظ العام، وذلك أن يكون اللفظ الخاص مندرِجًا في اللفظ العام، لكن يُعطَف عليه اللفظ الخاص لغرض التنبيه عليها، أو لاعتبار ذي بال.
الغرض من هذا العطف
يذكر أهل العلم أن عطف اللفظ الخاص على اللفظ العام يكون بغرض بيان الاهتمام بهذا المعطوف عطفًا خاصًا، وعباراتهم في ذلك وِفق التالي:
قال ابن المنير: "عطف الخاص على العام يؤذن بمزيد اعتناء بالخاص لا محالة، إذا اقتصر على بعض متناولات العام؛ لأن الاقتصار على تخصيص ما يُفرد بالذكر يفيده تمييزًا عن غيره من بقية المتناولات".
وقال السيوطي: "فائدته التنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنس العام، تنزيلًا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات".
وقال ابن عاشور مبينًا الغرض من هذا العطف: "وعطف الخاص على العام اهتمامًا به كثير في الكلام".
وقد ذكر أبو حيان: "أن هذا النوع من العطف -أعني عطف الخاص على العام- هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف". وحكى عن شيخه ابن الزبير أنه كان يقول: "هذا العطف يُسمَّى بالتجريد، كأنه جُرِّد من الجملة، وأُفرِد بالذكر تفضيلًا".
ومن الأحكام التي قرَّرها العلماء في هذا الصدد؛ أن اللفظ الخاص لا يقيد عموم العام، قال ابن العربي: "إذا كان أول الخطاب لفظًا عامًا فما عُطِف عليه بلفظ الخصوص، لا يوجب تخصيص عموم اللفظ؛ وذلك نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة من الآية:228]، وهو عموم في المطلقة ثلاثًا وما دونها، ثم عطف قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة من الآية:231]، وقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ} [البقرة من الآية:228]، وهذا الحكم خاص في المطلِّق لما دون الثلاث، ولم يوجب ذلك تخصيص عموم اللفظ في إيجاب ثلاثة قروء من العِدَّة على جميعهن".
أمثلة على هذا العطف من القرآن
المثال القرآني الأبرز في باب عطف الخاص على العام قوله عز وجل: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة:98]، فقوله سبحانه: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} عطف على (الملائكة) من باب عطف الخاص على العام؛ وذلك أن جبريل وميكال من جملة عموم الملائكة. وخص جبريل بالذكر ردًا على اليهود في دعوى عداوته، وضُمَّ إليه ميكال؛ لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد، كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح.
ومن هذا الباب أيضًا الأمثلة القرآنية التالية:
قوله عز وجل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47]، عَطْفُ (التفضيل) على (النعمة)، هو من عطف الخاص على العام؛ لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور.
قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} [البقرة من الآية:185]، عطف قوله: {وَبَيِّنَاتٍ}، على {هُدًى}، هو من عطف الخاص على العام؛ لأن (الهدى) منه خفي ومنه جلي، فنص بـ (البينات) على الجلي من الهدى؛ لأن القرآن مشتمِل على المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، فذكر عليه أشرف أنواعه، وهو الذي يتبين الحلال والحرام والموعظة.
قال السمين الحلبي معلِّلًا الغرض من هذا العطف: "لأن الهدى يكون بالأشياء الخفية والجلية، والبينات من الأشياء الجلية".
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ} [الأنعام من الآية:99]، قراءة الجمهور بكسر التاء {وَجَنَّاتٍ} عطفًا على قوله: {نَبَاتَ} وهو من عطف الخاص على العام؛ تشريفًا لهذين الجنسين على غيرهما.
قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ} [البقرة من الآية:169]، من عطف الخاص على العام؛ لأن (السوء) أعم يشمل جميع المعاصي، {وَالْفَحْشَاءِ} أقبح المعاصي.
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة من الآية:189]، قال العلماء: "عطف (الحج) على (الناس) من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقت لجاء الناس للحج متخالفين، فلم يحصل المقصود من اجتماعهم، ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم وحلولهم بمكة وأسواقها، بخلاف الصلاة فليست موقتة بالأهِلَّة، وبخلاف الصوم فإن توقيته بالهلال تكميلي له؛ لأنه عبادة مقصورة على الذات، فلو جاء بها المنفرد لحصل المقصد الشرعي، ولكن شرع فيه توحيد الوقت؛ ليكون أخف على المكلفين، فإن الصعب يخف بالاجتماع، وليكون حالهم في تلك المدة متماثلًا، فلا يشق أحد على آخر في اختلاف أوقات الأكل والنوم ونحوهما".
قوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} (البقرة:231)، قوله: {وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} من باب عطف الخاص على العام؛ لأن (الكتاب) و(السنة) من أفراد النعمة الإلهية.
قوله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران من الآية:104]، قيل: أريد بـ {الْخَيْرِ} ما يشمل جميع الخيرات، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به.
قوله عز وجل: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} [النساء من الآية:30]، عطف قوله: {وَظُلْمًا} على {عُدْوَانًا} من عطف الخاص على العام.
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة من الآية:93]، (التقوى) امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، فَعَطْفُ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} على {اتَّقَوْا} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به؛ ولأن اجتناب المنهيات أسبق تبادرًا إلى الأفهام في لفظ (التقوى) لأنها مشتقة من التوقي والكف. وأما عطف {وَآمَنُوا} على {اتَّقَوْا} فهو اعتراض؛ للإشارة إلى أن (الإيمان) هو أصل (التقوى).
قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ} [الأنعام من الآية:19]، فقوله سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ} عطف على جملة {اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، وهو الأهم فيما أقسم عليه من إثبات الرسالة، وينطوي في ذلك جميع ما أبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أقامه من الدلائل، فعطف {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ} من عطف الخاص على العام.
قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ} [الأعراف من الآية:33]، عطف {الْبَغْيَ} على {الْإِثْمَ} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به؛ لأن {الْبَغْيَ} كان دأبهم في الجاهلية.
قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الأعراف من الآية:170]، عطف (إقامة الصلاة) على (التمسك بالكتاب) من باب عطف الخاص على العام، مع أن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب، لكن خُصت بالذكر؛ إظهارًا لمرتبتها لكونها عماد الدين.
قوله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال من الآية:60]، عطف {رِبَاطِ الْخَيْلِ} على (القوة) من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بذلك الخاص؛ إذ الخيل كانت ركيزة أساسية في مواجهة العدو.
قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} [يونس من الآية:61]، عطف {وَمَا تَتْلُو} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، فإن التلاوة أهم شؤون الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله سبحانه: {وَلَهُ مَن.ْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء من الآية:19]، فقوله تعالى: {وَمَنْ عِندَهُ} يجوز أن يكون معطوفًا على {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فيكون من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، ووجه الاهتمام ظاهر. ويجوز أن يكون {وَمَنْ عِندَهُ} مبتدأ، وجملة لا يستكبرون عن عبادته خبرًا.
قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء من الآية:73]، عَطْفُ {الصَّلاةِ} و{الزَّكَاةِ} على {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} من باب عطف الخاص على العام؛ فإنهما من {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}، وخصهما بالذكر؛ لفضلهما، ورفعة مرتبتهما.
قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور من الآية:37ِ]، قوله سبحانه: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} هذا من عطف الخاص على العام؛ إذ أن إقامة الصلاة من جملة ذكر الله؛ أفردها بالذكر تبيانًا لمكانتها في الدين.
قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب من الآية:7]، فعل الرغم من دخول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام في جملة النبيين، إلا أنه خُصُّوا بالذكر من عموم الأنبياء؛ لأنهم مشاهير أصحاب الشرائع، وأولو العزم من الرسل. وقُدِّم نبينا صلى الله عليه وسلم تعظيمًا له.
قوله عز وجل: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:42]، يجوز أن يكون المأمور به من (التسبيح) قول: سبحان الله، فيكون عطف {وَسَبِّحُوهُ} على {اذْكُرُوا اللَّهَ} [الأحزاب من الآية:41] من عطف الخاص على العام؛ اهتمامًا بالخاص؛ لأن معنى (التسبيح) التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص، فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتمجيد.
قوله تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم من الآية:8]، عطف {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} على {بِالْحَقِّ}، عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، وبيان أن أجل كل شيء بيده سبحانه وتعالى.
قوله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد من الآية:26]، فالآية عَطْفٌ على سابقتها، وهي قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد من الآية:25] عطف الخاص على العام، لِمَا أريد تفصيل لإجماله تفصيلًا يسجل به انحراف المشركين من العرب والضالين من اليهود عن مناهج أبويهما: نوح وإبراهيم عليهما السلام.
قوله سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة من الآية:11]، العلماء من المؤمنين خاصة، وعلى ذلك يكون العطف من عطف الخاص على العام؛ تعظيمًا للعلماء بحسبانهم، كأنهم جنس آخر.
قوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن من الآية:16]، عطف {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} على {فَاتَّقُوا اللَّهَ} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، ولأن (التقوى) تتبادر في ترك المنهيات، فإنها مشتقة من (وقى).
قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ} [القلم:10]، عطف على قوله سبحانه {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} وهو من عطف الخاص على العام؛ ذمًّا للذين يَصِلون إلى تحقيق مآربهم بالحلف الكاذب.
قوله سبحانه: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر من الآية:3]، عَطَفَ على (عمل الصالحات) التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وإن كان ذلك من عمل الصالحات، عَطْفَ الخاص على العام؛ للاهتمام به؛ لأنه قد يُغفل عنه، يُظن أن العمل الصالح هو ما أثره عمل المرء في خاصته، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشاد المسلم غيره، ودعوته إلى الحق، ف (التواصي بالحق) يشمل تعليم حقائق الهدي، وعقائد الصواب، وترويض النفس على فهمها بفعل المعروف وترك المنكر.
و(التواصي بالصبر) عَطْفٌ على (التواصي بالحق) عَطْفُ الخاص على العام أيضًا؛ لأن الصبر تحمل مشقة إقامة الحق، وما يعترَّض المسلم من أذى في نفسه في إقامة بعض الحق.
قوله عز وجل: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن:4]، عطف الخاص على العام في قوله: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ثم عطف ما هو أخص من الخاص، وهو حديث النفس، الذي لا يُعبِّر عنه الإنسان بكلام، أو إشارة، أو بيان ما.
قوله عز وجل: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج م الآية:4]، من باب عطف الخاص على العام، إن أريد بالروح جبريل عليه السلام، أو ملك آخر من جنسهم.
قوله تعالى: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النبأ:21]، عطف (الأعناب) على (الحدائق) من عطف الخاص على العام، الذي يدل على تعظيم حال تلك الأعناب.
والأمثلة على هذا العطف كثيرة في القرآن الكريم، لا تخفى على من تتبعها، وعلم قاعدتها والغرض منها.