تعلَّم قبل أن تَنْطِق!

منذ 2014-03-17

مما عمَّ وانتشر في المجتمعات؛ إدلاء كل متكلم بدلوه في مدمار الفتوى والكلام عن الشرع، باعتبار أن الكل من حقه أن يتكلم عن دينه... وهي كلمة حق أُرِيدَ بها باطل!

بسم الله الرحمن الرحيم

مما عمَّ وانتشر في المجتمعات؛ إدلاء كل متكلم بدلوه في مدمار الفتوى والكلام عن الشرع، باعتبار أن الكل من حقه أن يتكلم عن دينه... وهي كلمة حق أُرِيدَ بها باطل!

فالكل من حقه أن يتكلم عن دينه؛ بل واجب عليه في بعض الأحيان أن يتكلم وينصح ويدعو ولكن بشرطه الأساسي:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]،
أن تتوفر البصيرة القائمة على العلم، ويقين الصواب. أما في حال الجهل، وانعدام الدليل؛ فالصمت هو المطلوب بل هو الواجب.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات:

"يقول [الله] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين -الإنس والجن- آمرًا له أن يُخبِر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرةٍ من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرةٍ ويقين وبرهان شرعي وعقلي" أ هـ (من تفسير القرآن العظيم).

يسأل سائل: هل هذه دعوة إلى الصمت؟

والإجابة:

أن هذه ليست دعوة إلى الصمت؛ وإنما هي دعوة للتسلُّح بالعلم قبل النطق بكلمة، وقبل العمل. فالعمل لا يقبل حتى يكون صوابًا، وتصويب العمل أن يكون موافقًا للشرع ولن يتأتى هذا دون علم صحيح.

ما حكم العلم الشرعي؟

يقول العلامة الراحل محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"طلب العلم الشرعي فرض كفاية، إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجبًا على الإنسان عينًا أي فرض عين، وضابطه أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعرف كيف يتعبدّ لله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة، وما عدا ذلك من العلم ففرض كفاية وينبغي لطالب العلم أن يُشعِر نفسه أنه قائم بفرض كفاية حال طلبه ليحصل له ثواب فاعل الفرض مع التحصيل العلمي.

ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس....

فهذه ثلاثة أمور كلها تُِّحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم.

أولًا: بدع بدأت تظهر شرورها.
ثانيًا: أناس يتطلَّعون إلى الإفتاء بغير علم.
ثالثًا: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم؛ لكن يأتي من يجادل فيها بغير علم.

فمن أجل ذلك؛ فنحن في ضرورة إلى أهل علم عندهم رسوخ وسعة اطلاع، وعندهم فقه في دين الله، وعندهم حكمة في توجيه عباد الله لأن كثيرًا من الناس الآن يحصلون على علمٍ نظري في مسألة من المسائل ولا يهمهم النظر إلى إصلاح الخلق وإلى تربيتهم، وأنهم إذا أفتوا بكذا وكذا صار وسيلة إلى شر أكبر لا يعلم مداه إلا الله" أ هـ.
خطر الكلام بغير علم:
قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل:16-17].

قال ابن كثير رحمه الله: "{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [له] فيها مستند شرعي، أو حلَّل شيئًا مما حرَّم الله، أو حرَّم شيئًا مما أباح الله بمجرَّد رأيه وتشهيه".

و"مَا" في قوله: {لِمَا} مصدرية، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم.

ثم توعَّد على ذلك فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} أي: في الدنيا ولا في الآخرة. أما في الدنيا فمتاع قليل، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم.

قال الله جل جلاله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].

يتجرأ بعضهم على الفتيا والكلام في الدين بجهل ولو سألتُه عن مسألةٍ من مسائلِ الطهارةِ لتورّع أن يتحدّثَ فيها! أو حتى لم يعلم ما يقول!

ثمّ تجده في مسائل الولاء والبراء، والجهادِ والبيعة والإمامة، يتحدّث كأنما قد قرأ السنةَ كلها، وما -والله- قرأ عُشْر مِعشارِها!

ولا يظننٌَّ أنه لو قرأ حديثًا في مسألةٍ أنه يتحدثُ فيهِ من فورِه!

فإنه لا يدري هل هذا حديثٌ عامٌ جاءَ ما يُخصّصه، أو مطلقٌ جاءَ ما يُقيّدهُ في قضيّةٍ معيّنة، وكذا في كلام الله ربّ العالمين، فإنَّ النصَّ الشرعيَ لا يؤخذ على حدة؛ بل يُجمَعُ بينَ نُصوصِ الشارعِ ويُعرفُ المُرادُ من كلَِّ نصِّ!

وإنَّ بعضًا قد أطاعوا وصيّة إبليس! في الكلام على الله بغيرِ علم، وقد حذّر ربنا تعالى من ذلِكَ فقال سبحانه: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:169].

قالَ ابن مسعود رضي الله عنه: "من عَلِمَ فليقلْ، ومَنْ لمْ يعلمْ فليقلِ: الله أعلم؛ فإن من العلمِ أن يقولَ لِمَا لا يَعلمُ: لا أعلم" (أخرجه البخاريّ)، قالَ ابن حجر: "أي أن تمييز المعلومِ من المجهولِ نوعٌ من العلمِ".

اللهم علِّمْنا ما ينفعنا...
 

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 0
  • 0
  • 6,469

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً