مأزق الإعلام الإسلامي
لقد غفل الكثير من أبناء الحركة الإسلامية عن أهمية الإعلام السياسي والإخباري في خدمة القضية الإسلامية وتركوا المجال واسعا للعلمانيين وهو ما جعلهم يظهرون أكثر تأثيرًا على قطاعات شعبية كانت دومًا أقرب للتيار الإسلامي.
الأزمات المتلاحقة التي يتعرض لها الإسلاميون في البلاد العربية كشفت ضمن ما كشفت عن قصور شديد في منظومة الإعلام الذي يدعم القضية الإسلامية في مواجهة الإعلام المناوئ والذي يعتبر ورقة الضغط التي يستخدمها أعداؤهم في تشويههم وتقديم صورة غريبة الأطوار عن التيار الإسلامي وأفكاره ومنهجه ورؤيته للحياة وعلاقتها بالآخرة.
لقد شن الإعلام العلماني المدفوع من جهات مختلفة حملة شعواء على التيار الإسلامي طوال أكثر من عامين استخدم فيها كل ما أوتي من كذب وتضليل وتلفيق وإعادة لسرد أحداث قديمة وتناولها بشكل جديد ومزيف واستدعاء شهود زور لكي يحكموا حلقات المؤامرة، كما تم استخدام الدراما التي تلقى قبولًا في قطاعات واسعة من الشعب لكي يتم تقديم الشخصية الإسلامية على أنها شخصية عنيفة ضحلة الثقافة متجهمة شهوانية عدوانية منتفعة لا يهمها مصالح الفقراء والبسطاء مزدوجة المعايير، بينما يتم تقديم الشخصية العلمانية غير المتدينة بشكل براق عظيم الثقافة والتفتح والشعور بالآخر ومساعدة الفقراء والتضحية في سبيل فكرتها وما تؤمن به..
تم تقديم ذلك في عدة أعمال مؤخرًا وبشكل سافر وصل للاعتداء على ثوابت دينية لتمرير أفكار علمانية تزعم الثورة على الاستبداد والظلم بينما هي الآن تضطهد وتقتل المتدينين خلال أداء الصلاة. هذا الزيف الإعلامي الذي تطفح به عشرات الفضائيات العلمانية المدعومة من جهات مشبوهة ويتم إنفاق الملايين عليها أصبح أحد التحديات الكبرى التي ينبغي على التيار الإسلامي مواجهتها بعد تجاوزها جميع الحدود المتعارف عليها إعلاميا ووصولها إلى المجاهرة بالعداء ليس فقط للتيارات الإسلامية ولكن للإسلام نفسه؛ فأصبح الهجوم على الحجاب واللحية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة والاستهزاء بالمنتقبات وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدح العاريات والراقصات وتفضيلهم على الحرائر العفيفات، أصبحت هذه الأمور منتشرة كالنار في الهشيم ولا تكاد وسط هذا الركام تجد من يدافع أو ينتقد بعد إغلاق عدد كبير من القنوات الدينية وإفساح المجال لدعاة الشيطان للعبث بعقول الناس ووضع السم في العسل عن طريق استخدام بعض الصوفية أو الدعاة الجدد الذين نزلوا على الدعوة من حيث لا يدري أحد حيث يعرضون معلومات مبتورة وقصصا موضوعة لتحسين صورة الإعلام الكاذب الذي يدفع لهم.
لم يستنكر أحد من (دعاة الحرية") ومن الناقمين على الإعلام الإسلامي الذين كانوا يزعمون أنه لا يؤمن بالحرية ويريد منعهم من الإدلاء بآرائهم، لم يستنكروا إغلاق القنوات الدينية بل استنكروا إغلاق قنوات الرقص فقط! ولو أغلقت قنوات الأفلام والمسلسلات لقامت الدنيا ولم تقعد على من يغلق قنوات (الفن والإبداع)! أما وقد أغلقت قنوات الدين والفضيلة فلسان حالهم يقول: "إلى الجحيم".
كل هذا وغيره لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن قصور في الإعلام الإسلامي بشكل واضح حتى قبل أن يتم إغلاق الكثير من قنواته. لقد اهتم رأس المال الإسلامي بإنشاء قنوات دينية لتعريف الناس بأمور دينها وأتى بالدعاة المعروفين لكي يقوموا بهذا الدور، ولكن ومع تطور الأحداث ونزول التيار الإسلامي معترك السياسة أصبح نفس الدعاة بنفس الأساليب هم من يتصدون للحديث عن الشأن السياسي وإذا كان البعض منهم يستطيع فالأكثرية ليس عندها إلمام كافي، كما أن الأمر كان يحتاج مجموعة من المتخصصين أصحاب الخبرة المهنية للاستفادة من أفكارهم في هذا المجال؛ فالداعية الإسلامي الذي يتكلم في أمور الفقه والعقيدة ليس بالضرورة يفهم في أمور السياسة والحكم وألاعيب العلمانيين وكيفية التصدي لها، وهو ما أتاح للإعلام العلماني التفوق في نسبة المشاهدة خصوصًا أنه يقدم أمورًا ترفيهية تجذب كثير من المشاهدين له. كان من المفترض وجود قنوات سياسية إسلامية متخصصة تستفيد من تجارب الآخرين وتتقدم بالمزيد عن طريق بث برامج مختلفة ومتنوعة بعيدا عن الوعظ والنصائح المباشرة.
لقد غفل الكثير من أبناء الحركة الإسلامية عن أهمية الإعلام السياسي والإخباري في خدمة القضية الإسلامية وتركوا المجال واسعا للعلمانيين وهو ما جعلهم يظهرون أكثر تأثيرًا على قطاعات شعبية كانت دومًا أقرب للتيار الإسلامي.
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: