{اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هواه}
اتباع الهوى؛ من أكبر الآفات التي تنأى بالعبد عن طريق الرحمن سبحانه، وتُبعِده عن صراطه المستقيم، وتُقرِّبه لسبيل الشيطان ودروبه. ومن أكبر ما يُسبِّب الفتن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل عبر التاريخ الإنساني؛ اتباع المرء هواه وعبادته للهوى من دون الله، اتباعًا لشهوات النفس، واستصعابًا لسبيل الحق، واستسهالًا للباطل...
بسم الله الرحمن الرحيم
اتباع الهوى؛ من أكبر الآفات التي تنأى بالعبد عن طريق الرحمن سبحانه، وتُبعِده عن صراطه المستقيم، وتُقرِّبه لسبيل الشيطان ودروبه.
ومن أكبر ما يُسبِّب الفتن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل عبر التاريخ الإنساني؛ اتباع المرء هواه وعبادته للهوى من دون الله، اتباعًا لشهوات النفس، واستصعابًا لسبيل الحق، واستسهالًا للباطل.
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ} أي: إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسنًا فعله، ومهما رآه قبيحًا تركه: وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين. وعن مالك بن أنس رحمه الله فيما روي عنه من التفسير: لا يهوى شيئًا إلا عبده.
وقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ} يحتمل قولين:
أحدهما: وأضلَّه الله لعلمه أنه يستحق ذلك. والآخر: وأضلَّه الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه. والثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس.
{وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي: فلا يسمع ما ينفعه، ولا يعي شيئًا يهتدي به، ولا يرى حجة يستضيء بها؛ ولهذا قال: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} كقوله: {مَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف:186]"اهـ (من تفسير ابن كثير).
واتباع الهوى نتيجة حتمية لتشرُّب الفتن، وتقبُّل الشهوات، والتشرُّف للشبهات، لذا؛ أغلق الشرع وسدَّ باب الذرائع التي تؤدي للوقوع في الفتن والمحرَّمات والبدع والشركيات.
فحرَّم النظرة التي تجرُّ للزنى، وحرَّم الخضوع بالقول ولمس المرأة الذي نهايته الحرام، وحرَّم اتخاذ القبور مساجد لأن نهايته الشرك بالله... وهكذا سدَّ الشرع على المسلم كل ذريعة لشر حفاظًا على قلبه وعقيدته.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر من داء اتباع الهوى، وأخبرنا محذِّرًا عن سبيل منتهاه قلوب لا تعرف معروفًا، ولا تُنكِر مُنكَرًا إلا ما أُشرِبَ من هواها.. تلك القلوب بدأت بالتعرُّض للفتن، وانتهت بعبادة الهوى عياذًا بالله.
أخرج مسلم في صحيحه قال: قَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «
»".وليُعلَم أن سفر الدار الآخرة، والسير إلى الله تبارَكَ وتعالى يُقطَع بالقلوب لا بالأقدام:
قطع المسافة بالقلوب إليه لا *** بالسير فوق مقاعد الركبان
فيحرص كل مِنَّا على سلامة قلبه إلى أن يلقى الله به سليمًا، ولا يكون هذا إلا بالتعلُّق بالله، وسؤاله سلامة القلب، والثبات على سبيله وصراطه المستقيم، ومن أولى أسباب الثبات الحرص على تخليص النية من الشرك الأكبر والأصغر، وتصفية العمل من البدع والأخطاء، ويتحصل هذا باتباع الحق وعرض القلوب والأعمال على ميزان الشرع المطهر كتابًا وسنة.
أبو الهيثم محمد درويش
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: