اليتيم في القرآن الكريم
إبراهيم بن محمد الحقيل
قال أبو ذَرٍ رضي الله عنه: "تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ في الْهَوَاءِ إِلا وهو يُذَكِّرُنَا منه عِلْمًا"....
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الحمد لله الحليم العليم، البَرُّ الرحيم؛ كتب الإحسان على كل شيء، وأعطى كل ذي حق حقه. بأمره قامت السموات والأرض، وبرحمته وحكمته وعدله استقامت أحوال الخلق، فلا دوام لظالم في ظلمه، ولا يخلد الضعيف في ضعفه، بل تتقلَّب الأقدار بالعباد من حال إلى حال، بأمر العزيز الجبار سبحانه وتعالى، نحمده على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، ونشكره على ما لطف في الأقدار، وما رفع من المِحن والأخطار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ عاش يتيمًا فعرف لوعة الأيتام، وذاق في طفولته ألم الحرمان؛ فكان رفيقًا بالضعفاء من النساء والأطفال، رحيمًا بالأرامل والأيتام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا بدينه كله ولا تُفرِّقوه، وتمسكوا بحبله ولا تفلِتوه، واعملوا بكتابه ولا تجزئوه؛ فإن الله تعالى ما ترك في كتابه ودينه شيئًا مما تحتاجون إليه إلا بينه لكم: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل من الآية:89].
وقال أبو ذَرٍ رضي الله عنه: "تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ في الْهَوَاءِ إِلا وهو يُذَكِّرُنَا منه عِلْمًا".
أيها الناس: من خطر له أمر من الأمور التي تهم الناس في معاشهم أو معادهم، وطرأ عليه أن يبحث في القرآن لعله يجد فيه شيئًا عنه، فإنه يعجب حين يجد فيه ما يريد، وزيادة على ما يريد مما لم يطرأ عليه. وهذا من إعجاز القرآن، أنه دل على العلوم كلها، وحوى الحقوق والواجبات، وبين العقائد والعبادات والمعاملات، مع ما فيه من القصص والأخبار، والسلوك والأخلاق، وغير ذلك من العلوم والمعارف.
وفي مجال حقوق اليتيم نجد أن الاتفاقيات الدولية رغم أنها صدعت الرؤوس بكثرة الإعلانات والمواثيق المتعلقة بحقوق الطفولة لم تول عناية كبيرة باليتيم، ولم يذكر حقه إلا في إعلان جنيف حيث نص في مادته الثانية على وجوب إيواء وإنقاذ اليتامى، وأما إعلانات حقوق الطفل فليس فيها شيء يختص باليتامى، مع أن هذه الإعلانات والمواثيق عُدِّلَت وطُوِّرت وأقرت في أوج تطور الحضارة والمدنية واهتمامها بتدوين الحقوق، ووضع القوانين.
في مقابل ذلك؛ نجد عشرات النصوص من الكتاب والسنة تعرض لليتامى، وتُبيِّن حقوقهم، وتُلزِم المجتمع برعايتهم، وتأتي على الدقيق مما يجب لهم، وفي القرآن فقط ذكر اليتيم وحقه في ثلاث وعشرين موضِعًا، عدا ما في السنة من عشرات الأحاديث في ذلك.
وحين يكفل المؤمن يتيما فإنه يتذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام ذاق اليتم مثله، ويؤمر بعدم قهره {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6]، يقابلها: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى:9]. وهي تسلية لليتامى، وإغراء لكافليهم بأنهم يكفلون من عاشوا طفولتهم عيشة النبي عليه الصلاة والسلام فلا يؤذونهم ولا يقهرونهم.
وقهر اليتيم بقول أو فعل ليس من أخلاق المؤمنين، بل هو من أخلاق المكذبين {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:1- 2]، وهذه الآية تجعل الراعين لليتامى على حذر شديد من دعهم، وهو دفعهم وقهرهم، فالقرآن بهذا الزجر يقطع الطريق على من يستضعف اليتيم لعدم وجود مدافع عنه، فالله تعالى يتولى الدفاع عنه، {وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا} [النساء من الآية:45].
ولا تقتصر الآيات القرآنية على رفض تعنيف اليتيم وقهره وأذيته، بل تدعو إلى إكرامه بالقول الطيب والمعاملة الحسنة، وتذم من لا يفعلون ذلك به {كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ} [الفجر:17].
وأكثر شيء يؤذى فيه اليتيم، ويتكرَّر وقوعه في الناس هو أكل ماله؛ لأنه صغير لا يعرف حفظه ولا الدفاع عن حقه، ولا منع المعتدي عليه؛ ولذا كُرِّر في القرآن النهي عن العبث في مال اليتيم، أو المخاطرة به، وعبر عن النهي بأبلغ عبارة، وهي النهي عن قربانه {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام من الآية:152].
وهذه الآية جاءت في حفظ الحقوق في سورتي الأنعام والإسراء، في جملة من الأوامر والنواهي. فلا يقترب من مال اليتيم بأخذ أو اقتراض، أو غيره من أنواع التصرُّف إلا بما يكون في مصلحة اليتيم، وهي الإنفاق عليه منه بالمعروف، وتنميته بالتجارة المأمونة، وهو معنى الاستثناء {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فما فيه مضرة على اليتيم، أو ما لا مضرة فيه ولا منفعة فإن مال اليتيم يجب أن يصان عنه ويحفظ.
ولم يقتصر في القرآن لحفظ مال اليتيم على النهي عن قربانه فحسب؛ حتى بين الله تعالى العقوبة الشديدة على من يتخوضون في مال اليتيم؛ لقدرتهم عليه {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]، وكفى بهذه الآية زجرًا عن مال اليتيم.
وكأن الصحابة رضي الله عنهم فزعوا من مال اليتيم بعد هذه الآيات، وخافوا أن يقع منهم تفريط غير مقصود، فيتناولهم هذا الوعيد، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ولعظم السؤال والجواب، وعظم حق اليتيم؛ فإن الله تعالى ذكر مسألتهم في كتاب يتلى إلى يوم الدين؛ ليقرأ ذلك ويعيه ويعمل به أولياء اليتامى وأوصياؤهم {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة من الآية:220].
ودلَّت السنة النبوية على أنه لمَّا نزل الوعيد الشديد في أكل أموال اليتامى شق ذلك على المسلمين، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى؛ خوفًا على أنفسهم من تناولها، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود، إصلاح أموال اليتامى، بحفظها وصيانتها، والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى؛ لأنهم إخوانهم، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل، فمن علم الله تعالى من نيته أنه مصلح لليتيم، وليس له طمع في ماله، فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله تعالى من نيته أن قصده بالمخالطة التوصل إلى أكلها وتناولها، فذلك الذي حرج وأثم، والوسائل لها أحكام المقاصد.
وسورة النساء من السور الطوال، وجلها في بيان الأحكام والحقوق والعلاقات، وأول حق جاء فيها هو حق اليتيم في ماله، وهذا يدل على رعاية الله تعالى لليتيم في القرآن وعنايته به {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2] فجعل أكل مال اليتيم من تبدل الخبيث بالطيب، أي: الحلال بالحرام، وبين سبحانه أنه كان حوبًا كبيرًا، أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا.
وقد يكون الرجل وصيًا على يتيمة فيعجبه مالها أو جمالها، فينوي الزواج بها؛ ولأنه وصيها فقد يُقصِّر في مهرها، ولا يعطيها مثل غيرها؛ لإلفها إياه، وقربها منه، فنهوا عن ذلك. فإما أن يعطي اليتيمة حقها، ومهر مثلها، لا يبخس منه شيئًا، وإما أن ينكح سواها من النساء، وهو قول الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء من الآية:3].
وكم زوجت يتيمة من وصيُّها أو ابنه رغمًا عنها، وهو ليس كفؤًا لها، وبخس حقها فلم تعط مهر مثلها، وكم في ذلك من الظلم والإثم، واستغلال ضعف اليتيمة، فويل للأوصياء الظلمة.
ولو طلب اليتيم ماله وهو صغير بحجة أنه حقه، أو كان كبيرًا لكنه لا يحسن التصرُّف فلا يعطى ماله ليُبدِّده ويُفسِده، ولكن ينفق عليه منه حتى يكبر ويرشد، وهو قول الله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء من الآية:5]، فأضاف تعالى الأموال إلى الأولياء، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم، من الحفظ وحسن التصرُّف وعدم التعريض للأخطار.
وإذا كبر اليتيم اختبر فأعطي شيئًا من ماله، فإن أحسن التصرُّف دفع له ماله كله، وهو قول الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء من الآية:6].
ووصي اليتيم أو وليه قد يكون غنيًا فلا يأخذ على تربية اليتيم شيئًا، وقد يكون فقيرًا، فيأكل معه بالمعروف، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء من الآية:6].
ومن فتاوى الله تعالى في القرآن {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء من الآية:127] أي: يفتيكم سبحانه أن تقوموا على مصالحهم الدينية والدنيوية بالعدل.
وإطعام اليتيم أولى من إطعام غيره؛ لأنه صغير لا يكتسب، ولا والد له يطعمه، والحياء يمنعه من السؤال، وقد جاء في أكثر من موضع الحث على إطعام اليتامى، فمن سبل النجاة {إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد:14-15]. وأثنى الله تعالى على عباده المقربين بجملة أوصاف منها {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8].
ولليتيم حق في الفيء والغنيمة ولو لم يشارك في حرب، ولم يرفع سِلاحًا، وهو حق أوجبه الله تعالى له {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [الأنفال من الآية:41]، {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [الحشر من الآية:7].
فلنعرِف لليتيم حقه، ولنؤد له فرضه، ولنتواص على الإحسان إليه؛ فإن ذلك من التواصي بالحق، مع الصبر على رعاية الأيتام والإحسان إليهم: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ . ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [البلد:12-18].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن الله تعالى قرن الإحسان لليتيم وبر الوالدين وصلة الأرحام بتوحيده سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [النساء من الآية:36]، وجعل إيتاءهم المال من البر {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [البقرة من الآية:177]، ورغب في الإنفاق عليهم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى} [البقرة من الآية:215].
وإذا حضر اليتيم ميراثًا يَُّقسم وليس وارِثًا؛ كان له حق أن يُعطى شيئًا منه، فلو رد بسبب أن الميراث كان لقاصرين لا يملكون التبرُّع والتصرُّف؛ فإنه يرد بإحسان وتلطف {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء من الآية:8].
إن أمر اليتيم عظيم في القرآن، وقد أخذ الله تعالى الميثاق على بني إسرائيل بأن يُحسِنوا لليتامى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [البقرة من الآية:83].
ومن عجيب عناية الله تعالى بالأيتام؛ أن سخَّر عبدًا صالِحًا يركب البحر، ويقطع البر؛ ليصل قرية فيقيم فيها جدارًا ليتيمين لهما مال تحته؛ لئلا يضيع مالهما: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف من الآية:82]، نعم؛ إنه أمر الله تعالى، ولم يفعله العبد الصالح من تلقاء نفسه، وأمره سبحانه أراد به حفظ مال اليتيمين.
وبعد هذا العرض الموجز لآيات القرآن في الأيتام؛ لا يسع المؤمن إلا أن يزداد يقينًا بأن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه سبحانه قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، وأن دينه دين الكمال والعدل والرحمة، فيحمد الله تعالى ويُسبِّحه ويُكبِّره ويُهلِّله؛ تعظيمًا له، وإذعانًا لأمره، والتزامًا بشريعته، وعملًا بكتابه، وأداء للحقوق التي عليه، ومنها حق اليتيم، حتى يلقى الله تعالى بإيمان وعمل صالح.
وصلوا وسلموا على نبيكم...