تلخيص كتاب واقعنا المعاصر - (2) الجيل الفريد
- إن القرآن الذي نزل للبشر ليعيدهم إلى فطرتهم ويتخلل النفوس البشرية فيعيد ترتيب ذراتها فتصبح قوة كونية جبارة، كما يفعل المغناطيس بذرات الحديد فتصبح كيانًا جديدًا له طاقة مغناطيسية كهربائية لم تكن لها من قبل.
الجيل الفريد
- قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران من الآية:110].
»، واستحق استحقاقًا كاملًا وصف الله سبحانه لهم: {
- إنه الجيل الذي تم فيه المطابقة بين المثال والواقع، فترجم مثاليات الإسلام إلى واقع بشري معاش وارتفع بالواقع البشري إلى درجة المثال.
- من أبرز خصائص هذا الدين أنه في أوامره ونواهيه لا يهمل ضرورات الإنسان.
- كان العرب شتيتًا متناثرًا لا يتجمع على شيء رغم وجود كل مقومات الأمة من وحدة الأرض واللغة والثقافة والتاريخ والمصالح، فجاء الإسلام فصاروا أمة، بل أعظم أمة.
فماذا يا ترى الذي جرى؟ ما الذي فعله الإسلام فيهم ولهم وبهم؟
الخامة نفس الخامة، والمعدن نفس المعدن، فكيف تم تحويله إلى هذا المنتج المذهل؟
إنه القرآن الذي {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء من الآية:9]
- إن القرآن الذي نزل للبشر ليعيدهم إلى فطرتهم ويتخلل النفوس البشرية فيعيد ترتيب ذراتها فتصبح قوة كونية جبارة، كما يفعل المغناطيس بذرات الحديد فتصبح كيانًا جديدًا له طاقة مغناطيسية كهربائية لم تكن لها من قبل.
- إن استمرار القرآن في السور المدنية التي تخاطب المؤمنين في الحديث عن قضية (لا إله إلا الله) يؤكد على أنها مفتاح الخير والفلاح والتغيير.
- والإيمان بلا إله إلا الله أنشأ المشركين نشأة جديدة، بل قًل ميلادًا جديدًا!
- لماذا (لا إله إلا الله) هي السر ومفتاح القلوب؟
لأن الإنسان عابد بفطرته وعلى حسب المعبود يكون منهج الحياة.
وكل معبود سوى الله لا يمكن أن يضع منهجًا تصلح به حياة الناس، لأن هذا المعبود مخلوق مربوب ناقص عاجز فيه نقص المخلوق.
أما الله سبحانه وتعالى الخالق الحكيم الخبير العليم القادر الغني فهو المعبود بحق، وهو القادر وحده سبحانه على أن يضع للناس منهجًا يراعي فيه كل ما يوصلهم للخير ويجنبهم الشر ويحقق مصالح العباد.
- ولن يستقيم الإنسان للمنهج الرباني حتى يعلم صدقًا ويقينًا أنه لا إله إلا الله، لأنه عندئذ يسلم نفسه لله الواحد لأنه استيقن أنه هذا الإله الواحد هو الرزاق الضار النافع المحيي المميت مُدبِّر أمر كل ذرة في الكون وصاحب المشيئة النافذة فيه.
- ثم إن هناك من لا يؤمن بلا إله إلا الله ويكرهها ويحاربها ويحارب أهلها، وهو ما يجعل إقامة المنهج الرباني في الأرض يتطلب بالضرورة مجاهدة هؤلاء، وهو ما يعرض النفس للأذى وربما الهلاك.
إن الإيمان بالله -حين يعمر القلب البشري- يبعث فيه الخشية والتقوى التي تؤهله لطاعة الله فيما يأمره به وينهاه عنه. والإيمان بأن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، وأن هناك بعثًا ونشورًا، وحسابًا وجزاءً، ونعيمًا وعذابًا، هو الذي يغير موازين الحياة كلها، وقيمها ومستوياتها، فلا يعود المتاع الحسي هو غاية الحياة، ولا يعود الاستغراق فيه هو الشغل الشاغل ولا الهم المقعد المقيم، كما يكون الحال في الجاهليات، حين يؤمن الإنسان أن الحياة فرصة واحدة محدودة بجدود العمر القصير، وكل يوم ينقضي لا يعود..
فتكون الحكمة (الواقعية) حينئذ أن ينتهب أكبر قدر من اللذات في هذا العمر المحدود قبل أن تفوت إلى غير رجعة! ولا يكون للحلال والحرام عنده يومئذ معنى، إنما يكون اهتبال الفرص المتاحة هو الغاية التي تسوق الناس سوقًا فيتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام! {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد من الآية:12].
أما حين يؤمن بالبعث والجزاء، والنعيم المقيم والعذاب الفظيع المتجدد فعندئذ يسهل عليه أن ينضبط في الحدود التي رسمها الله دون أن يشعر بالحرمان، لأنه يعلم أن كل متاع زائد يشتهيه في الأرض ثم يمتنع عنه طاعة لله، لن (يضيع) ولن يذهب بغير عودة، إنما هو (طاعة) تحسب له في الميزان، فينال عليها نعيمًا خالدًا في الجنان... فتكون الحسبة بذلك رابحة، ولا تذهب نفسه حسرات على المتاع الفائت الذي تركه طاعة لله.
ومن جهة أخرى فإن تصور العذاب الفظيع جزاء على المخالفة التي يهم بها انسياقًا وراء شهواته، يجعله يرى أن الامتناع عنها هو الصفقة الرابحة، وليس الانغماس فيها بلا انضباط علي طريقة الحيوان... ومن هنا تتأكد التقوى والخشية التي يبعثها الإيمان بالله.
من أجل ذلك كان الكتاب وهو القرآن الذي يرسم منهج الحياة للناس في الأرض مرتكزًا كله على الإيمان بالله واليوم الآخر، وكانت التوجيهات والتشريعات والتنظيمات الواردة في الكتاب، كلها موصولة بالإيمان بالله واليوم الآخر، أعظم محورين يدور حولهما الكتاب.
- التصنيف: