التيارات السياسية الكردية
ومنذ يونيو 2004م عاد الوضع العسكري في منطقة كردستان تركيا للتأزم بعد خمسة أعوام من الهدوء، فاستأنف المسلحون الكرد الهجوم على الجيش التركي، وظهر تنظيم عسكري جديد أطلق عليه اسم صقور الحرية بكردستان، تصفه تركيا بكونه استمرارًا لحزب العمال الكردستاني، وقد استمرت الأوضاع بين كرٍّ وفرٍّ بين الحزب والجيش التركي، حتى آلت إلى ما هي عليه الآن من قيام قوات الحزب بقتل جنودٍ أتراك انطلاقًا من الأراضي العراقية، وتهديد الحكومة التركية باكتساح شمال العراق؛ للقضاء على قواعد حزب العمال.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يعيش الأكراد في أربع دولٍ بصورة أساسية، انضم الأكراد للدولة العثمانية في صراعها ضد الصفويين الشيعة، ولكن الدولتين اتفقتا في (أماسيا) على تقسيم كردستان، كما انضم الأكراد لتركيا في الحرب العالمية الأولى، ثم بدأوا يطالبون بالاستقلال من خلال المؤتمرات الدولية، وعندما لم يحصلوا على بغيتهم قاموا بعدة حركات ثورية بقيادة البارزانيين، واستعانوا خلالها بإيران وأمريكا، التي خذلتهم برعايتها لاتفاقية 6 من مارس 1975م بين العراق وإيران، وتركتهم فريسة لهجوم عراقي كاسح أسفر عن هزيمة تامة لقوات البارزاني، وانتهاء الثورة الكردية بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا الوقت تمامًا، ولجوء الملا مصطفى البارزاني إلى إيران[1].
خيَّمت حالة من الإحباط والذهول على حركة المقاومة الكردية إثر انهيار الثورة الكردية، وإعلان القيادة العشائرية الكردية إنهاء الكفاح المسلح، وتسريح قوات البشمركة (الفدائيين)، وإنهاء النضال السياسي أيضًا، غير أن بعض القوى حاولت استئناف الحركة مرةً أخرى؛ ففي يونيو 1975م أُعلِن قيام الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني (الرئيس العراقي الحالي)، وكان هذا الاتحاد يشمل:
- الحركة الاشتراكية الكردستانية.
- العصبة الماركسية - اللينينية الكردستانية[2].
كان هذا الاتحاد إذن يساري النزعة بدرجة متطرِّفة، وكان من منهجه بطبيعة الحال القضاء على الإمبريالية، والطبقات البرجوازية، والملكية العقارية، وكذلك القضاء على الإقطاعية والعلاقات العشائرية في كردستان، وإقرار حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي ضمن جمهورية عراقية مستقلة، وإجراء الإصلاح الزراعي.
قد أنشأ الاتحاد الوطني قوة عسكرية خاضعة له تسمى قوات (الأنصار).
وفي الوقت الذي كان الملا مصطفى البارزاني يعيش لاجئًا في إيران ثم الولايات المتحدة؛ كان أبناؤه والبقية الباقية من العناصر القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني، تحاول استئناف العمل من إيران[3].
وفي نوفمبر 1975م تم تشكيل القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكردستاني من هذه العناصر القيادية المثقفة التي اختارت مسعود البارزاني (رئيس إقليم كردستان الحالي وابن الملا مصطفى البارزاني) رئيسًا مؤقتًا للحزب، ولكن كان هذا التشكيل يحمل في طياته بذور الانشقاق؛ لوجود اتجاهات فكرية متباينة[4].
وقد تحقق الانشقاق بالفعل بعد مؤتمر الحزب الذي انعقد ما بين 4 و11 من نوفمبر 1979م؛ إذ انسحبت العناصر اليسارية في الحزب بسبب اتجاه مسعود البارزاني وأخيه الأكبر إدريس إلى التعاون مع الثورة الإيرانية ضد أكراد إيران، وأسست تلك العناصر حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني.
حفلت الساحة الكردية بالعديد من الأحزاب التي خالفت المنهج الإسلامي كالأحزاب الثلاثة السابقة، وغيرها خاصة اليسارية؛ فأسست الشبيبة الكردية (نوادي الثقافة الثورية الديمقراطية) وظهرت جمعية النساء الثورية الديمقراطية، وجمعية المعلم الديمقراطي وغيرها من التنظيمات اليسارية؛ لذا كان من الطبيعي أن تظل تعاني من الانشقاقات والمؤامرات، وغياب الهوية.
وفي خِضَمّ هذا الحراك انبثق حزب العمال الكردستاني (PKK) من منظمة شيوعية تركية كانت تُدعَى منظمة الشباب الثوري، وأُعلِن عن إنشائه يوم 27 من نوفمبر 1978م، واختير عبد الله أوجلان رئيسًا له. ويُعرَف عن الحزب توجهه الماركسي اللينيني؛ ومن أهدافه الجوهرية إنشاء دولة كردستان الكبرى المستقلة.
وقد تحول الحزب بسرعة من مجموعة قليلة من الطلاب الماركسيين غير المؤثرين في الساحة السياسية الكردية، إلى أهم تنظيم سياسي يقود عملاً مسلحًا يحظى بتعاطف الكثير من كرد تركيا وخصوصًا العمال والمثقفين والفلاحين.
ومنذ سنة 1984م بدأ الحزب نشاطه العسكري داخل كردستان، وقد أعانت تضاريس المنطقة الوعرة متمردي الحزب في حربهم ضد الجيش التركي. وقد اتخذوا من كردستان العراق منطقة تحمي قواعدهم الخلفية، كما أقاموا تحالفًا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة البارزاني.
وكانت الحكومة التركية قد أعلنت عن تطبيق قانون الطوارئ في الأقاليم الكردية سنة 1979م، وقررت التدخل العسكري المباشر في المنطقة منذ سبتمبر1980م.
وقد تجاوز عدد عناصر جيش حزب العمال في التسعينيات 10 آلاف مقاتل. ورغم التوجه اليساري للحزب فإنه لم يحصل على تمويل من المنظومة الاشتراكية بل اعتمد في تمويل عملياته وإعداد مقاتليه على مصادره الخاصة، وتتهمه الأوساط التركية بأن تمويله مشبوه وغير شرعي.
وكان عقد الثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أكثر فترات الصراع بين الأكراد والجيش التركي دموية؛ فقد قام الجيش التركي بتعقب المسلحين، واتُّهم بتدمير آلاف القرى الكردية، وتهجير العديد من الأسر إلى داخل تركيا. كما تذهب بعض الإحصاءات إلى أن مجموع من قتلهم المسلحون الكرد يبلغ 40 ألف شخص.
ولم تقتصر عمليات مسلحي حزب العمال العسكرية على الجيش التركي بل شملت المدنيين أتراكًا وكُردًا، وخصوصًا المتعاونين مع الحكومة التركية، كما شملت بعض السائحين الأجانب. وقد وجهوا ضرباتهم لبعض المصالح التركية في البلدان الغربية.
تم اعتقال زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان بنيروبي يوم 15 من فبراير 1999م بعد 15 سنة من العمل العسكري المسلح، وحكم عليه بالإعدام في يونيو من نفس السنة. وقد خفف الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد بجزيرة صغيرة في بحر مرمرة.
ومنذ اعتقال ومحاكمة أوجلان أخذت القضية الكردية بما فيها العمل العسكري منعطفًا جديدًا وإن لم يستمر، من أبرز معالمه:
- إعلان الأكراد عن وقف إطلاق النار من جانب واحد في سبتمبر 1999م، وهو الإعلان الذي لم يصمد بعد ذلك.
- حل حزب العمال الكردستاني (PKK) وإنشاء حزب مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني (كاديك) في نوفمبر 2003م؛ تفاديًا لإدراجه على قوائم الجماعات الإرهابية، ليغير اسمه مرة ثانية فيصير المؤتمر الشعبي الكردستاني (KONGRA GEL).
وقد أُدرِجَ حزب كاديك أو كونغرا جيل (الصيغة الجديدة لحزب العمال الكردستاني) ضمن قائمة المنظمات الموضوعة أوروبيًّا وأميركيًّا على لائحة التنظيمات الإرهابية.
وكان عثمان أوجلان الأخ الأصغر لعبد الله أوجلان قاد الحزب، ثم انشق عنه مشكّلاً حزب الوطنيين الديمقراطيين الكرد ذا التوجه القومي والمتبني النهج السلمي لحل القضية الكردية.
ومنذ يونيو 2004م عاد الوضع العسكري في منطقة كردستان تركيا للتأزم بعد خمسة أعوام من الهدوء، فاستأنف المسلحون الكرد الهجوم على الجيش التركي، وظهر تنظيم عسكري جديد أطلق عليه اسم صقور الحرية بكردستان، تصفه تركيا بكونه استمرارًا لحزب العمال الكردستاني.
وقد استمرت الأوضاع بين كرٍّ وفرٍّ بين الحزب والجيش التركي، حتى آلت إلى ما هي عليه الآن من قيام قوات الحزب بقتل جنودٍ أتراك انطلاقًا من الأراضي العراقية، وتهديد الحكومة التركية باكتساح شمال العراق؛ للقضاء على قواعد حزب العمال.
ولكن القوى الكردية الفاعلة في المجتمع الكردي ليست يسارية فقط؛ فهناك قوى إسلامية ظاهرة يتم التعتيم الإعلامي عليها وعلى جهودها البارزة في خدمة الأكراد، مثل: الاتحاد الإسلامي الكردستاني.
[1] د/ حامد محمود عيسى: المشكلة الكردية في الشرق الأوسط، ص236: 240.
[2] السابق نفسه، ص247.
[3] كريم زه ندى: حول الحركة التحررية، ص40.
[4] البديل الثوري، ص30: 32.