الوصية قبل الموت
فمما لا شك فيه أن الإنسان قد يكون له أو عليه حقوق وأمانات وودائع للآخرين، وبما أن الموت يأتي بغتة، فقد أرشدنا ديننا الإسلامي إلى المبادرة بالوصية، وخاصة إذا كان لنا أو علينا حقوقًا للآخرين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الإنسان قد يكون له أو عليه حقوق وأمانات وودائع للآخرين، وبما أن الموت يأتي بغتة، فقد أرشدنا ديننا الإسلامي إلى المبادرة بالوصية، وخاصة إذا كان لنا أو علينا حقوقًا للآخرين، فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]. وفي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (متفق عليه)، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لمسلم: « ». قال ابن عمر: "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي".
قال الإمام الصنعاني: "قال الشافعي: معناه ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه؛ لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك" (سبل السلام: [1/142]).
ويمكن أن ننبه على عدة أمور استنادًا إلى هذا الحديث:
1. أنه يجب كتابة الوصية أخذاً بظاهر الحديث، واستنادًا إلى الآية السابقة، وهذا مذهب داوود وأهل الظاهر، وذهب الجمهور إلى استحبابها. ولعلَّ القول الوسط في ذلك هو التفصيل في ذلك والله أعلم، فيقال: أن الوصية على نوعين: واجبة: وتكون على من عليه دين، وفي ذمته حقوق، ولديه أمانات وعهد، فإنه يجب أن يوضح ذلك مفصلاً. ومسنونة: وهي التي تكون في ثلث المال فما دون لغير وارث (ذكر وتذكير لصالح السدلان: [74]).
2. أنه ينبغي كتابة الوصية، والإشهاد عليها، وخاصة إذا لم يكن الموصي معروفاً بخطه.
3. أن ينبغي للموصي أن لا يحصر وصيته، بل عليه أن يجعلها عامة في كافة أعمال الخير، وخاصة التي يعم نفعها؛ إذا أراد أن يتصدق ببعض ماله من بعده.
4. أن على الإنسان إذا كتب وصيته أن يعرضها على أهل العلم ليبينوا له أحكامها، ويوضحوا له ما يجوز وما لا يجوز فيها.
5. كما يمكن أن نضيف وننبه إلى أمور، ومنها: أن من كان عليه دين فأوصى به فإنه يخرج بذلك من ذمته، وانتقل إلى عهدة الولي وله الأجر في قضائه، وعليه الوزر في تأخيره. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "وهذا إنما يصح إذا كان الميت لم يفرط في أدائه، وأما إذا قدر عليه وتركه ثم وصى به فإنه لا يزيله عن ذمته تفريط الولي فيه".
6. أن لا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث.
7. في الحديث دليل على فضل ابن عمر لمبادرته في امتثال الأمر، ومواظبته على ذلك، حيث أنه بادر بتطبيق أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حال المؤمن.
والله نسأل أن يوفقنا إلى طاعته، وأن يجنبنا معصيته، وأن يختم لنا بالحسنى، وأن يلحقنا بعباده الصالحين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- التصنيف: