الوحدة بين الأسس الدينية والمنطلقات السياسية
الوحدة من منطلقات سياسية ستكون له نتائج عكسية.
تشهد الساحة العربية سجالات فكرية بين العديد من التيارات الإسلامية حول الوحدة ومقوماتها لعل أبرزها وجهة النظر التي تدعو إلى أن تكون الوحدة وفق منطلقات سياسية مشتركة تجعل من القضية الفلسطينية محورا لها وتوجه كل طاقات العالم العربي نحو تحرير فلسطين وتجنب طرح القضايا الخلافية بين الفرق على طاولة النقاش على اعتبار أنها أي القضايا الخلافية تضرب في جذور التاريخ.
ويصعب بل يستحيل حسم الخلاف فيها، وأكثر من ذلك فإن فتح هذه الملفات سيؤجج الصراع بين الفرق والطوائف الإسلامية ويؤثر على قضاياها المشتركة ويكون المستفيد الأكبر من كل هذا إسرائيل والقوى الاستعمارية منبهين إلى أن وراء من يثير هذه المواضيع أيادي خفية تعمل على تقسيم المقسم وتجزيء المجزئ، من هنا كان تأييد تلك الحركات لثورة الخميني في إيران التي أعطت لهم دفعا معنويا كبيرا ومن هنا تدعم حزب الله في حربه ضد إسرائيل.
إذا ما وقفنا وتأملنا في وجهة النظر هذه فإننا سنجدها لا تعدو أن تكون شكلا من أشكال العلمانية أي فصل الدين عن السياسة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المنطلق السياسي لا يصح لأن يكون أساسا لمشروع وحدوي لأنه يخضع لمعطيات ومتغيرات مختلفة قد تدفع بالسياسي إلى أن ينتقل من نقيض القضية إلى نقيضها الآخر من أجل تحقيق مصالحه، أيضا لو أخذنا كمثال حزب الله لوجدنا أنه يستمد قوته من شيعيته لا من لبنانيته وهو يطرح نفسه في الساحة السياسية بهذه الصيغة ولا يمكن أن نغفل تأثير هذا على مواقفه السياسية فالدين عامل حاسم في التركيبة الفكرية لحزب الله وقد صرح الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأنه يؤمن بولاية الفقيه وكلنا يعرف ما تعنيه ولاية الفقيه والالتزام الذي تفرضه على حسن نصر الله تجاه المرشد الأعلى في إيران التي نظامها أيديولوجي بامتياز والواقع أثبت ذلك.
ومعظم الجماعات والحركات الدينية في العالم العربي ولاؤها للسلطة الدينية أكبر منه للسلطة السياسية.
وإذا ما سلمنا جدلا بصحة وجهة النظر هذه وتوحدنا سياسيا لتحرير فلسطين وتحررت كل البلدان العربية من الاحتلال الإسرائيلي، هل من ضمانات سياسية لهم على أن كل المكونات ستنطلق من العنصر الديني لتحقيق مصالح سياسية إما أكثريات لها الحق في الحكم أو أقليات تخشى التهميش.
أما وجهة النظر الثانية فهي ترى بأن الوحدة يجب أن تنطلق من أساس ديني متين تبنى عليه وهذا الأساس هو التوحيد ويتجلى ذلك في قولهم التوحيد أساس الوحدة.
من منطلق أن الجامع المشترك للأمة هو الدين وإذا بقي الخلاف حول الدين وبالأخص القضايا العقدية منه فإنه يستحيل أن تتحد الأمة وتتفق على شيء، وأن القضايا السياسية يكثر فيها الخلاف و تكون المرجعية فيها هي المصلحة الذاتية والمنفعة الخاصة في حين أن الدين يكون من أجل المنفعة العامة، وعليه فهم يرون بأن الدين هو الوعاء الذي يحوي السياسة، فهي كالسائل إذا ما لم توضع في وعاء تتفرق بسرعة شديدة وفي اتجاهات مختلفة.
والتوحيد تندرج ضمنه الكثير من القضايا العقدية التي يختلف فيها مثلا السنة والشيعة، وإذا كنا نرى كسنة بأن صلاح هذه الأمة لن يكون إلا بما صلح به أولها، فإن أول هذه الأمة من المنظور الشيعي مرتدين ومغتصبين لحق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وظالمين لهم هذا يدلل على شساعة الهوة واستحالة الاجتماع سياسيا وبشكل طويل ومستمر فنحن نشترك مع الشيعة في تحرير فلسطين وغيرها من الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي، ولكننا نجد أن المصالح الإيرانية الوطنية تشكل أولوية لها وهي المتحكم في علاقتها مع الدول العربية التي تختلف من بلد لآخر فإيران تقف مع المقاومة في لبنان وتدعمها بشكل كبير خارج الدولة اللبنانية وكذلك الحال مع المقاومة في فلسطين وفي نفس الوقت تقف مع حكومة الاحتلال في العراق حتى أن أحمدي نجاد قام بزيارة رسمية إلى العراق،وأيضا المفاوضات التي تجري بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية والتي تساوم فيها أمن العراق بمصالحها وهو الكرسي الذي يفترض أن تجلس فيه المقاومة واللافت في هذا هو استنادها في علاقتها على عنصر الشيعة (الدين)، فهذا يؤكد على تأثير الدين في السياسة ما يعطي مصداقية للقول الذي ينسب على الخميني بقوله (الطريق إلى القدس عن طريق كربلاء).
مما يؤكد على أن المنطلقات السياسية لا تصلح لأن تكون مرتكزا للوحدة هو استغلال إيران لتعاطف الحركات الإسلامية معها وعملها على تشييع المجتمعات السنية بداية بأعضاء من تلك الحركات نفسها، ورغم قول العديد بأن الظاهرة محدودة وهي حالات استثنائية تحدث في إطار ضيق وهذا مجرد تهويل إعلامي ليس إلا فإن هذا لا ينفي الظاهرة والدعم الإيراني الرسمي لها بشكل أو آخر.
هذه الأمثلة تثبت عدم جدوى البحث عن وحدة من منطلقات سياسية بل بالعكس فإن أي محاولات من هذا القبيل ستكون لها نتائج عكسية.
الشيخ بوزيدي يحي