سمات المرجئة والخوارج وأهل الغلو
إن العمل والقول والاعتقاد أركان في الإيمان لا يجزىء أحدها عن الآخر، وإلا فمن قال ذلك وهو لا يرى أعمال الجوارح ركناً في الإيمان، أو قال ذلك وهو يحصر الكفر في التكذيب والاستحلال، فإنه قد نطق بما قاله السلف في تعريف الإيمان، لكن لا على الوجه الذي أرادوه.
اعلم أن من قال بإحدى هذه العبارات فقد وقع في الإرجاء، أو دخلت عليه شبهته..
1- الإيمان تصديق بالقلب فقط (جهمية).
2- الإيمان نطق باللسان فقط (كرَّامية).
3- الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان (مرجئة الفقهاء).
4- الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالقلب دون الجوارح.
5- الإيمان لا يزيد ولا ينقص والناس في أصله سواء.
6- الكفر تكذيب فقط (جهمية).
7- الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد أو الجحود والاستحلال، ويستشهدون بقول الطحاوي رحمه الله في عقيدته: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، مالم يستحله"، والصواب أن يقال: "الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب -دون الشرك أو الكفر- مالم يستحله".
8- ترك جميع أعمال الجوارح -(جنس الأعمال) كما يسميه ابن تيمية- ليس كفراً مخرجاً من الملة.
ووجه كونه إرجاءً لأنه يلزم منه أن أعمال الجوارح ليست ركناً في الإيمان، بل ولا عمل القلب كذلك، وهذا باطل لارتباط الظاهر بالباطن فيمتنع وجود عمل القلب مع انتفاء عمل الجوارح.
9- أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان وليست ركناً ولا شرط صحة.
والصواب في هذا أن يقال: "جنس أعمال الجوارح ركنٌ في الإيمان، وآحادها -عدا الصلاة- من مكملاته".
10- الأقوال والأعمال الكفرية ليست كفراً ولكنها تدل على الكفر.
11- المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما كان مضاداً للإيمان من كل وجه، أو ما كانت دليلاً على الكفر، وجَعْلُ مناط التكفير كونها مضادةً للإيمان من كل وجه أو كونها تدل على ذلك، والصواب أن يقال: "المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما دل الدليل على كونها كذلك، وهي مضادة للإيمان من كل وجه، وتدل على كفر الباطن" فتأمل الفرق.
12- جعلهم الشهوة وعدم القصد من موانع التكفير.
ووجه كونه إرجاءً أن مآله إلى حصر الكفر في الاعتقاد، أما إن عُني بالقصد -العمد المقابل للخطأ- فنعم، فالخطأ من موانع التكفير، لكن ليُعلم أنه يكفي أن يقصد -يتعمد- عمل الكفر، ولا يلزم منه أن يقصد الوقوع في الكفر.
13- ترك الصلاة ليس كفراً لأنه من أعمال الجوارح، وعمل الجوارح شرط في كمال الإيمان.
ووجه كونه إرجاءً أن قائله لا يكفِّر بالعمل، وإنما الكفر عنده اعتقاد فقط، فمسألة الصلاة من أظهر المسائل التي أجمع الصحابة على كفر تاركها، أما لو رجَّح عدم كفر من يصلي تارة ويترك تارة لأدلة شرعية لديه -كما قد وقع من بعض السلف- أو أن الإجماع لم يبلغه، فهذا لا صلة له بالإرجاء.
ومن هنا يُعلم خطأ ما يردده البعض من مقولةٍ لبعض السلف: "من قال إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وأنه يزيد وينقص، فقد بريء من الإرجاء كله، أوله وآخره"، وهي مقولة حق ولا شك، ولكن على فهم قائليها، وهو أنَّ العمل والقول والاعتقاد أركان في الإيمان لا يجزيء أحدها عن الآخر، وإلا فمن قال ذلك وهو لا يرى أعمال الجوارح ركناً في الإيمان، أو قال ذلك وهو يحصر الكفر في التكذيب والاستحلال، فإنه قد نطق بما قاله السلف في تعريف الإيمان، لكن لا على الوجه الذي أرادوه، وهذه العبارة شبيهة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» (ضعفه الألباني، وصححه ابن حبان)، فما يقول هؤلاء فيمن قالها ولم ينطق بشطر الشهادة الآخر (محمد رسول الله)، أو قالها وارتكب ناقضاً من نواقضها، فهذه كتلك، ولهذا حذَّر أهل العلم من بعض الكتب، وأنها تدعو إلى مذهب الإرجاء، مع تبنيها أن الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص.. والله أعلم.
انظر: هامش شرح (العقيدة الواسطية) للعلامة محمد خليل هراس: (الطبعة الرابعة:ص263)، تعليقاً على كلام شيخ الإسلام في مسائل الإيمان.
واعلم أن هناك سماتٍ من اتسم بها أو ببعضها فهو خارجي، أو وقع فيما وقعت فيه الخوارج من الغلو:
1- تكفير صاحب الكبيرة.
2- تكفير من وقع في معصية وأصر عليها.
3- القول بأن الإيمان شيء واحد لا ينقص، فإذا ذهب بعضه ذهب كله.
4- جواز الخروج على الحاكم المسلم لجوره وظلمه، وإن لم يُرَ منه كفرٌ بواحٌ..
ووجه كونه خارجية: (أنه قد استقر رأي أهل السنة والجماعة على عدم جواز ذلك، وخالفت الخوارج).
5- عدم العذر بالجهل مطلقاً، والصواب: (أنَّ الجهل قد يكون عذراً وقد لا يكون؛ ففيه تفصيل).
6- تكفير كل من حكم بغير ما أنزل الله ولو في قضية معينة، والصواب: (التفريق بين التشريع العام وجعله ديناً متبعاً، وقانوناً ملزماً، وبين جعل الشريعة الإسلامية هي الدين المُلْزِم، ومخالفتها وعدم الحكم بها في قضية أو قضايا معينة).
7- التسرع في تكفير المعين دون مراعاةٍ لتحقق الشروط وانتفاء الموانع.
مقتبس من هامش شرح (لعقيدة الواسطية) للعلامة محمد خليل هراس الطبعة الرابعة:ص267، تعليقاً على كلام شيخ الإسلام في مسائل الإيمان.
- التصنيف: