النبع السادس: {أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}
خالد أبو شادي
أخرج ابن أبي حاتم عن العبَّاس بن عزوان في قوله: {وَتلك الْقرى أهلكناهم لما ظلمُوا وَجَعَلنَا لمهلكهم موعداً} قال: "قضى الله الْعقُوبَة حين عصي ثمَّ أَخّرهَا حتَّى جاء أجلهَا، ثمَّ أرسلها"، فالعقوبة قرَّرها الله في اللوح المحفوظ بمجرد وقوع الظلم من الظالم، لكنَّ موعد تنفيذ العقوبة يظل في علم الله حتى يحل الموعد وتنزل الكارثة!
- التصنيفات: الزهد والرقائق - الواقع المعاصر -
أخرج ابن أبي حاتم عن العبَّاس بن عزوان في قوله: {وَتلك الْقرى أهلكناهم لما ظلمُوا وَجَعَلنَا لمهلكهم موعداً} قال: "قضى الله الْعقُوبَة حين عصي ثمَّ أَخّرهَا حتَّى جاء أجلهَا، ثمَّ أرسلها"[1].
فالعقوبة قرَّرها الله في اللوح المحفوظ بمجرد وقوع الظلم من الظالم، لكنَّ موعد تنفيذ العقوبة يظل في علم الله حتى يحل الموعد وتنزل الكارثة!
وأما كيفية الهلاك فقد شرحها الإمام المراغي في تفسيره قائلا:
- وهلاك الله للأمم بالظلم ضربان:
- ضرب بعذاب الاستئصال للأقوام الذين بعث الله تعالى فيهم رسلا لهدايتهم بالإيمان والعمل الصالح كقوم نوح وعاد وثمود، فعاندوا الرسل فأنذروهم عاقبة الجحود والعناد بعد مجيئهم بالآيات الدالة على صدقهم.
- ضرب بعذاب هو مقتضى سنته تعالى فى نظم الاجتماع البشرى، فالظلم مثلا سبب لفساد العمران وضعف الأمم، ولاستيلاء القوية على الضعيفة كما قال: {وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ} - وهو إما ظلم الأفراد لأنفسهم بالفسوق والإسراف فى الشهوات المضعفة للأبدان المفسدة للأخلاق، وإما ظلم الحكام الذي يفسد بأس الأمة ويهن من قوتها[2].
وقد اتفقت أفهام الصحابة على هذا لأنهم استقوا من معين واحد هو معين الوحي، وتربوا على مائدة واحدة مائدة القرآن، وكان من هؤلاء الحبر البحر ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وقد ذُكِر الظلم في مجلس ابن عباس فقال كعب الأحبار: إني لا أجد في كتاب الله المنزَّل أنَّ الظلم يخرب الديار! فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله،عز وجل: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} [3].
ولذا قيل: الظلم أدعى شيء إلى تغيير نعمة وتعجيل نقمة، وهي مشاهدات التاريخ ومكرورات الأحداث، واسمع صالح المري وهو يقول عما شاهده: "دخلتُ دار المورياني، فاستفتحت ثلاث آيات من كتاب الله، استخرجتها حين ذكرت الحال، فيها قوله عز وجل: {فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} وقوله: {وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، وقوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا}.
قال: فخرج اليّ أسود من ناحية الدار فقال: يا أبا بشر! هذه سخطة المخلوق، فكيف سخطة الخالق؟![4].
يقصد بهذا أن ما ادَّخر الله للظالم في الآخرة أشد، وأن قصاص المظلوم منه عند القنطرة أو الصراط الثاني أشد وطأة وأعظم ألما، فعقوبتان للظالم لازمتان لا تتخلفان: عقوبة دنيوية معجَّلة، وعقوبة أخروية مؤجَّلة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أسرع الذنوب مؤاخذة هو البغي فقال: « »[5].
إن الظلم يحمل في طياته بذرة زواله، ولذا لما سمع مسلم بن يسار رجلا يدعو على من ظلمه قال له: "كِل الظلوم إلى ظلمه، فهو أسرع فيه من دعائك إلا أن يتداركه الله بعمل، وقَمِنٌ أن لا يفعل"[6].
وهو انتقام الله من عدوه، وله طريقان كما رأى ذلك جعفر بن محمد عن أبيه فقال: "إذا أراد الله أن ينتقم لوليه انتقم من عدوه بعدوه، وإذا أراد الله أن ينتقم لنفسه انتقم بوليِّه من عدوه!"[7].
[1] الدر المنثور 5/407.
[2] تفسير المراغي 11/76.
[3] عيون الأخبار 1/144.
[4] البيان والتبيين 3/103.
[5] صحيح: رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي عن أبي بكرة كما في صحيح الجامع رقم: 10641.
[6] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/310.
[7] محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 1/270.