جلسة صريحة مع فتاة
بنظرة واقعية إلى مجتمعنا اليوم نرى ونجد أن من بين شرائح المجتمع شريحة لا أقول مهملة ولكن تحتاج إلى مزيد من العناية ومزيدا من الاهتمام، إنها وبدون مقدمات شريحة الفتيات؛ نعم إنهن البنات؛ والله إن أحوال بنات اليوم لحال محزن؛ حال وربي لمفجع.
أعجب والله حينما تتصل إحداهن تصرخ وتبكي؛ تستغيث وتستنجد من شاب يهددها؛ بما يهددها به؟؟ من صور لها أو صور لها معه أو مكالمة صوتية مسجلة عليها، أو شيء من دلك ليكرر ما قد فعله معها وهي تريد الآن التوبة لإحساسها بالندم؛ ولكنها لا تستطيع من هذا اللئيم.
حتما لكل شخص في هذه الدنيا طموح، ولكل عمل -يؤديه المرء- مهما كان؛ دوافع. فالسؤال الذي لابد من معرفة جوابه، هو ما الدافع لهؤلاء الفتيات اللاتي سلكن طريق الانحراف، ما الدافع لهن على إرخاص أنفسهن وامتهانها؟ ما الدافع الذي جعلهن يسلكن طريقاً أصبحن معه ألعوبة في يد اللئام؟
تظن بعض الفتيات ممن سلكن هذا الطريق أن المشوار سيستمر بضحكاته وابتساماته، التي كانت تعتقد أنها ضحكات بريئة وابتسامات صادقة؛ ثم بعد أن قطعت منه ما قطعت، تكشّفت لها السحب وانجلت أمامها الحقائق وسقط القناع. أصبحت ترى وجها غير الذي كانت تعرف وتسمع صوتا غير الذي كانت تسمع.. هذه هي الحقيقة المرة؛ وهو الواقع الأليم. نسيت أو تناست تلك الفتيات أنّ طريقاً بدأ بما يغضب الله لن يستمر ولن يدوم؛ نسوا أن أي طريق بدايته المعصية فان نهايته مؤلمة؛ وعواقبه وخيمة.
من غير المعقول وغير المقبول أخيتي، أن ترضى الفتاة أن تكون ألعوبة بيد اللئام علمت بذلك أم لم تعلم، تظن المسكينة أنّ هذا الشاب يصدق معها ويريد لها الخير؛ تظن أنه يتعامل معها بمشاعر وأحاسيس مرهفة وهو يكذب وربي، فلو نظرَت بعين العقل بعيدا عن العاطفة؛ بعيدا عن الاستجابة لشهوات النفس؛ لعلمت أنهم يريدونها للتسلية؛ يريدونها لإشباع غرائزهم ورغباتهم الشيطانية؛ يريدونها فتاة هوى، هي الحقيقة أخيتي فلا تغضبي. ويوم يحصل على ما يريد أصبحت هذه المسكينة عنده أحقر من كل حقير، واستبدلها كما تستبدل الخرقة البالية لتعيش بين لوعة وحسرة؛ ترافقها دموع الذل والانكسار كلما تذكرت الأيام الخالية.
إذاً أخيتي من الآن، أيتها الكريمة العفيفة؛ فان الماء إذا انسكب من المحال جمعه؛ والزجاج أيتها الغالية إذا انكسر؛ فلا أمل في رجوعه كما كان.
أخيتي في مقلتيك دموع تستأذنك في الخروج؛ هي حتما ستخرج؛ لكن اجعليها تخرج برغبتك وإرادتك؛ توبة لله؛ ندما على ما مضى ولو كان مجرد تفكير؛ تعلقي بالله؛ الجئي إليه؛ انكسري بين يديه؛ اطرقي بابه؛ لوذي بجنابه، زمن المهلة أخيتي قصير؛ وما مضى من العمر لن يعود، ألا تحبين أن يغفر الله لك؟ ألا تحبين يا أخية أن ينادي الملِك جبريل ويقول: إني أحب فلانة فأحببها وينادي جبريل في أهل السماء: إن الله أحب فلانة فأحبوها؛ فيوضع لك القبول في الأرض. نعم؛ إنه حب، لكنه حب صادق؛ حب مبارك، هذا الحب هو بغية المؤمنين ومطلب الصالحين.
أصرخي بأعلى صوتك يا غالية؛ أسمعي كل الملأ؛ أسمعي اللئام؛ خفافيش الظلام؛ ولصوص الحرام، أسمعيهم؛ قولي لهم: أنا العفيفة؛ أنا الطاهرة؛ أنا المؤمنة بالله؛ أنا الصابرة؛ أنا لست من تريدون؛ أنا لست ألعوبة في أيديكم. قولي لهم: جسدي الطاهر؛ أنوثتي؛ عفتي؛ حيائي؛ كرامتي؛ أعز وأرفع من أن يدنسها ذئب لئيم أو كلب سقيم.
أختي العفيفة الطاهرة؛ الذي أريده منك أن تعتزي بشرفك؛ تعتزي بعفافك، أنت ورب الكعبة جوهرة مصونة؛ ودرة مكنونة، لا تجعلي من نفسك الأبية لقمة سهلة المنال؛ وألعوبة يعبث بها الأنذال. أريدك مثلا للإباء؛ مثلا للعزة بالدين والكبرياء، فالعزيزة من أعزت نفسها والذليلة من رضيت الهوان لنفسها.
سيري أخيتي بخطى واثقة نحو الأمام؛ لا تلتفتي إلى الوراء؛ لا تهزك رياح الشهوة؛ ولا تحركك أعاصير الهوى، ابدئي بنفسك أولا، كوني قدوة يحتذى بها، كوني واثقة من خطواتك، أريدك مركز إشعاع ومنبرا وضاءً وسراجاً وهاجاً، أريدك قوية الإرادة؛ شامخة الرأس، همتك عالية، أريدك صامدة بعزيمتك؛ فخورة بعفتك وطهارتك، أريدك والله لؤلؤة داخل محار، في قاع البحار، الوصول لها صعب المنى يهلك دونه كثير من الغواصين.
ارفعي رأسك للسماء لتتذكري بذلك أن فوق هذه السماء العظيمة رب أعظم ينظر إليك، يعلم منك ما كان وما لم يكن، يفرح بتوبتك، إذا أقبلتي إليه أقبل إليك، إذا رجعت إليه قبلك. أيتها الغالية هو سبحانه أوسع من أعطى؛ وارحم من استرحم؛ أكرم من قُصد؛ أعز من التجئ إليه.
ربك أختاه الحاضر الذي لا يغيب عنه شيء، هو المنعم أبدا؛ المتفضل دوما؛ رحمته لا تنتهي وعطاؤه ليس له حدود، هو أخيتي حبيب الطائعين؛ وملاذ الهاربين وملجأ الملتجئين، وأمان الخائفين يحب التوابين ويحب المتطهرين.
هنيئا لكِ أخيتي، فربك هو الملاذ في الشدة و الأنيس في الوحشة و النصير في القلة يسأله الغني و الفقير ولا يستغني عنه القوي ولا الضعيف.
من علق نفسه أيتها الغالية بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب ولا يعزب عن نظره عازب، من تقرب إليه شبرا تقرب منه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا تقرب منه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة. فالباب مفتوح ولكن من يلج؟ والمجال مفسوح ولكن من يقبل؟ والحبل ممدود ولكن من يتشبث به؟
فأقبلي إليه أخيتي سيقبلك بإذنه، ولا يخذلك عنه المخذولون، ولا تغتري بكثرة الساقطات ولا جرأة الهالكات، أعلنيها حياة جديدة، ولكن ليست كالتي مضت.
وفقكِ الله لكل خير وحفظك من كل سوء، وأسأله سبحانه الكريم المنان، أن يشرح بالهدى صدرك وينير بالتقى قلبك ويسبل بالحياء ثوبك.
_______________________
ملخص كتاب "جلسة صريحة مع فتاة"
لــ: أبو أسامة الحمياني.
- التصنيف:
- المصدر: