النبع التاسع: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}
خالد أبو شادي
يقول زكريا عليه السلام وهو يستشفع عند ربه ويتوسَّل إليه: أي ولم أعهد منك يا رب إلَّا الإجابة في الدُّعاء، ولم ترُدَّني قطُّ في ما سألتُك، فلا تقطع عادتك، ولا تمنع جميلك، وكما لم أشق بدعائي فيما مضى، فأنا على ثقة أني لن أشقى به في ما بقي.
- التصنيفات: الزهد والرقائق - الواقع المعاصر -
يقول زكريا عليه السلام وهو يستشفع عند ربه ويتوسَّل إليه: أي ولم أعهد منك يا رب إلَّا الإجابة في الدُّعاء، ولم ترُدَّني قطُّ في ما سألتُك، فلا تقطع عادتك، ولا تمنع جميلك، وكما لم أشق بدعائي فيما مضى، فأنا على ثقة أني لن أشقى به في ما بقي.
- قال ابن القيم: والمعنى إنك عودتني إجابتك وإسعافك، ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسل إليه تعالى بما سلف من أجابته وإحسانه كما حُكِي أن رجلا سأل رجلا وقال أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا وكذا، فقال مرحبا بمن توسل إلينا بنا، وقضي حاجته، وهذا ظاهر ها هنا، ويدل عليه أنه قدَّم ذلك أمام طلبه الولد، وجعله وسيلة إلى ربه، فطلب منه أن يجاريه على عادته التي عوَّده من قضاء حوائجه إلى ما سأله[1].
وهذا يستدعي ذاكرة عبدٍ شاكر، يستحضر سابق نعم الله عليه ولا ينساها، ويعدِّد تفريجات الله عليه في الكُرِب وعطاياه له في المِحَن ليزرع بذلك في قلبه رجاءً جميلا يستجلب به من ربه فضلا عظيما.
- قال ابن عطية: شَكَرَ لله تعالى على سالف أياديه عنده، معناه أي قد أحسنت إليَّ في ما سلف، وسعِدْتُ بدعائي إياك، فالإنعام يقتضي أن يشفع آخره أوله[2].
ومعنى الشقاء هنا هو عدم تحقق المراد وفوات المصلحة كما قال ابن الجوزي: يُقال: شقي فلان بكذا: إِذا تعب بسببه، ولم ينل مراده[3].
- وقال القرطبي: وهذه وسِيلةٌ حَسَنَةٌ أن يتشفع إليه بنعمه، ويستَدِرَّ فضلَه بِفضله[4].
رحم الله أحمد بن المعدل، فكان إذا أحزنه أمر قام في الليل يصلي، ويأمر أهله بذلك، وهو يتلو: (وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها)، ثم ينشد:
أشكو إليك حوادث أقلقنني *** فتركنني متواصل الأحزان
لولا رجاؤك والذي عوَّدتني *** من حُسْن صُنعك لاستطار جناني
من لي سواك يكون عند شدائدي *** إن أنت لم تكلأ فمن يكلاني[5]
[1] بدائع الفوائد 3/4.
[2] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4/4.
[3] زاد المسير في علم التفسير 3/117
[4] تفسير القرطبي 11/80.
[5] ترتيب المدارك وتقريب المسالك 4/9.