(كلهم ولاد نعيمة المظية!)

منذ 2014-03-26

ﻻ تُهزَم أمة تتمسك بهويتها وعقيدتها... هذه حقيقة يدركها الأعداء أكثر من المنتمين لهذه الأمة الإسلامية مع الأسف الشديد؛ لذلك قام عملاء الاحتلال بالوكالة بمحاولات حثيثة لتغيير هذه الهوية تقديمًا منهم لقرابين تحفظ عليهم رضا أسيادهم في الخارج، وتحصنهم أن يروا من الشعب الذليل ما كانوا يحذرون.

وفي سبيل ذلك؛ سخرت أموال طائلة، وأبحاث مستفيضة مستوردة -بالطبع من الوكيل الأصلي بالخارج- وتمَّت على مدى سنوات طويلة محاولات تجفيف المنابع بالسيطرة على التعليم والثقافة والصحافة والإعلام، واستخدام السينما والمسرح والأدب؛ في تقديم صورة واحدة سوداء قاتمة، تُعبِّر عن التخلُّف والرجعية، وترتبط في الذهن بالشقاء والبؤس والوحشية والهمجية لكل ما هو إسلامى... في مقابل تقديم صورة زاهية تغذى بالشهوات وتنبض بالخداع لكنها تنسِب كل ما هو جميل لكل ما هو بعيد عن الدين!

وقد كان الرصد للتغير الحادث في المجتمع أمرًا هامًا عند هؤلاء العملاء، فكلما استقر أمر يخالف الدين صعدوا آخر بلا سقف في الطموحات!

حتى تعرَّضوا لثوابت العقيدة، بإنكار تكفير غير المسلمين، وإنكار أمور تتعلق بالآخرة؛ كإنكار عذاب القبر وفتح المجال للملحدين والشواذ... إلخ، ولذلك تجنب العملاء إظهار عمالتهم بصورة فجة لتدثرهم بإسلام زعموا أنه الوسط!

فعلى سبيل المثال؛ قام الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية؛ وأراد أن يصطحب معه صديقته -عارضة الأزياء- لأنه كان قد طلق امرأته بعد فوزه بالرئاسة، تلك الزوجة التي ساعدته في حملته الانتخابية بعلاقاتها اللا محدودة برجل أعمال شهير قام بتمويل حملة ساركوزي الانتخابية!

وهنا رفضت المملكة استقباله مع صديقته؛ لأن هذا أمر غير مسموح به في بروتوكولات المملكة، وهذا لأن المجتمع السعودي ليس مؤهَلًا لتقبُّل ذلك الأمر...

فبمجرد أن قامت الثورات العربية وأصبح هناك مشهد حقيقى تُعبِّر فيه الشعوب عن اختيارها بإرادة حرة؛ حتى اكتسح التيار الإسلامى جميع الاستحقاقات الانتخابية!

فجن جنون القوم وبدأ الهجوم الهستيري لتشويه التجربة الإسلامية، التي يعني نجاحها ليس فقط استقلال إرادة الأمة وإعادة الحق إليها في استغلال ثرواتها والقضاء على المفسدين والسارقين والخونة؛ بل يعني أيضًا دفن العلمانية والليبرالية وسائر الأفكار الشاذة والغريبة على هوية هذه الأمة في مزبلة التاريخ!

والجديد هذه المرة! أن الهجوم لم يكن تدريجيًا، ولم ينتظر النتائج أو ردود الأفعال؛ بل كان مستمرًا وهستيريًا وصادمًا لا يستحي أن يقيم محاكم التفتيش للإسلاميين عن الخمر والبكيني والدعارة... إلخ! ولا يستحي من مخالفة العقل والمنطق في أطروحاته التي أتت بثمار ملحوظة في تشويه صورة الإسلاميين، ساعدهم في ذلك موروث الجهل المتراكم، واستغلال الحاجة المتعجلة للإصلاح، واستخدام أموال طائلة وآلة إعلامية جبارة، ونماذج من تمثيل العمل الإسلامي أساءت إليه بتقديمها للعمل عن غير تأهُّل أحيانًا، وعن عمالة متعمَّدة أحيانًا أخرى!

لكن بقي المشهد العام لا يفي بالقضاء على التجربة التي بقيت راسخة في قلوب كثير من أبناء الشعب لا زال حلمهم بهويتهم وشريعتهم يستحق بذل الغالي والنفيس!

فتعجل القوم بأسوأ الاختيارات بانقلاب مسلح لم يلبث أن صرَّح أن غرضه حماية مصر من الهوية الدخيلة عليها بزعمهم!

فانكشف المشهد عن النصارى والعلمانيين والفسدة والقتلة والخونة والمنافقين وبعض المخدوعين؛ بأن الحرب على الدين والهوية بعيدة عن المشهد...

وكالمعتاد بدأ الفرعون الجديد بتقديم نفس القرابين لأسياده بالخارج، وتقديم نفسه أنه حامي الحما من ذلك الخطر الداهم المسمى بالمشروع الإسلامي!

ولأن التاريخ يعيد نفسه بدأ الانقلابيون في استخدام أسلوب الصدمة والرعب كنظرائهم من انقلابيي الجزائر منذ سنوات -راجع: (الحرب القذِرة؛ لحبيب سويدية)-.

فبدأ القمع بشكلٍ صادم ومتعمّد في القتل والاعتقال والاغتصاب والظلم الفاجر بكل أنواعه، وبالطبع في مظاهر تغيير الهوية!

لكنها هذه المرة بعجلةٍ شديدة غير محسوبة؛ لأن عامل الوقت ليس في صالح انقلاب يريد تثبيت أركانه بأي شكل وبأسرع وقت في مواجهة مقاومة صامدة وصادمة في الوقت نفسه - ممن رفضوا أن يعطوا الدنية من دينهم أو أوطانهم أو كرامتهم أو أن ينزلوا على رأى الفسدة!

فالانقلابيون يسابقون الزمن في السماح بكل ما هو شاذ وغريب؛ حتى تتوالى الأخبار يوميًا عن السماح بأفلام مُنِعت سابقًا عن الإلحاد والشذوذ -احترامًا للدستور المناصر للشريعة بالطبع!- وعن عرض مناهج التعليم على الشريك الأساسى تواضروس، وعن تقديم مدعِ للسلفية لا يرى بأسًا بأفلامهم التي كانت بالأمس القريب رجسًا من عمل الشيطان، وعن تدخل الجيش لحل مشكلة راقصة [هزت وِسطها] بدون إذن الوكيل الحصري صاحب الحق في (لم النقوط)...

إلى أن خرجوا علينا بخبر إعطاء جائزة الأم المثالية لهذا العام ليس بالطبع لزوجة البلتاجي مثلًا التي فقدت ابنتها، وسُجِنَ زوجها وابنها لدفاعهم عن هوية وكرامة شعب، ولا بالطبع لتلك الأم التي وقفت على جثة ابنها في رابعة وهي تقول: "فداء لشريعتك يا رب!"، ولا لأي أم أخرى قدَّمت فلذة كبدها تحتسبه عند الله كشهيد في سبيل دينه الذي هو أغلى من الحياة نفسها! وإنما أُعطِيَت الجائزة لراقصة شمطاء بلغت من العمر عِتيًا لكنها لم تجد بعد للحياء موطئًا!

ذكرني هذا المشهد العبثي الأخير؛ بفيلم شهير في السبعينات لممثلة راحلة لُقِّبَت بالسندريللا... قامت في الفيلم بدور طالبة جامعية اضطرت للعمل كراقصة ليلًا بدلًا عن أمها الراقصة التي كبر سنها لكن لسوء حظها، لم تكن في عهد الانقلابيين لتجد من يُكرِّمها!  فعملت الابنة كطالبة نهارًا تغازل أستاذها في الجامعة وراقصة ليلًا تمتع زبائن أمها!

حتى وقع الأستاذ الجامعي في حبها، وكاد أن يتركها بعد أن عَلِمَ حقيقة عملها أو هكذا... يمكن أن يتوقع المشاهد لولا أن نهاية الفيلم جاءت بخطبة عصماء للطالبة في مدرَّج الجامعة أن لا وجه للإنكار عليها؛ لأن أمها لا تختلف عن كل أم في مصر، ولما اعترض عليها زميل لها -معقَّد طبعًا وكده!- بجملة شهيرة في الفيلم قائلًا: "ليه هو كلنا ولاد نعيمة المظية؟!" ردَّت الطالبة الراقصة بشموخٍ كشموخ القضاء المصرى: "ايوه! كلنا ولاد نعيمة المظية" فانفجر المدرَّج بالتصفيق! وجاء الزميل المعترِض ليعتذر إليها، وهنا أتى الأستاذ الجامعي ليصفق لها ويحملها على يديه وسط وصية باقي الطلبة: "خللى بالك من زوزو"!

كان هذا فيما مضى؛ فيلمًا يحاول وسط آلاف المؤثرات الأخرى في تقديم ما كان مرفوضًا بالأمس دينيًا ومجتمعيًا في صورة الأمر الواقع المقبول بل والأصيل!

أما الآن؛ فالوقت ليس في صالح الانقلابيين لتقديم شيء وتأخير آخر، فالتغيير يأتي بالسلاح! فلا مانع من جرعة صادمة بتكريم راقصة ليس في المركز الكاثوليكي للسينما كما هي العادة في السنوات الأخيرة... بل من نادي الطيران في مؤتمر تابع لوزارة الشباب ليس طبعًا تنفيذًا فقط لتعليمات وزير الدفاع "اللي ميرضيش ربنا هندعمه ونأيده!"، ولا حتى تنفيذًا لسخرية ممثل راحل "أحلى من الشرف مفيش يا آه... يا آه!"؛ وإنما ليعلم الجميع في الداخل والخارج أن ما كان منبوذًا بالأمس سيتم فرضه اليوم ولو سالت الدماء أنهارًا...!

هذه لن تكون بالطبع آخر الصدمات، لكن ما يغفل عنه هؤلاء أنهم بحربهم على الدين والهوية؛ يزيدون من إصرار المقاومين، ويتعجلون عقابًا ممن لا يستطيعون الفرار من عقابه سبحانه! وكما قال الرائع د. عبد الرحمن العشماوي:


ما مصر يا فرعون إلا حرة *** تأبى إلى غير العفاف نزوعا!
لكنها سلبت عباءة طهرها *** وخلع انت حجابها لتضيعا!
ولسوف تفتح مصر صفحة عِزِّها *** ولسوف يبقى رأسها مرفوعا!
فرعونُ لا يخدعك وهمك إنني *** أبصرت طفلا في حماك رضيعا!


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 5
  • 0
  • 3,491

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً