رسالة إلى فرعون!
فرعونُ، عقلك لم يزل مخدوعا *** وزِمام حكمك لم يزل مقطوعا
ما زِلتَ يا فرعون غُرًا تابعًا *** وتظن نفسك قائدًا متبوعا
فرعون، أنتَ الرَّمْزُ سُمُّكَ لم يزل *** يجري بأفئدة الطغاةِ نقيعا
خضِّب يمينك بالدماءِ، وقلْ لنا: *** إني أُنفِّذ أمريَ المشروعا
قطِّعْ رؤوس المصلحين فإنهم *** يبغون منك إلى الإله رجوعا
واملأْ سجونك، ثم قُلْ: إني هنا *** لأحارب الإرهابَ والتقطيعا
طاردْ بجندك كلَّ صاحب مبدإٍ *** يأبى لقانون الضلال خضوعا
واركض وراءَ شبابِ "مصرَ" لأنهم *** رفعوا الجباهَ وحاربوا التطبيعا
هم يصعدون إلى السماءِ وأنتَ في *** أوحال وهمِك ما تزال وَضيعا
هم يلجؤون إلى الإله وأنت لا *** يُرضِيك إلاَّ أن تسوق قطيعا
هم ينظرون بأَعيُنٍ مجلوَّةٍ *** فيرون فِعلك في العباد شنيعا
عرفوا حقيقةَ سحرِ مَنْ جمَّعْتَهم *** ورأوا عصا موسى تُخيف جموعا
ورأوا جباه الساحرين تعفَّرتْ *** سجدوا لربّ العالمين خشوعا
ورأوك تستبقي النساء رهائنًا *** وتُدير قتلًا في الرجال فظيعا
ورأوك في غيِّ التطاول سادِرًا *** فتبرؤوا مما جنيتَ جميعا
نظروا إليك فأنكروكَ لأنَّهم *** عرفوكَ في طرق الخِداع ضليعا
لكَ كلَّ يومٍ قَوْلةٌ تُلغي بها *** ما قلتَ أمسِ، وتُحسِن الترقيعا
ما مصرُ يا فرعونُ إلاَّ حرَّةٌ *** تأبى إلى غير العَفافِ نزوعا
لكنّها سُلِبَتْ عباءةَ طُهرِها *** وخلعْتَ أنتَ حجابها لتضيعا
وأكلْتَ أصناف الطعام، ومصرُ في *** ضَنْكٍ شديد لا تنال ضريعا
عجبًا! متى تبني لنفسكَ منزِلًا *** في الحقِّ، تملأ مُقلتيك دموعا؟!
أتظنُّ هامان الذي استنجدتَه *** ما زال يُوقِد للولاءِ شموعا؟!
أتظنّه ما زال يبني صرحَه *** حتى تُطيق إلى السماءِ طلوعا؟!
أنسيتَ قارونَ الذي زرع الهوى *** في قلبه حتى استطال فروعا؟!
خُسِفَتْ به الأرضُ التي أبدى لها *** خُيَلاَءَه، وغدا بها مخدوعا
ضاعت مفاتيح الخزائن واختفى *** قارونُ، لم يرَ في العباد شفيعا
سلْ عنه أرضك حين لم تترك له *** أثرًا، ولا للصوت منه سميعا
أنسيتَ يا فرعون أنك غارِقٌ *** في اليَمِّ تعصر قلبكَ المفجوعا
أنسيت رَهْوَ البحر حين ولجْتَه *** فرأيتَ نفسك في الخِضَمِّ صريعا
شرِّق وغرّبْ كيف شِئْتَ فإننا *** لا نجهل التطبيل والتلميعا
أبشرْ فإن الفجر سوف يُريق من *** كأسِ الظلامِ شرابَك المنقوعا
ولسوف تفتح مصرُ صَفْحة عزِّها *** ولسوف يغدو رأسها مرفوعا
فرعونُ! لا يخدعْك وهمْك إنني *** أبصرتُ طفلًا في حِماكَ رضيعا
عبد الرحمن العشماوي