النبع السادس عشر: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}
خالد أبو شادي
اللهم إنا نسألك من فجأة الخير ما تُدهِش به عقولنا، ونعوذ بك من فجأة الشَّرّالتي توهن قلوبنا. وهذا الرزق الرباني روحاني وجسماني، ولعل رزق العبد من الصبر واليقين والثبات أعظم من رزقه المالي والمدني، وهو ثمرة مباشرة من مباشرة التقوى، فاشغل نفسك بتحقيق التقوى عن طريق الاحتماء بطاعة الله من عقوبته، وصيانة النَّفس عما تستحق به العقوبة إذا فعلت ما نُهِيت عنه أو تركت ما أُمِرت به.
- التصنيفات: الزهد والرقائق - الواقع المعاصر -
كان ابن سيرين يقول: "أنا لما لا احتسب أرجى مني لما احتسبت، فقد قال الله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}"[1]. أَي من جهة لا تخطر بِبَاله ولا تتخالج في آماله، والرزق إذا وصل العبد "من حيث لا يحتسب كان أهنأ وأمرأ كما أن الخبر السار إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسرَّ، والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغمَّ وأشرَّ، فالتقوى تصير رزقه من غير محتسبه، فبسقوط المحتسبية عن قلبه يعلم أنه متق"[2].
فاللهم إنا نسألك من فجأة الخير ما تُدهِش به عقولنا، ونعوذ بك من فجأة الشَّرّالتي توهن قلوبنا.
وهذا الرزق الرباني روحاني وجسماني، ولعل رزق العبد من الصبر واليقين والثبات أعظم من رزقه المالي والمدني، وهو ثمرة مباشرة من مباشرة التقوى، فاشغل نفسك بتحقيق التقوى عن طريق الاحتماء بطاعة الله من عقوبته، وصيانة النَّفس عما تستحق به العقوبة إذا فعلت ما نُهِيت عنه أو تركت ما أُمِرت به.
واسمع كيف آمن الفاروق بهذه الآية وجعلها أسلوب حياة، فقد قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن أرقم: اقْسِم بيت المال ِفي كُلِّ شهر، لا بل في كُلِّ جُمعَة، فقال رجُلٌ -وهو طلحة- : يا أمير المؤمنين، لو حبَسْتَ شيئًا بعده عسى أن يأْتيك أمرٌ يُحتاجُ إليه، فلو ترَكْتَ عُدَّةً لنائبة إن نابت المسلمين.
فقال عمر: كلمةٌ ألقاها الشَّيطان على لسانك، لَقَّنَني اللهُ حُجَّتها، ووقاني فِتنتها، لتَكونَنَّ فتنةً لقومٍ بعدي، أعصي الله العام مخافة عام قابل؟!
بل أُعِدُّ لهم ما أعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [3].
ولعلَّ هذا ما جعل سفيان بن عيينة يقول للمتشكِّكين في الرزق ويخاطب المضطربين: "فكرك في رزق غد يُكتَب عليكَ خطيئة"[4].
ولو لم يكن من ثمرات التقوى سوى هذه الثمرة لكفى بها والله، والرزق من حيث لا تحتسب بشارة بتطهير قلبك من الهموم والأكدار ، فالمؤمن التقي يشهد أن الرزق بيد الرزاق، فقلبه مراقب لما يصنع مولاه، وعينه ناظرة لما اختاره له سيده، فهذا يؤتى رزقه صفوا وعلى رزقه طابع الإيمان، ولذا بشَّر سفيان الثوري المتقين بالكفاية والاستغناء فقال: "اتق الله فما رأيت تقيا محتاجا"[5].
[1] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار3/275.
[2] فيض القدير 1/71.
[3] حلية الأولياء 7/291.
[4] سير أعلام النبلاء 14/298.
[5] فيض القدير 1/71.