(1) الشرك في عبادة الله (5)
عبد الله بن حمود الفريح
العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الشرك وأنواعه -
:المسألة الخامسة:
كيف الجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: « »".
جاء في صحيح مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل النجدي الذي سأل رسول الله عن الإسلام وفي آخر الحديث أدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». فظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بأبيه فكيف الجمع بينه وبين نهيه عليه الصلاة والسلام عن الحلف بغير الله؟
الجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن لفظ «أفلح وأبيه إن صدق» حكم عليها بعض الحفاظ بالنكارة وقالوا لا تصح لما يلي:
1- أن مالك بن أنس تابع إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل بدون لفظة (وأبيه) ومالك بن أنس أوثق من إسماعيل بن جعفر وأيضاً أبو سهيل عمّ مالك بن أنس فهو أعرف به من غيره فتكون روايته مقدّمة على غيره، ولهذا أخرّ مسلم رواية إسماعيل بن جعفر وقدّم رواية مالك بن أنس لأنه يقدّم الأصح فالأصح.
قال محدث اليمن عبدالرحمن المعلمي في (الأنوار الكاشفة) ص [29،230]: "من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدّم الأصح فالأصح، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبيّنه الرواية المقدّمة".
2- أن إسماعيل بن جعفر قد اضطرب في الحديث فمرة يأتي بهذه اللفظة ومرة لا يأتي بها.
قال ابن حجر: قال ابن عبدالبر: "هذه اللفظة غير محفوظة، وقد جاءت عن راويها هو إسماعيل بن جعفر بلفظ «
» قال: هذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ » لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح، ولم تقع في رواية مالك أصلاً" أ ه.وقال الألباني:"قوله (وأبيه) شاذ عندي في هذا الحديث وغيره كما حققته في (الأحاديث الضعيفة) [4992]" ا. هـ.
الوجه الثاني: أن هذه اللفظة على فرض صحتها فقد وجهها أهل العلم، فمنهم من قال أن هذا الحلف كان قبل النهي، ومنهم من قال أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أن هذا مما يجري على اللسان من غير قصد، وبهذه الاحتمالات وغيرها من التوجيهات تكون هذه اللفظة من المتشابه الذي يُردُّ إلى المُحكم وهو النهي عن الحلف بغير الله، وهذه هي طريقة الراسخين في العلم في المحكم والمتشابه أن يدعوا المتشابه ويأخذوا بالمحكم (انظر: (فتاوى العقيدة) للشيخ ابن عثيمين. ص [173]).
قول المصنف: " في عبادة الله ".
المسألة السادسة:
تعريف العبادة.
العبادة: مأخوذة من التعبد والتذلل والخضوع الاختياري، والتقرب إلى الله بما شرعه.
وبعض العلماء يعرفها بأنها غاية الحب لله عز وجل مع غاية الذل له، وهذا تعريفها المجمل.
وأما تعريفها المفصل فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) [10/149]: "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. والعبادة أصل معناها الذل أيضاً، يقال: طريق معبد إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له ثم قال: ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له، ولو أحبّ شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، كما قد يحب ولده وصديقه، ولذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله".
وقال ابن القيم في (نونيته الكافية الشافية):
وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبانِ
وعليهما فلك العبادة دائرٌ *** ما قام حتى قامت القطبانِ صورة
ومداره بالأمر أمر رسوله *** لا بالهوى والنفس والشيطانِ
قول المصنف: "ومن ذلك دعاء الأموات"
المسألة السابعة:
من أنواع الشرك دعاء غير الله.
وقول المصنف: "ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم" موجود في بعض النسخ دون البعض، وعلى كل حال مرّ معنا شرك الدعوة وأن من دعا غير الله سواء كان دعاء مسألة أو دعاء عبادة فقد أشرك لأن الدعاء لا يكون إلا مع محبة وتعظيم وافتقار وتذلل واعتقاد أن المدعو قادر على الاستجابة.
ويدل على ذلك: قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ . إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر من الآية:13-14].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): "فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال، التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل.
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الدرر السنية) [2/19]: "فمن قال: يا رسول الله، أو يا عبدالله بن عباس، أو يا عبدالقادر، أو يا محجوب زاعماً أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى، أو أنه شفيع عنده أو وسيلته إليه فهو الشرك الذي يهدر الدم، ويبيح المال إلا أن يتوب من ذلك".