الفروق اللغوية في الشعر العربي
بادئ ذي بَدْء؛ فإنَّني سأتناول هذا الموضوعَ في سِياق قضيةٍ واحدة (ألاَّ بأس في ذلك)، فخلق المضمون الحضاري مِن زاوية واحدة يُعدُّ مؤشرًا للإسهامات المتعدِّدة، والمهيأة للتناول والاستكانة -على الأقل-.
بادئ ذي بَدْء؛ فإنَّني سأتناول هذا الموضوعَ في سِياق قضيةٍ واحدة (ألاَّ بأس في ذلك)، فخلق المضمون الحضاري مِن زاوية واحدة يُعدُّ مؤشرًا للإسهامات المتعدِّدة، والمهيأة للتناول والاستكانة -على الأقل-.
إنَّ موضوع الفروق اللُّغوية هو موضوع شائق وجميل، كما أنَّه يحتشد بأفكارٍ شديدة الثراء، ونتائج لافتة للنظَر، وبهذه المنهجية ندعو إلى قراءةِ المصنَّف الرائع "الفروق اللُّغوية" للإمام الأديب أبي هلال العَسكري، المتوفَّى عام 395 هجرية، وله تصانيفُ كثيرةٌ في علوم النحو والأدب والدِّين واللغة، والتي منها على سبيلِ المثال لا الحصر:
- الفرق بين المعاني.
- العمدة.
- أسماء بقايا الأشياء.
- المحاسن في تفسير القرآن.
المترادفات في اللغة العربية:
يُعدُّ الترادف مظهرَ ثراءٍ في اللغة، فهو حشْد لُغوي تترادَف فيه الألفاظ، وتتوالى على المعنى الواحد، وذلك التنوُّع في المترادِفات العربية أمر استرعى انتباهَ اللُّغويِّين على مرِّ العصور، وخاصَّة الشعراءَ منهم.
فالسيف له ألْفُ اسم، وللماء سبْعون اسمًا!
وثمَّة نقطة أخرى بالِغة الأهمية في هذا الطرح:
إننا نلحَظ أنَّ شعراء كِبارًا لمعَتْ أسماؤهم في عَنان سماء الشِّعر، طرقوا هذا البابَ، ولا أريد الإسهابَ في عرْض فروق لُغَوية كثيرة، وإنَّما سأكتفي ببعض منها.
هذا؛ وللهِ الفضل أولاً وآخرًا، فمنه نستمدُّ العون ومنه ننتظر الجزاء.
1- الفرْق بين المِثل والشَّكل:
"الشَّكل": هو الذي يُشبه الشيء في أكثرِ صفاته، فمعنى شاكَل الشيءُ الشيءَ: أنَّه أشبهه في شمائله؛ ولهذا لا يُستعمل الشَّكل إلا في الصُّور، فنقول: هذا الطائر شكلُ هذا الطائر، ولا يقال: الحلاوة شكل الحلاوة.
وقد سجَّل امرؤ القيس في قصيدة له وهي في ديوانه [ص:236]:
حَيَّ الحَمُولَ بِجَانِبِ الشَّكْلِ *** إِذْ لاَ يُلاَئِمُ شَكْلُهَا شَكْلِي
2- الفرق بيْن الصاحب والقرين:
تُستعمل كلمة "الصاحب" في الآدميين، فيقال: صَحِب زَيدٌ عمرًا، ولا يُقال: صَحِب الحمارُ الناقة، كما أنَّ أصل الصَّحب في اللُّغة العربية بمعنى الحِفظ، ومنه يُقال: صَحِبَك الله في سَفرك.
وقال شاعر:
وَصَاحِب مِنْ دَوَاعِي الشَّرِّ مُصْطَحبُ
والمقارنة تُفيد قيامَ أحد القرينين مع الآخَر، وتكون في الغالِب بين الحيوانات، ولا يترتب -إلزامًا- على النفع المتبادَل في جميع الأحوال.
3- الفرق بين الصِّراط والطريق والسبيل:
الصَّراط: هو الطريق السهل؛ قال الشاعر:
حَشَوْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى *** تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ
أما الطريق: فلا يقتضي السهولة، لما أنَّ السبيل اسم يقَع على ما يقَع عليه الطريق، وعلى ما لا يقع عليه الطريق، فنقول: سبيل الله، وطريق الله (ويراد بهما: القصد والمحبَّة).
4- الفرق بين العكوف والإقامة:
قال أبو محمد الفقعسي، كما في (لسان العرب [14/101]):
بَاتَتْ تَبَيَّا حَوْضُهَا عُكُوفًا
فالعُكوف هنا يُقصَد به الإقبال علي الشيء، والاحتباس فيه، ومنها "الاعتكاف": حيث يكون المعتكِف محبوسًا بإرادته في دارِ العبادة يروم وجهَ الله، غير منشغِل بخلاف هذا الأمر. أما الإقامة فلا تتطلَّب تلك الشروط.
5- الفرق بين الخجل والحياء:
قال ابن الأنباري: أصلُ الخجل في اللُّغة: الكَسل والتواني، وقلَّة الحرَكة في طلب الرزق، وقال آخر: الخجل ممَّا كان، أمَّا الحياء: فممَّا سيكون.
وقال الكميت بن زيد الأسد الكوفي، كما في ديوانه [2/7]:
وَلَمْ يَدْفَعُوا عِنْدَمَا نَابَهُمْ *** لِوَقْعِ الْحُرُوبِ وَلَمْ يَخْجَلُوا
ويُقصد بالخجل هنا: الهَش، وقد يستعمل الحياء: موضِعَ الخجل توسُّعًا.
وفي الختام لا بدَّ من كلمة:
وبعد، فهنا وقَف القَلم، وفي المجال مُتَّسع لمن أراد الزيادة، مقولاً ومنقولاً، وحسْبي أن أتلمَّس جوانب مِن الموضوع تلفت الأنظار إليه، فينبري الموفَّقُ لبسط الفائدة، وإتمام النقص.
أيمن عبد السميع حسن حسنين
- التصنيف:
- المصدر: