زواج على ورقة طلاق... لماذا تنهار الأسر الجديدة؟
لا بد من طرح السؤال... هل التربية الخاطئة هي المسئولة عن قصر عمر الزواج في هذه الحالات، أم أنه الاختيار، أم التسرع وعدم دراسة كل طرف لشريكه المنتظر؟
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
تألقت السعادة بكل وضوح على شفتيها الباسمتين، وبرقت عيناها بالفرحة التي طالما انتظرتها سنوات عديدة، وهى ترتدي ثوب الزفاف الأبيض الحالم، ينعكس ضوء القاعة المبهر عليها، فتزداد لمعانًا، تتأبط ذراع زوجها الوسيم ذي الحلة السوداء الحالكة، ورباط العنق الصغير الأنيق، تطل السعادة من خلجات وجهه، فتزداد سعادتها، وقبل أن تكتمل الأسرة التي لم تلبث جذورها أن تستقر في الأرض، فوجئ الجميع بالخبر الصعب ألا وهو الطلاق، انهارت الأسرة قبل أن تبدأ، وتساءل الجميع في حيرة وذهول عن السبب!
قصة تتكرر كل يوم بعد أن تزايدت حالات الطلاق بشكل ملفت في مجتمعنا، فما الأسباب؟ وكيف نحمى الأسرة من هذا الكابوس؟
حماتي السبب:
تقول ليندا: أنهيت دراستي الإعدادية، وكنت أصغر بنات العائلة التي تتكون من عشرة أفراد، تقدم قريبي لخطبتي، ولم أكن أفهم معنى الزواج، كان عمري خمسة عشر عامًا فقط، ومن داخلي لم أكن أرغب في الزواج، إلا أن أهلي وافقوا وأقنعوني، وتزوجت، وكانت نهاية البداية من حماتي، فهي سيدة قوية وصعبة جدًا، وباتت حياتي مستحيلة، إلا أن طيبة زوجي جعلتني أتمسك به، حتى أتاني من يخبرني أن زوجي ينوى الزواج بيهودية تعرف عليها في أثناء سفره للضفة الغربية، فأبلغت أهلي، ورأوا أني لا يجب أن أبقى على ذمته.
سقط القناع:
تُرجع مديحة السعيد سبب طلاقها من زوجها لكثرة المشاكل بينهما فتقول: لقد سقط القناع عنه بعد زواجنا مباشرة، لم يعد ذلك الرجل الرومانسي اللطيف الذي أحببته وتزوجته، وظهرت شخصيته الحقيقية، أصبح جافًا في تصرفاته وعدوانيًا معي، يغضب لأتفه الأمور، ولا يرضيه شيء مهما فعلت، حتى لو أضأت له أصابعي شمعًا، حاولت مرارًا وتكرارًا تجنب الطلاق للحفاظ على أسرتي، ولكن بعد أن وصل الأمر إلى حد الضرب والإهانة لم أجد حلًا سوى الطلاق.
ليس بالجمال وحده يحيا الزواج:
نشأت بينهما قصة حب عميقة، كانا يعملان في نفس المدرسة، جمالها الملفت للأنظار أثار إعجاب العديد ممن حولها، وكان هو ضمن هؤلاء، حتى تزوجا، وبسبب ظروفها المادية الميسورة أخذت تتجاهل زوجها باستمرار، وتتعالى عليه، فتعرف على فتاة أخرى ليست جميلة كزوجته، ولكنه وجد فيها الحنان الذى افتقده في زوجته، فقام بتطليقها؛ ولكن بعد أن أنجبت.
مفاجأة شهر العسل:
فتاة في السادسة والعشرين من عمرها، تعمل بالتدريس، خطبت لرجل أعمال خطبة تقليدية، وتزوجا بعد الخطبة بأسبوع، نظرًا لأنه ميسور الحال، وكانت المفاجأة في يوم زفافها الذي تنتظره كل فتاة بشوق وترقب، وجدته يقوم بحساب ما ستقوم بإنفاقه على المنزل من راتبها، وفى اليوم التالي لزفافها، فوجئت بأصدقائه قد أتوا للمنزل، وأخذ زوجها يلعب معهم القمار حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، واجهته ولكنه تشاجر معها، وأخذ يبيت خارج المنزل لثلاث أو أربع ليالٍ متصلة، وبعد أن نفد صبرها، تركت المنزل وعادت إلى منزل أهلها، وتم طلاقها بعد عام واحد من الزواج.
اختفاء زوج:
تعمل حاسبة في أحد البنوك، طُلقت منذ ثلاث سنوات بعد أن تزوجت من شقيق صديقتها، رجل أعمال، لم تتعد فترة الخطوبة شهرًا واحدًا بعدها تزوجا، وبينما يقضيان شهر العسل في أحد الفنادق اختفى تمامًا ولم يترك أثرًا، وبعد أن فقدت الأمل في عودته، اضطرت إلى بيع شبكتها كي تتمكن من تسديد فاتورة الفندق الباهظة، والعودة إلى مصر، وهناك فوجئت بأن ورقة الطلاق تنتظرها بعد ثلاثة أسابيع بالضبط من الزواج.
عفوًا والدي:
يتيمة الأب، عمرها 25 عامًا، خطبت لشاب هادئ بالطريقة التقليدية، كان عش الزوجية الجديد مقابلًا لشقة أسرة الزوج، من ثم أخذ الأب والأم بالتدخل في أدق شئون حياتهما، مما أحال عش الزوجية السعيد إلى جحيم، حتى انتهى الأمر بالطلاق بعد سنة واحدة من الزواج، الذى أسفر عن طفل عمره ثلاثة أشهر.
وهنا لا بد من طرح السؤال... هل التربية الخاطئة هي المسئولة عن قصر عمر الزواج في هذه الحالات، أم أنه الاختيار، أم التسرع وعدم دراسة كل طرف لشريكه المنتظر؟
السبب الرئيس... سوء اختيار
عن أثر التربية المدللة، وعدم تحمل المسئولية، تتحدث الدكتورة آمنة أبو كيفه -الأخصائية النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس، ومدير البعثة التخصصية لإعداد معلمي التوجيه- فتقول:
للطلاق المبكر أسباب عديدة منها: سوء الاختيار، والتسرع في اتخاذ القرارات، أو الزواج على عجل بعد فترة لا تكاد تكفي لمعرفة كل فرد للآخر معرفة جيدة، بالإضافة إلى الأهل الذين يضعون كل تركيزهم واهتمامهم على النواحي المادية فقط، ناسين أو متناسين السؤال عن ذلك المال، ومعرفة مصدره على الأقل، وإذا كان الطرفان يدركان جيدًا أهمية العلاقة الزوجية، وأن أساسها هو الرباط المبني على المودة والرحمة والحب والود، يمكنهما حينئذ مواجهة أي عقبة تواجههما مهما كانت صعوبتها؛ إذ يتغاضى كل منهما عن بعض العيوب التي يمكن التغلب عليها، والتعايش معها من الطرف الآخر، أما إذا لم يكونا متفاهمين، ولا يوجد بينهما علاقة حب، فكيف ينجح الزواج إذن؟.
وتضيف د. آمنة: من الملاحظ أن معدل الطلاق قد زاد في تلك الآونة عما كان خلال الثلاثين عامًا الماضية مثلًا؛ لأن الشاب المدلل الآن يتعامل مع الزواج بعدم اهتمام، مع توقعه بأن الطرف الآخر سيطيع ويفعل ما يريده على الفور بلا مناقشة، كما اعتاد في منزل أسرته، فما دام أحد الطرفين مدللًا، فإنه لا يدرك أهمية تحمل المسئولية، سواء مسئولية المنزل، أو الأسرة، أو الأطفال.
كذلك فإن فشل الزواج قد يكون نتيجة تدخل أحد الأبوين، وبالذات الأم، فكثير من الأمهات يتدخلن تدخلًا سافرًا ومباشرًا في حياة أولادهن، نظرًا لوجود أزمة السكن، واضطرار العديد من الشباب المتزوج إلى المعيشة مع الأسرة، سواء في حجرة مستقلة، أو شقة مستقلة في نفس منزل الأسرة، ولا نريد أن نلقي باللوم على الأمهات وحدهن، فزوجة الابن قديمًا كانت مطيعة وهادئة يكاد لا يُسمع لها صوت بالرغم من معيشتها في منزل أسرة زوجها، أما الآن فهناك العديد من زوجات الأبناء اللائي يردن كيانًا مستقلًا في منزل مستقل.
وهذا لا يعنى أن الصورة الرومانسية للزواج التي نراها في الأفلام غير موجودة، فالحياة ليست قائمة بهذه الدرجة، فمؤلفو تلك القصص غالبًا ما يقومون باقتباس هذه القصص والموضوعات من الواقع، سواء رأوها بأنفسهم، أو قصها على مسامعهم أحد الأصدقاء، أو قرأوها.
الخلاصة:
أن تلك القصص جميعها قصص واقعية، فهناك رومانسية، وهناك زواج ناجح، وهناك زوجان متحابان بعد فترة طويلة من الزواج؛ لأن المرأة إذا أحبت الرجل حبًا صادقًا حقيقيًا، فإنها تتحمله إلى أقصى حد، وكذلك الزوج، كلما كان قريبًا من الدين، سيتقي الله في زوجته، ويخشى أن يهينها ولو بكلمة؛ اتباعًا للآية الكريمة: {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق من الآيتين:2-3].
إلا أنه في المقابل توجد حالات يكون فيها عقد الزواج مكتوبًا على ورقة الطلاق، حتى وإن كانت نسبة هذه الحالات ضعيفة ومحدودة، فإن ذلك لا ينفي وجودها الذي يسبب حالة من القلق والتوتر للأسرة.
الحل في التكيف:
وذكَّرنا دكتور حمدى المليجي -أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية بجامعة طنطا- بحقيقة مهمة جدًا، وهى: أن لكل حالة من حالات الطلاق المبكر أسبابها، وليس هناك أسباب عامة، أما الأسباب المحتملة، والتي يمكن أن تؤدي لحدوثه يمكن إجمالها في الآتي:
1- عدم التوافق الزواجي بين الشريكين، والراجع إلى الفرق في المستوى الثقافي والفكري والتعليمي، فالزوج يشعر دائمًا بالنقص إذا كانت زوجته أعلى منه في الدرجة العلمية، بينما إذا كانت الزوجة هي الأقل في المستوى التعليمي، فإنها على العكس لا تشعر بالنقص، بل تشعر بالفخر بزوجها، وتحاول دفعه دائمًا إلى الأمام.
2- الغيرة الشديدة من أحد الزوجين على الطرف الآخر، والتي قد تصل إلى حد الشك المرضى.
3- الفرق في المستوى الاقتصادي في المعيشة، وخاصة الزوجة حين تكون أسرتها ذات مستوى مادي مرتفع، وتوفر لها كل ما تحتاجه، بينما الزوج لا يمكن تلبية متطلباتها التي كانت توفرها لها أسرتها السابقة.
4- عدم الرغبة في إتمام الزواج أصلًا وبخاصة الزوجة التي قد تكون أرغمت على الزواج، أما الزوج فلا يمكن إرغامه على ذلك أبدًا.
5- المثل العامي القائل: إن الحب يأتي بعد الزواج، فهو ليس قاعدة، فهناك من الحالات ما يتحقق فيها ذلك، وهناك من يقضيان حياتهما الزوجية بأكملها بلا حب.
وهناك مؤشرات يمكن أن تؤخذ في الاعتبار للدلالة على نجاح تلك الزيجة أو فشلها، واحتمال حدوث الطلاق المبكر، ومن هذه المؤشرات:
1- وجود فجوة في التفكير بين الطرفين.
2- أن تكون طلبات المخطوبة فوق مستوى إمكانات الخاطب لعدم تقديرها أن خطيبها شاب في بداية حياته، لا يمكن أن يحقق لها كل ما تحلم به على الأقل الآن.
3- بخل الزوج والذي قد يظهر أثناء فترة الخطوبة، ومهما حاول مداراة ذلك فلا بد من هفوة صغيرة تكشف للزوجة أن زوج المستقبل بخيل.
4- استعجال الاستفادة من الزواج اقتصاديًا كأن تطلب الفتاة من خطيبها سكنًا كبيرًا وواسعًا، أو حفل زفاف في أحد فنادق الخمس نجوم.
وليس هناك حل سحري لتفادي حدوث الطلاق المبكر، ولكن هناك عدة محاولات لذلك منها:
1- انتقاء الأسرة: سواء الزوج أو الزوجة التي يختار منها شريك المستقبل، بحيث تتوفر فيه مجموعة من الخصائص التي تحقق الاستقرار والعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه»؛ لذا فإن نقطة البداية لنجاح أي زواج هي الاختيار الصحيح.
2- تفهُّم ظروف الطرفين سواء كانت مادية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومحاولة التكيف معها، وتحذير كل من أسرتي الزوج والزوجة من التدخل في حياة أبنائهما إلا بالنصح فقط، بما لا يصل إلى التدخل في أمورهما الشخصية، كأن تقوم الأم مثلًا -الحماة- باصطياد المواقف الصغيرة في حياة ابنها أو ابنتها لخلق مشكلة كبيرة قد تصل إلى حد الطلاق.
3- أن تقدم وسائل الإعلام برامج تحقق الإرشاد الزواجي، ويجب على تلك البرامج أن تركز على تقديم الإرشاد الزواجي بصورة علمية مبسطة باستخدام جميع الوسائل المتاحة؛ لأنها تخاطب شرائح متباينة من المجتمع.
وأخيرًا ينصح د. المليجي الشباب المقبل على الزواج بأن يحاول كل من الشريكين أن يتنازل عن عيوب الطرف الآخر، فقد أتى كل منهما من أسرتين متباينتين، لكل واحدة منهما أسلوب تربية وتفكير مختلف حتمًا ينبغي احترامه كأمر طبيعي.