التعليم المختلط في الصفوف الأولية - نظرات علمية - (3) أثر الفروق في تشريح العين على الجنسين
لاحظ المختصون في العقد الأخير وجود فروق في تشريح العين بين الجنسين... وجد الباحثون أن كل حركة إشارة في جميع ممرات الشبكية إلى قشرة الدماغ تختلف لدى كل من الذكور والإناث... لكن الآفة هي فصول القرن الواحد والعشرين المختلطة، أو المحايدة...
لاحظ المختصون في العقد الأخير وجود فروق في تشريح العين بين الجنسين، فالشبكية وهي الجزء المعني من العين بتحويل الضوء إلى إشارات عصبية، مقسمة إلى طبقات، طبقة تحتوي على مستقبلات الصور (photoreceptors)؛ نبابيت (rods) ومخاريط (cones).النبابيت حساسة للأسود والأبيض، ولا ترى الألوان، والمخاريط حساسة للألوان. ترسل النبابيت والمخاريط إشاراتهما للطبقة التالية؛ طبقة الخلايا العقدية (ganglion cells).
المختصون يعلمون منذ عقود أن هذه الخلايا بعضها كبير (Magnocellular)، والآخر صغير (Parvocellular)، وأغلب الدراسات التي تتناول هذا الموضوع تشير إليهما بالرمزينM وP. وظائف كل من M وP مختلفة تمام الاختلاف؛ فالخلايا M وهي الجزء الذي يتعرف على الحركة، متصلة بصورة أساسية بالنبابيت، وتأتيها بعض البيانات من المخاريط، ونظرًا لكونها منتشرة في كل الشبكية فإن بإمكانك أن ترى أي جسيم في كل المجال البصري. اعتبر أن الخلايا M مسئولة عن الإجابة على السؤال: أين هو الآن، وإلى أين سيذهب؟
أما الخلايا P في الجنس البشري فمرتبطة بأنواع المخاريط الثلاثة، الخلايا P تتركز في مركز المجال البصري؛ الحفرة (fovea) وما حولها، وهذه الخلايا تترجم المعلومات المتعلقة باللون والملمس، لذا يمكن اعتبارها مسئولة عن الإجابة على السؤال: ما هو؟
ترسل خلايا P معلوماتها عن طريق القسم الخاص بها من السرير البصري (thalamus) إلى منطقة محددة من قشرة الدماغ (cerebral cortex) متخصصة في تحليل اللون والملمس، بينما ترسل الخلاياM معلوماتها من خلال ممر منفصل لمنطقة أخرى من قشرة الدماغ متخصصة في تحليل العلاقات الفضائية (spatial relationship) وحركة الجسم.
وجد الباحثون أن كل حركة إشارة في جميع ممرات الشبكية إلى قشرة الدماغ تختلف لدى كل من الذكور والإناث، فالشبكية البشرية ممتلئة بمستقبلات هرمونات جنسية. ووجد أخصائي التشريح إدوين لفارت (Edwin Lephart) وزملاؤه أن شبكية الذكور أسمك من شبكية الإناث، وذلك لأن شبكيات الذكور فيها عدد أكبر من الخلايا M السميكة، بخلاف الإناث اللاتي تسود عندهن الخلايا العقدية P قليلة السمك مقارنة بالأولى. لقد وجد الباحثون تباينًا بين أفراد الجنس الواحد، لكنه محدود، بينما كان التباين بين أفراد الجنسين المختلفين كبيرًا، وذلك ما وجد في الحيوانات أيضًا[1].
ومن التطبيقات تبين أثر الفروق في تشريح العين على الجنسين من الناحية التعليمية ما يلي:
لو أعطيت عددًا من الصغار أوراقًا بيضاء، وأقلام تلوين، وطلبت منهم أن يرسموا ما يشاءون، ستلاحظ أن البنات يستعملن ألوانًا مثل الأحمر، البرتقالي، الأخضر، البيج (لون الصوف الطبيعي)، لأنها هي الألوان التي هيئت الخلايا P لتكون حساسة لها، أما الأولاد فسيرسمون أشكالًا لأشياء متحركة، وسيستعملون ألوانًا مثل الأسود، الرمادي، الفضي، الأزرق، لأنها هي الألوان الأكثر ارتباطًا بالخلايا M [2].
وقد درس بعض المختصين في العقدين الماضيين لوحات الأطفال، فوجدوا أن البنات يملن لرسم الوجوه (بشر أو حيوانات)، والأزهار والأشجار، ويكون رسمهن متناظر الشقين إلى حد كبير، يواجه الناظر (كأنها تنظر لما يقابلها في الطبيعة)، كما يستعملن عشرة ألوان أو أكثر في اللوحة الواحدة، من الألوان التي سماها الباحث ياسومازا آري (Yasumasa Arai) الألوان الدافئة؛ الأحمر، الأخضر، البيج، البني. أما الأولاد فيرسمون أشكالًا لأشياء متحركة؛ صاروخ يصيب هدفًا، غرباء يهمون بأكل شخصٍ ما، عربة تصطدم بأخرى... ويستعملون ستة ألوان كحد أقصى، من التي سماها ياسومازا: ألوانًا باردة؛ الأزرق، الرمادي، الفضي، والأسود.
كما أنهم يتخيلون أنفسهم وهم يرسمون كما لو كانوا متحكمين في مكونات اللوحة في الطبيعة، لا متفرجين كما تفعل البنات، وقد اختصرت الأخصائية النفسية دونا تيومان (Donna Tuman) هذه الفروق بقولها: "البنات يرسمن الأسماء، والأولاد يرسمون الأفعال" [3].
ومن القصص التي تبين أهمية اعتبار نحو هذه الفروق في العملية التعليمة -على ضآلتها فيما يبدو للناظر- قصة واقعية، لعل سردها يثبت للقارئ أن الدعوة إلى اعتبار الفروق بين الجنسين والفصل بينهم في التعليم دعوة مهمة حقًا، وليست محض تهويل ليس عليه تعويل:
أعطت أستاذة التمهيدي كل طفل ورقة بيضاء، وطلبت منهم أن يستعملوا أقلام الألوان لرسم ما يحبون، وكانت المعلمة تمر عليهم وتشجعهم، وأثناء مرورها توقفت عند أنيتا (Anita)، ذات السنوات الخمس، رسمت أنيتا ثلاثة أوجه مبتسمة تواجه الناظر، وقد استعملت اثني عشر لونًا! أحمر، بني، برتقالي،... وكثير من الألوان الساطعة.
قالت المعلمة: عمل ممتاز يا أنيتا.. من هؤلاء؟
فردت الطفلة: هذه أنا، وهذا أخي فلان، وهذه أمي.
قالت المعلمة: هذا رائع جدًا، عمل مميز.
ثم انتقلت المعلمة لماثيو (Matthew) ذي الخمس سنوات، وهو نفس الطفل الذي مر علينا عندما بحثنا أثر الفروق العضلية في المقالة السابقة. كان ماثيو قد غطى سطح الورقة بخطوط سوداء داكنة (خربشة)، فسألته المعلمة: ما هذا؟
أجاب ماثيو بكل فخر: إنه صاروخ كاد أن يدمر الأرض، انظري هذا هو الصاروخ، وهذه هي الأرض.
المعلمة رأت أن ماثيو استعمل اللون الأسود فقط لكل من الأرض والصاروخ، لا أثر في لوحته لأي شخص، ولا أي لون، ولا أي حياة!
قالت المعلمة بتصنع محاولة إخفاءه: هذا حسن يا ماثيو، لماذا لم تضف ألوانًا أخرى؟ هل هناك أشخاص في الصاروخ؟
نعم لقد حاولت المعلمة إخفاء انطباعها السيء، غير أن هناك شيء يتقنه الطفل في هذه السن بنتًا كان أو ولدًا، ألا وهو اكتشاف ما يعجب الكبار، لذا فإن ماثيو فهم رغم محاولات المعلمة أن لوحته لم تعجبها كما أعجبتها لوحة أنيتا. فكانت النتيجة أن استنتج الطفلان أن رسم أنيتا صحيح، ورسم ماثيو خطأ.
حاول ماثيو أن يقلد أنيتا، لكنه عجز عجزًا تامًا.
فاستقر عنده أنه فاشل في الرسم، وأن الرسم للبنات.
وكما أنه اعتبر نفسه فاشلًا في الكتابة نظرًا للتفاوت في القدرات العضلية المتعلقة بالتحكم الدقيق، اعتبر نفسه فاشلًا في الرسم أيضًا، وفوق ذلك المعلمة تريد منه أن يبقى في مكانه هادئًا، وينصت لما تقول، بينما لا يطيق هو إلاّ أن يجري ويقفز ويصيح.
وقد عقب ساكس على هذه القصة بكلمة حاصلها أن ماثيو لم تكن به آفة، لكن الآفة هي فصول القرن الواحد والعشرين المختلطة، أو المحايدة كما سماها.
وتطبيق آخر ينبني على الفروق المذكورة ينبغي اعتباره، وهو ما أشارت إليه الدراسات التي أجريت على الأطفال الصغار من أن أداء البنات أفضل في المهارات التي تتطلب التمييز بين الأشياء، (الإجابة عن ما هو؟)، بينما أداء الأولاد أفضل في التعرف على مواضع الأشياء، (الإجابة عن أين هو؟). كما لوحظت نفس الفروق بين ذكور وإناث القرود الصغيرة [4].
فالأشياء المتحركة ذات الألوان المحدودة كفيلة بجذب انتباه البنين، أما البنات فقد لا تجذب انتباههن هذه بنفس درجة الأشياء الثابتة ذات الألوان والتعابير المفصلة، وقد لوحظ أن أغلب البنات والنساء أفضل من البنين والرجال في تفسير كلمات الوجه. فتساءل بعض الباحثين من جامعة كمبردج (Cambridge) عما إذا كان سبب هذا التفوق أمر داخلي أم أنه جراء عوامل اجتماعية كتشجيع الآباء لبناتهم على الجلوس والتعامل مع الأخريات، بينما ينهمك الأولاد في اللعب بالمسدسات.
قرر هؤلاء الباحثون دراسة رُضَّع ورضيعات في اليوم الأول لميلادهم، فخيروا الرضع بين النظر لجسم صغير متدل وبين وجه امرأة حقيقي، كانت المرأة تبتسم للطفل دون أن تقول أي شيء، ويتدلى بجانبها جسم صغير متحرك لا يصدر أي صوت. صور جميع الأطفال البالغ عددهم اثنان ومائة طفل عن طريق آلات تصوير مرئي، ثم حلل عدد من الباحثين حركة أعينهم دون أن يكون لهم إلمام بجنس صاحب المشهد، فكانت النتيجة أن الرضع يفضلون النظر إلى الجسم المتحرك أكثر من وجه المرأة بخلاف الرضيعات، وكانت نسبة ملاحظة الأولاد للجسم المتحرك ضعفي نسبة ملاحظة البنات، فتوصل الباحثون بذلك إلى أن الفروق بين الجنسين في الاهتمامات الاجتماعية جزء منها إحيائي (biology) الأصل[5]، فاعتبروا يا أولي الأبصار!
_________
[1] Sax: Why Gender Matters? pp.19-21.
[2]Sax: Why Gender Matters? pp. 21-22.
[3] Sax: Ibid, pp. 23-24.
Megumi Iijima, Osamu Arisaka, Fumie Minamoto, and Yasumasa Arai: Sex Differences in Children's Free Drawings, Hormones and Behavior, 40: 99-104, 2001.
Chris Boyatzis and Julie Eades: Gender Differences in Preschoolers' and Kindergartners' Artistic Production and Preference, Sex Roles, 41:627-38,1999.
I. Kawecki: Gender Differences in Young Children's Artwork, British Educational Research Journal, 20: 485-90, 1994.
Donna Tuman: Sing a Song of Sixpence: An Examination of Sex Differences in the Subject Preference of Children's Drawings, Visual Arts Research, 25: 51-62, 1999.
[4]Sax: Why Gender Matters? p. 22.
William Overman and associates: Cognitive Gender Differences in Very Young Children Parallel Biologically Based Cognitive Gender Differences in Monkeys, Behavioral Neuroscience, 110: 673-84, 1996.
[5]Sax: Why Gender Matters? pp18-19.
- التصنيف: