بُنيّ الحبيب... (2)

منذ 2014-04-01

بنيّ الحبيب! ليس في الدنيا ما يجعلنا نتعلق بها، أو نعتبرها البداية والنهاية.. فما الدنيا إلا قفزة خاطفة من ظلمة الرحم إلى ظلمة القبر.. فهل تستحق تلك القفزة أن نفقد عقولنا لنعتبرها هي كل شيء...

حاول أن تسأل نفسك: من أنا؟ وماذا أريد؟ وما الدور الذي رسمته لحياتي؟ ولا تنزعج من التساؤل، واحتمل وجع التساؤل من أجل الوصول إلى الحقيقة.. واعلم أنك إن فقدت الإجابة لن تعود من رحلة الحياة إلا بما يعود به المقامر المفلس...!

واعلم -يا بُنيّ- أن عدل الله هو الذي يرفع أقواماً، ويخفض آخرين.. وأن من يرفعهم الله هم الذين عرفوا رسالة حياتهم، وعملوا من أجل الوصول إلى أهدافهم، في إطار من سنن الله التي لا تحابي أحداً..

بُنيّ الحبيب! إن عقولنا إذا لم يكن لها لجام من الشريعة؛ صارت خيلاً جامحة تقفز بلا مبرر، وتخرج عن دائرة السباق دون وعيّ..

نعم.. إن عقولنا تبقى صغيرة أمام حقيقة الحياة وكُنه الكون.. فمتى أمكن لكفّ وليد أن يحتوي جبلاً؟!

بُنيّ الحبيب! ليس في الدنيا ما يجعلنا نتعلق بها، أو نعتبرها البداية والنهاية.. فما الدنيا إلا قفزة خاطفة من ظلمة الرحم إلى ظلمة القبر.. فهل تستحق تلك القفزة أن نفقد عقولنا لنعتبرها هي كل شيء..

إننا إذن لتعساء وقصيرو النظر!

بُنيّ الحبيب! إننا حين نرى الحياة من خلال عدسات عقولنا التي غطتها أتربة نفوسنا القاحلة من الشريعة، لا نرى جمالها، ولا نشعر بسكينة أيامها.. بل يأخذنا الدوار فلا نستطيع أداء الأمانة التي حملناها.. تلك الأمانة التي لم يقدّم تفصيل الحياة وفقها إلا الأنبياء والرسل..

بُنيّ الحبيب! إن الأمان في داخل الإنسان، بل وفي خارجه لا يتأتى إلا حين يدرك تلك الأمانة، وأمّا حين يفقدها، فإنه لا يجني إلا الألم والتعاسة.. فهل أطمع أن أقف أنا وأنت وقفة مع أنفسنا دون انفعال أو غضب.. وأن نلقي من فوق أكتافنا أحجار الغرور والجهل، لنحمل بدلاً منها أمانة التكليف.. وأن نزيح عن عقولنا وعن أفكارنا عصابة الكبر، فلا نقبل شرائع البشر ولا قوانينهم، بل نستسلم لشريعتنا التي وضعها لنا اللطيف الخبير..

بُنيّ الحبيب! ما زلت أنظر إلى صورتك في المرآة التي أرى بها وجهي.. وأثق بك، وآمل أن تثق أنت أيضاً بي؛ فتدرك أن نصائحي لا تلغي جهدك، ولا تتهم عقلك، ولكني فقط أحاورك، لأن في تحاوري معك سعادتي.. بل من أجمل ذكريات حياتي، ألصقها بنفسي.. حواراتنا معاً..

بُنيّ الحبيب! حين يصغي الإنسان إلى ما بداخله، ويبحر في جداول نفسه، ويتأمَّل خروجه من رحم أمه تاركاً لها الأوجاع، وبين القبر الذي ينتظره صباح مساء.. هذه المسافة القصيرة بكل ما فيها من آمال وآلام، تريه العبرة، وتخلق بداخله -إن هو صدق مع نفسه- توجهاً قوياً إلى ربه، وفراراً إليه سبحانه..

بُنيّ الحبيب! هل تشعر أنني أعظك؟ هل تقول في نفسك ما الذي يقوله أبي، ولِم يقوله؟

وأنا أرد علي خطرات نفسك، وأقول لك: إني أحاول أن آخذ بيد نفسي من الغرق في بحر هذه الدنيا المظلم، الذي إن نحن أدركنا قوانين السباحة فيه، فلربما نزلنا إلى أعماقه دون غرق، فظفرنا فيها بالأصداف الثمينة، والدرر الغالية، ولم نبق على السطح نغالب أمواج الغرق..

بُنيّ الحبيب! ربما تسألني الآن، وأنّي لنا هذا؟

وأنا أؤكد لك أن رسالة الله في كتابه، وما علمه لنبيه، تدلنا علي القوانين.. قوانين السباحة في بحر الدنيا دون غرق، والوصول إلى أعماقها دون فقدان توازننا.. لأننا وقتها نسير وفق النور {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة 15-16].

بُني الحبيب! حين نتأمَّل حياتنا بعد أن مررنا بأغلب صفحاتها، ربما أصابنا خوف من صفحاتها المتبقية.. بل ربما أصبح خوفنا مًرًضياً؛ فرأينا كل عقبة صغيرة شبحاً عظيماً، وأصابنا الرعب من فرار طير من أمامنا...!

بنيّ الحبيب! إننا مدعوون للتساؤل.. مدعوون للتفكر.. فهل إذا تساءلت غضبت مني؟ وهل يجرح ذاتك تساؤلي؟

لا أظن.. بل تساؤلي محاولة لهدم أسوار جهالتنا، والتحرر من سجن بلادتنا.. فهلَّا تساءلت معي، وهلَّا حاولنا أن نجد الإجابة بطهارة نفس ونظافة سريرة.. إننا عندها سنخرج من الحيرة معاً، لأن كل واحد مِنَّا لا يدعو الآخر أن يكون أسير فهمه، ولا يزعم أنه يملك الفهم الصحيح وحده..

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,123

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً