نماذج في العِزَّة عند التَّابعين
عن عزة طاووس اليماني مع هشام بن عبد الملك
- التصنيفات: أخبار السلف الصالح - تراجم العلماء -
قَدِم هشام بن عبد الملك حاجًّا إلى مكَّة، فلما دخلها، قال: ائتوني برجل من الصَّحابة.
فقيل: يا أمير المؤمنين، قد تفانوا. قال: فمن التَّابعين، فأتوه بطاووس اليماني.
فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولكن قال: السَّلام عليك، ولم يُكَنِّه، ولكن جلس بإزائه.
قال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا، حتى همَّ بقتله، فقيل له: أنت في حرم الله ورسوله، فلا يمكن ذلك.
فقيل له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟!، فازداد هشام غضبًا، وقال: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبِّل يدي، ولم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا هشام؟
فقال: أمَّا ما خلعت نعلي بحاشية بساطك، فإنِّي أخلعهما بين يدي رب العِزَّة كلَّ يوم خمس مرَّات، فلا يعاتبني، ولا يغضب علي. وأما قولك: لم تقبِّل يدي. فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا يحلُّ لرجل أن يقبِّل يد أحد، إلَّا امرأته من شهوة أو ولده برحمة)، وأما قولك: لم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، فليس كلُّ النَّاس راضين بإمرتك، فكرهت أن أَكْذب، وأما قولك: جلست بإزائي، فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النَّار، فانظر إلى رجل جالس وحوله ناس قيام، وأما قولك: لم تكنِّني، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سمَّى أولياءه، وقال يا داود، يا يحيى، يا عيسى، وكنَّى أعداءه فقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]
فقال هشام: عِظْني.
فقال: سمعت أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه يقول: "إنَّ في جهنَّم حيَّات كأمثال القِلَال، وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ أمير لا يعدل في رعيَّته"، ثمَّ قام وذهب.
الدرر السنية