اليهودية والصهيونية
الصهيوني هو اليهودي الذي يُؤثِر أن يعيش في فلسطين، وهو كذلك مَن يساعد اليهود ماديًّا أو أدبيًّا ليستوطنوا فلسطين، ويرى اليهود أن موسى عليه السلام كان أولَ قائد للصهيونية، وأول مَن شيَّد صرحها ووطَّد دعائمها؛ فهو الذي قاد بني إسرائيل ليدخل بهم فلسطين عقب خروجهم من مصر.
إن العلاقة بين اليهودية والصهيونية عَلاقة جمعية، لا يمكن انفصامها، فهما بمثابة عُمْلة واحدة لها وجهان، والصهيونية (Zioinism) -كما علمت- نسبة إلى جبل (صهيون) الذي يقع في الجنوب من بيت المقدس، وقد اقتحمه داود إبَّان ملكه، واستولى عليه من اليبوسيين الذين كانوا يقطنونه، وأخذ داود حصن صهيون وأقام داود في الحصن، وسماه (مدينة داود)، وأصبح صهيون مكانًا مقدسًا؛ لاعتقاد اليهود بأن الرب يسكن فيه، فقد ورد في المزامير: "رنموا للرب الساكن في صهيون.
وعلى هذا.. فالصهيونية تعمل على استقرارِ بني إسرائيل في فلسطين؛ أي: في جبل صهيون وما حوله، وهي كذلك تؤيِّد ذلك بالقول أو بالمساعدة المالية أو الأدبية، وبناء على ذلك فالصهيوني هو اليهودي الذي يُؤثِر أن يعيش في فلسطين، وهو كذلك مَن يساعد اليهود ماديًّا أو أدبيًّا ليستوطنوا فلسطين، ويرى اليهود أن موسى عليه السلام كان أولَ قائد للصهيونية، وأول مَن شيَّد صرحها ووطَّد دعائمها؛ فهو الذي قاد بني إسرائيل ليدخل بهم فلسطين عقب خروجهم من مصر، ولم يدخل موسى عليه السلام أرض الميعاد، ولكن خلفاءه دخلوها، وهبَّت أعاصير ضدهم حين أقحموا أنفسهم في هذه البلاد، وأخرجوا منها عدة مرات، وفي كل مرة كان فريقٌ منهم يتطلع للعودة لأرض الهيكل وللحياة في صهيون، وهؤلاء هم الصهيونيون.
وبعد خروجهم سنة 135م اجتثاثًا لدابرِهم وتدميرًا لجذورهم، حتى إن الفتح الإسلامي عندما جاء بعد ذلك بخمسة قرون (636م) لم يكن بإيلياء -بيت المقدس- يهودي واحد؛ إذ كانت الأطماع في الاستقرار بفلسطين قد زالت، فارتضى اليهود الحياة في موطن الهجرة، وبخاصة في البلاد الإسلامية حيث تمتعوا بما يكفلُه الإسلام لغير أتباعه في المجتمعات الإسلامية من حقوق، وتوقَّفت بذلك حركة الصهيونية حينًا من الزمان استمر قرونًا، ومر الزمن ولم يُبْدِ اليهود قط أيَّ لون من ألوان الولاء للبلاد التي عاشوا بها، واشتركوا في مؤامرات ضدها، فتعرضوا لحركة اضطهاد عنيفة في أكثر البلاد التي نزلوا بها، وكان من أشدها قسوة المذبحة التي نزلت بهم في روسيا سنة 1882م، "وعلى إثرها بدأتْ حركة الصهيونية من جديد، وأدرك اليهود -مرة أخرى- أنه ليس ثَمَّة عيش لهم إلا في أرض أسلافهم، أرض الميعاد، وبدأ مسلسل جديد لم تنتهِ حلقاته بعد!" (راجع بتوسع: اليهودية: د/ أحمد شلبي، ص:125-132، والموسوعة الميسرة، ص:561-569).
الصهيونية حركة سياسية دينية:
الصهيونية كحركة سياسية، تَهدِفُ إلى جمع اليهود ولَمِّ شملهم بتهجيرهم إلى فلسطين، لتأسيس دولة يهودية فيها، تدين بالدين اليهودي وتتميز بالعنصر اليهودي وبالثقافة اليهودية، وبإرادة بعث مملكة داود، نشأت في أواسط القرن التاسع عشر على يدِ والدها وزعيمها الأول (تيودور هرتزل)، أما الصهيونية كحركة دينية فكرية، أو كمدنية شاملة، تَهدِف إلى تمكين العنصر اليهودي من أداء رسالته، وتتفهم هذه الرسالة كتملك لأرض الميعاد، وقهر لجيرانها الأعداء، وتركيز لسلطة العالم الروحية والحضارية والفكرية في صهيون؛ فهي فكرة قديمة جدًّا، فهي أقدم من موسى وتوراته، ودلائل وجودها متوفِّرة في دين البطاركة؛ أي: في دين العبريين أثناء وجودهم في مصر، بل وقبل دخولهم مصر.
والواقع أن الصهيونية -كما عرفناها- دينيًّا وفكريًّا، هي لب الروح اليهودية الأصلية، فهي التي حافظت على عبرية العبريين في مصر، ومنعتْهم من الانصهار في جسم الأمة المصرية، ولولاها لما كان هناك اضطهاد للعبريين من قِبَل المصريين، ولا كان خروجُهم هربًا من ذلك الاضطهاد (راجع بتوسع: أصول الصهيونية في الدين اليهودي، د. إسماعيل راجي الفاروقي، ص:7-35، ط: مكتبة وهبة (الثانية) 1408هـ/ 1988م).
أصول الصهيونية في الدين اليهودي:
في المنفى في بابل -بعد سنة 586 ق. م-: تحوَّل الدين العبري إلى الدين اليهودي، ففي الدين العبري كان الإله إله شعبه المختار فقط، يدفعُه ويؤازره ويحركه، ويعمل له من أجل استيطانه فلسطين، والمحافظة على جنسيته وعنصره، لكنه لم يكن يتدخَّل في كثير أو قليل في حياة الشعوب الأخرى بعد أن تم الاستيطان الأول وقيام مملكة داود، أما بعد المنفى فقد أصبح الإله يتدخل لا لحماية شعبه فحسب، بل لإذلال وإخضاع شعوب العالم لشعبه المختار، ولاستمرارِ استعبادهم له على مرِّ العصور، وذلك بعد أن كان أولاً إله شعبه، وقلَّما كان إله الآخرين، أصبح بعد المنفى إله الآخرين، إله البشر أجمع، لا لحبه لهم ولرعايته أو هَدْيه لهم، بل لإخضاعهم لسلطة شعبه وتسهيل استعبادهم واستعمارهم من قِبَل شعبه الحبيب، وهذا هو حصيلة حركة الإله من القومية إلى العالمية!
وغيَّر المنفى أيضًا مفهومَ التعبُّد من إقامة الطقوس القربانية إلى دراسة نصوص الوحي؛ أي: التوراة، والتديُّن بتلاوتها المستمرة، وإقامة القانون الذي جاءت به، وحطَّم المنفى انقسام الأمة اليهودية القديم إلى طبقات ثلاث: (الكهنة، واللاويين، والعامة)، لا تجوز الحركة بينها إلا نزولاً من العليا إلى السفلى عند نقض الفرد لمقتضيات طبقته؛ إذ جعل من الأمة كلها طبقة واحدة، كلها في القداسة سواء، وإن قام فيها كهنة وقفوا حياتهم على دراسة التوراة وحفظها.
إلا أن أهم ما أحدثه المنفى من تغيير في الدين العبري، هو إدخاله فكرة المسيح المنتظر، أو المتوج ملكًا على إسرائيل، بمسحه بالزيت المقدَّس، وهي فكرة انتظار مَن يقوم بقيادة اليهود مِن منفاهم إلى دولتهم (يهوذا) بعمل معجز، فيُعِيد لهم مملكتهم الداودية، ويحقق لهم استعبادهم واستعمارهم للبشر وسيادتهم على الدنيا كلها، وقد رأى المنفيون في شخصٍ كورش الفارسي مسيحًا أرسله الإله لينقذ شعبه المهزوم، ويحقق له أحلامه الانتقامية والاستعمارية.
وقامت لليهود إثرَ عودتهم مملكة كانت على جانب كبير من الضعف في عالم الإمبراطوريات الدولية، وهزمت هذه المملكة على يد الإغريق، ثم على يد الرومان، ولكن في كل حين -لا سيما عندما كانت تجري الحوادث على عكس ما يشتهون- يتطلَّع اليهود إلى المسيح المنتظر، ويرون فيه بلسمًا لجراحهم، فبعد أن شتَّتهم الرومان سنة 70 للميلاد في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، تصاعدت أصوات اليهود إلى السماء من جديدٍ بأن يرسل الإله لهم مسيحًا يخلِّصهم ويعيد لهم مجدهم التليد، بل وأصبح هذا الدعاء والتطلع النفساني الذي ينطوي عليه عنصرًا مكونًا للدين اليهودي؛ ففي أقدس أوقات السنة في يوم التكفير أو (يوم كيبور)، يقول المصلُّون في آخر ما يتوجهون به من دعاء: "السنة القادمة في أورشليم"، وبهذا التحم الدين اليهودي بالقومية التحامًا أصبح يتعذَّر بعده فصلُ السياسة عن الدين، بل دخلت السياسة في الدين بشكل أصبحت هي فحواه، وعليه أصبح الدين قومية دينية.
هذا.. وتقوم الصهيونية على أسس من الأفكار الخاطئة والمعتقدات الزائفة، في قوالب نمطية، وإدراكات متسرعة، تتمثل -لدى الشخصية الصهيونية- في..
أ- تصنيف البشر إلى فئتين (ساميين وغير ساميين)، ويقوم الصهاينة بهذا التصنيف استنادًا إلى مجموعة من القوالب النمطية التي استمدُّوها من فكرهم عبر تاريخهم الطويل، وعملية التصنيف هذه تعدُّ من الملامح الأساسية للتعصُّب الصهيوني؛ حيث تتم التفرقة بين الناس على أساس بعض السمات أو الخصال -التي غالبًا ما لا تكون صحيحة-: فاليهود الساميون يتَّسمون بمجموعة من الخصال أو الصفات التي تميزهم عن سائر البشر الآخرين، وهي غالبًا ما تكون خصالاً إيجابية، بينما يتَّسم غير الساميين بالعديد من السمات السلبية الكريهة التي تصل إلى مستوى الشتائم، التي تجعل اليهود في مستوى يعلو فوق مستوى البشر، فيرفعون -أي اليهود- أنفسَهم إلى مستوى التقديس والعبادة، ويتَّخِذون موقفًا عدائيًّا من جميع الشعوب التي يدعون أنها دون الشعب اليهودي من النواحي الخلقية والعقلية والفكرية؛ لذلك يمثِّل غير الساميين أعداء حقيقيين لليهود، وينبغي مواجهتهم بحسم وقوة من أجل حياة أفضل لليهود.
ب- الاعتقادات الخاطئة بفكرة (النقاء العنصري اليهودي)، ويقصد به أن الأفراد في جماعة معينة يختلفون عن غيرهم من أفراد الجماعات الأخرى ككل من حيث نقاؤهم وراثيًّا، بمعنى: أنهم كجماعة لم يتعرَّضوا لِمَا تعرَّض له غيرهم من تداخل بين السلالات المختلفة، وهذا هو لبُّ مضمون التعصب العنصري للصهيونية؛ لذلك تدَّعي نقاءها من حيث القدرات العقلية، والخصائص النفسية، وسائر الإمكانات البشرية الهائلة التي يتميزون بها عن غيرهم من أبناء الأمم والشعوب الأخرى، مع الإيمان العميق بحقارة أمم العالم، ويتضح ذلك من خلال استخدامهم العديد من الألفاظ الكريهة والسلبية في وصفهم شعوب العالم، سواء في ذلك الشعوب الإسلامية أو الشعوب المسيحية، وارتباط كل شعب منها بمجموعة من الصفات السيئة، وأكبر دليل على ذلك أن تقرأ التلمود أو البروتوكولات، فهم يقولون: "مَن ليس يهوديًّا ليس إنسانًا، ويمكن تسميته صرصورًا، أو حيوانًا يسير على قدميه، ويمكن تسميته غريبًا أو عدوًّا" (الاتجاهات التعصبية، ص 240 - 241، بتصرف).
فاليهود شعبٌ مميَّز عن بقية الشعوب، منفصل عن الجنس البشري، لا يخضع للقيم الأخلاقية التي تخضع لها سائر الشعوب؛ ولذلك فإنه قادرٌ على ارتكاب الجرائم باسم القيم والأخلاق والأهداف، التي يقرِّرها هو حسب هواه، وفي مقابل هذا التفرق العنصري والعرفي الحضاري لليهود طرح الصهاينة فكرةَ التخلف العربي العرقي، والحضاري أيضًا؛ (فهرتزل) حينما تحدَّث عن تفوُّق الحضارة الغربية متمثِّلة في المستعمر الصهيوني، فإنه تحدَّث أيضًا عن فلسطين باعتبارها هذا الركن الموبوء البالي من الشرق، وقد عبَّر عن رغبته في أن تكون الدولة الصهيونية بمثابة الحائط المنيع الذي يقف ضد (الهمجية الشرقية)، التي يمثِّلها -بطبيعة الحال- العرب عامة، والفلسطينيون خاصة.
ولذا: فعلاقة اليهود بالأغيار (أو غير الساميين) لا تتسم بالمودة أو التعاون، إذ إن الأغيار ذئاب وقتلة يتربصون دائمًا باليهود، ويحاولون الفتك بهم، والعرب هم كلهم من الأغيار (العربي الفلسطيني في الفكر الصهيوني، عبدالوهاب المسير، كتاب العربي:19، ص:141-149، بتصرف)، هذا.. ومَن يسلم بنقاء شعبه يسلم كذلك بدونية أو انحطاط الشعوب الأخرى التي يعتقد أنها تعاديه، والواقع أن فكرة النقاء العنصري لم تَعُدْ تصمد أمام الدراسات البيولوجية العضوية والسيكولوجية النفسية الحديثة، فمن الصعب -إن لم يكن من المستحيل- الوقوف على شعب أو أمة واحدة لا توجد فروق بين أبنائها في أي خاصية من الخصائص الجسمية أو النفسية، بالشكل الذي يزعمه الفكر الصهيوني.
فاليهود ينتمون إلى طائفة دينية واجتماعية، اندمج فيها في كل العصور أشخاص من أجناس متباينة، وكان أولئك المتهوِّدون يدخلون فيها من جميع الآفاق المسكونة بالبشر من اليهود الأحباش (الفلاشة)، إلى يهود الأشكناز (من الجنس الجرماني)، إلى التاميل (اليهود الأفارقة الزنوج)، إلى اليهود الهنود الذين يسمون بني إسرائيل، واليهود الخزر الذين ينتمون إلى الجنس التركي، فهل هناك من هذه الأنواع الإسرائيلية نوع يعتبر من ناحية التشريع والتحليل ممثلاً حقيقيًّا ونقيًّا للجنس اليهودي؟ (الشخصية الإسرائيلية د. حسن ظاظا، ص:35-36، بتصرف).
الإجابة: إنه من المستحيل ذلك في ظلِّ الأدلة العلمية، وهذا هو مضمون الاعتقاد الصهيوني الخاطئ، الذي يمثِّل محورًا هامًّا للتعصب العنصري، فرغم وجود أدلة موضوعية على خطأ الفكرة يتمسَّك بها صاحبها لدرجة أنه لا يستطيع أن يتقبل سواها (الاتجاهات التعصبية، ص:241-243، بتصرف).
ج- الاعتقادات الخاطئة الخاصة بأنهم (شعب الله المختار)، وهذه هي الشريعة التي يقوم على أساسها التعصب الديني للصهيونية، فهم يستندون إلى نصوص من التوراة تؤكد غرورهم ووهمهم في هذا الجانب، فظهرت في تعبيراتهم اللغوية ألفاظٌ يطلقونها على أنفسهم؛ لتؤكد هذا الغرور، وتزيد من الالتحام والتضامن اللذينِ يربطان بعضهم ببعض، وجعلوا هذه الظاهرة مرتبطة باختيارٍ إلهي لهم دون سائر الشعوب في الأرض، وبإرادة سماوية لا قِبَل للبشر بمقاومتها، فمن هذه الألفاظ ادِّعاؤهم أنهم أبناء الله وحلفاء الله، وأحباب الله!
ويفسِّرون هذا الاختيار الإلهي بأنه تفضيلٌ للأقوى والأصلح، ويردُّونه إلى ليلة المصارعة العجيبة التي أدَّى فيها جدهم يعقوب -إسرائيل- امتحان القوة والصبر على المكاره بنجاح باهر، وبهم يعاقب الله الأمم الأخرى، وهم يَبْقَون وحدَهم في آخر الزمان متسلطين على رقاب العالَم، وهم -باختصار- الذي يلعبون دورَ البطولة على هذا المسرح الهائل -مسرح التاريخ- والأمم الأخرى ليست إلا أشخاصًا ثانوية، خلقهم الله لتكملة مشاهد هذه المسرحية الطويلة وحوادثها، على نحو تظل فيه البطولة لإسرائيل (الشخصية الإسرائيلية، د. حسن ظاظا، ص:36-37، بتصرف).
كلٌّ من المعاني السابقة تمثِّل أفكارًا أو اعتقادات خاطئة، وقوالب نمطية نسجها اليهود من وحي الخيال، محاولين الاستناد إلى بعض معاني التوراة مما يمثِّل موضوع شك واختلاق لا يقبله العقل أو الدين، والمثال على ذلك يصل إلى حدِّ أنهم في تعبيراتهم الشعرية يَرْوون: "أن الربَّ قد اتخذ أمتَهم عشيقة له، بل إنه تزوَّجها زواجًا أبديًّا، حتى إنها إذا خانتْه ودنَّست شرف العلاقة القائمة بينها وبينه لم يطلِّقها كما يفعل أحقر مخلوق من البشر، ولكنه يكتفي بأن يغضب ثم يرضى، وأن يعاقب ثم يصفح، فهي الأم الحبيبة المعشوقة المدللة، التي تعلم مقدمًا أن الرب لن يجرؤ يومًا ما على قتلها مهما أجرمت" (الاتجاهات التعصبية، ص:243-244، بتصرف).
وتعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا سبحانه وقد أخبر في القرآن الكريم ردًّا على زعمهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ..} [المائدة:18]، وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء:123]، وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:111-112].
د- الاعتقادات الخاطئة بحتمية الصراع وفناء العالم أمام إسرائيل:
بناء على مجموعة المشاعر القومية الموجودة لدى الصهيونيين، والخاصة بإحساسهم بالاضطهاد من قِبَل كل العالم -والعالم العربي خاصة- فإنهم يعيشون في ترقُّب وحذر يجعلان من الضروري دخولهم في صراع شامل مع أعداء السامية في كل النواحي (السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية... إلخ)، وهو ما يحدث الآن بالفعل، وهذا الصراع حتمًا لا بد من أن ينتهي بفناء مَن يقف أمام الصهيونية في زعمهم، بل يمكن أن يؤدِّي إلى فناء العالم لو ساعدت الظروف على ذلك، فإسرائيل هي التي ينبغي أن تستمرَّ، وما عداها لا بد أن ينتهي، وهذه الاعتقادات مظهرٌ هام لتعصُّبهم العنصري، ترتبط بغرورهم وشعورهم بالتميز والقوة أكثر من العالم، بشكل يصل إلى حد الضلالات؛ لأن الشعور بالتميز يرتبط إلى حد كبير بالشعور بالعظمة والتعالي والكبرياء (الاتجاهات التعصبية، 245).
• والحق يقال: إن العكس من هذا سيحدث -بإذن الله- مع تحقيق وعد الآخرة، وزوال دولة اليهود، وفناء اليهود أيضًا على يد عباد الله.
• هذا.. والصلة بين الماسونية والصهيونية وطيدة، والعَلاقة بينهما حميمة، فقد تسلَّلت الصهيونية إلى الماسونية بجميع محافلِها التي تدار عن طريق التسلسل من قيادة يهودية لا يدخلها غير اليهود (حكومة العالم الخفية، نقلاً عن المخططات التلمودية، ص222، بتصرف)، وتحاول الصهيونيةُ الادِّعاء بأن اليهودية أولُ دينٍ محترم أنزله الله على هذه الأرض، وأن ما عداه أديان باطلة، وأن هذه الأديان أوجدت الفُرْقة بين الشعوب، وأنهم بمجهوداتهم سيحطِّمون الأديان ويعيدون الناس إلى دينهم هم (المخططات التلمودية، ص:222).
بين الصهيونية والمسيحية:
إن المسألة اليهودية عبر التاريخ إنما هي وليدةُ الصراع بين اليهودية والمسيحية الغربية، ولم يكن للعرب والمسلمين شأنٌ في هذا الصراع، ولقد حاولتِ الصهيونية -منذ وقت بعيد- تذليلَ المسيحية لأهدافها، وذلك بالربط بين العهد القديم والعهد الجديد، واحتواء البروتستانتية وإخضاعها لمفاهيمها، وقد حملت الصهيونية التلمودية على المسيحية، وحاولتِ التشكيكَ فيها بهدفِ احتوائها والسيطرة عليها من ناحية أخرى، ولقد كان هدفُ الصهيونية التحررَ من القوانين التي فرضتْها المسيحية على المجتمع اليهودي داخل المجتمع المسيحي، وكانت الثورة الفرنسية -والثورات الأوربية المختلفة- عاملاً على إحلال القومية والوطنية محل الدين، وبذلك انهارتْ هذه القيود، وتمكَّن اليهود في المجتمع الغربي كله من الانطلاق والعمل في مختلف المجالات، واستطاعوا السيطرة على الأحزاب السياسية، وتوجيهها الوجهة التي تمكِّنهم من قيادة الأمم والدولة.
وقد تمكنت الصهيونية من السيطرة على (التعليم، والصحافة، والثقافة، وأجهزة الإعلام الغربية)، على النحو الذي مكَّنهم من أن يفرضوا على العقل الغربي مفاهيمَهم، سواء بشأن السيطرة على فلسطين، أو بشأن تدمير مقومات الإنسان الأخلاقية والدينية، عن طريق الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية التي طرحوها وأعلوها، وأعطوها من بين المذاهب المختلفة دفعة القوة والتمكين (المرجع السابق، ص:223).
الصهيونية والعالم الإسلامي:
كما كانت تَهدِفُ الحركة الصهيونية للسيطرة على العالم الإسلامي بوصفه مسلمًا أولاً، وبوصفه ملتقى القارات وبه الطاقة والثروة، وكل ما تريده يهودية الرِّبَا في السيطرة عليه، وإن الظروف السياسية التي وجُدت -والتي صُنعت صنعًا- قد واتت على تحقيق الهدف في ظل ضعف العرب والمسلمين، وسقوطهم تحت سلطان الاستعمار الغربي أكثر من قرنين من الزمان.
وليست الصهيونية إلا الصيغة الحديثة والعصرية للمطامع اليهودية في إقامة الدولة العالمية، مستخدمة كل الوسائل والأساليب، سواء منها الدينية والأسطورية، أو العلمية والعصرية؛ لتحقيق هدف التوسع والسيطرة والإِدَالَة من الإسلام وأهله، ولقد يبدو واضحًا في الحديث عن إطلاق (اسم خيبر) على معركة 1967م، وغيرها من الأحداث والمحادثات، ما يدل على هذا المعنى الذي يرتكز في غزو ثقافي؛ لإحلال مفاهيم يهودية تلمودية محل المفاهيم القرآنية الإسلامية (المرجع السابق: ص:109، بتصرف).
عمر بن عبد العزيز قريشي
- التصنيف:
- المصدر: