نصيحة عامة لحملة الأمانة
مصطفى يوسف اللداوي
إياكم أن تصمُّوا الآذان، وتُغلِقوا دون الحق الأبواب، وتصدُّوا كل صاحب نُصحٍ ومشورة، بل قِفوا وفكِّروا، وتدبَّروا واعوا، ولا تتوغَّلوا أكثر فتلغوا في الدماء، فيكون جوازكم عند الله صعباً، ونجاتكم من سيوف أمتكم مستحيلاً...
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة - أخلاق إسلامية -
عندما تعتقد بأنك وحدك على الحق، ولا أحد غيرك على الحق مثلك، وأن رأيك هو الصواب، وأن أي رأي آخر غير رأيك باطلٌ أو خطأ، وعلى الجميع أن يُصغي لك ويسمع، وأن يلين أمامك ويخضع، وأن يصمت ويتَّبع... بل أن يذل لك ويخنع!
وعندما تحتكر الحق لنفسك فقط، فلا أحد على الحق كان قبلك، ولن يكون على الحق أحدٌ بعدك إلا أن يكون مثلك، يحمل رأيك، ويؤمن بما تؤمن به، ويقوم بما تقوم به، ويدافع عنك ويُشيد بك، ويُصفِّق لك ويُطبِّل، ويرقص من أجلك ويُغني، يرفع صورك ويُمجِّد اسمك، وإلا فإنه ضالٌ ومنحرِف، ومخالِفٌ ومبتدع، ومتآمرٌ وخائن، وعميلٌ مأجورٌ!
وعندما تستخف بالآخرين وتُعظِّم نفسك، وتحتقِر الكبار وترفع من قدرِك، وتُهين العظماء وترفع من شأن السفهاء، وتُقصي الأكفاء وتستبطِن الجهلاء، وتفض من حولك الحكماء وتجمع في بيتك البلهاء؛ اِعلم إذاً:
بهذا العقل وبهذه الطريقة من التفكير، أنك لست على الحق، بل إنك على خطأ، يقودك غرورك، ويُحرِّكك انتماؤك، وتدفعك قوتك، وتُغرّر بك المظاهر، وقد تسوقك الأحقاد، وتعمي بصيرتك الأوهام، وتملي عليك مصالحك أو منافعك الأولويات، وتُعيد في ذهنك بغير الحق تغيير المهام والواجبات...
فإن لم تكن قادراً على الاعتراف بأنك كنت على خطأ، وأنك أسأت الاختيار، وأخطأت في القرار، وخالفت الآراء، أو تفرَّدت في اتخاذ القرار، أو استعجلت ولم تتريث، أو أنك نُصِحت فَخُدِعت، وحسبت فأخطأت، ثم حِرت وعجزت، وتعبت وحوصرت، فلم تُحسِن تصويب المسار، ولا إعادة القطار إلى سكته، وعانى من قرارك الكثيرون، وتضرَّر الأبرياء والمواطنون، وتقطَّعت العلاقات، وتمزَّقت الروابط، وتباعدت المسافات، وعظُمت العقبات، وغرقت مراكبك، وبارت تجارتك، وخسرت رهاناتك، وضاع ما كنت تملك، وباء بالخسران ما كنت تجمع، ولم يبقَ عندك ما يقيد ولا ما يقي، ولا ما يسمن أو يغني من جوع...
فإن من كمال الأخلاق، والصدق مع الأمانة التي تحمل، أن تتنحَّى وتبتعد، وأن تذهب وترحل، وأن تترك لغيرك الفرصة لأن يكونوا هم السدنة والربّان، والقادة والفرسان... علَّهم ينجحون في توجيه الدفّة وإنقاذ الركبان، قبل أن يمضي الزمان، ويفوت الآوان، ونقول عندها ليت الذي صار ما كان!
إياكم أن تصمُّوا الآذان، وتُغلِقوا دون الحق الأبواب، وتصدُّوا كل صاحب نُصحٍ ومشورة، بل قِفوا وفكِّروا، وتدبَّروا واعوا، ولا تتوغَّلوا أكثر فتلغوا في الدماء، فيكون جوازكم عند الله صعباً، ونجاتكم من سيوف أمتكم مستحيلاً...
فلا تتكبَّروا عن النُّصح وتلقّي المشورة، فتسقطوا ومن معكم من العلياء، إنه صوتٌ حقٍ ولو جاء بلسان الضعفاء، فقد يرفع الآذان وهو الحق بصوتِ الضعفاء، فلا يغرنَّكم نُصح الصغير، ولا مشورة الضعيف، فإنهم يرون ما لا ترون، ويعرِفون أكثر مما تعرِفون.